في فهم معنى «الغاز مقابل الروبل» 8- (الربح!)

في فهم معنى «الغاز مقابل الروبل» 8- (الربح!)

هنا الحلقة الثامنة، ويمكن الرجوع عبر الروابط للحلقات السابقة: الأولى (1- العقوبات وسعر الصرف)، الثانية (2- إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا)، الثالثة (3-خلية الرأسمالية الأولى)، الرابعة (4- خطوة أخيرة قبل ظهور النقد)، الخامسة (5-أنتم ملح الأرض!)، السادسة (6- العملة رمزٌ للقيمة!)، السابعة (7- رأس المال!)

وصلنا في الحلقة الماضية إلى قانون القيمة، ومررنا على جملة من المفاهيم المتعلقة به، والتي سنتابع هنا محاولة توضيحها أكثر، وصولاً إلى الحديث عن: يوم العمل، العرض والطلب، السعر والقيمة، الربح، ثم آليات زيادته... وذلك تمهيداً للحديث عن الدّور الذي تلعبه العملات المحلية ثم الدولية.

(الهدف النهائي لهذه السلسلة، هو أن يتمكن القارئ من تكوين رأيٍ مستنير مما يجري هذه الأيام من تحولات كبرى على الساحة العالمية بما يخص البترودولار والدولار نفسه، وضمناً مسألة (الغاز بالروبل) بوصفها نقطة علامٍ في الانتقال نحو مرحلة جديدة، ليست بالنسبة لروسيا وحدها، بل وللعالم بأسره...)
وإذاً فلنتابع...
عرضنا في الحلقة الماضية الصيغة الأساسية لقانون القيمة، وسنقوم هنا بمراجعته، ومن ثم البناء عليه، لأنه مَركز فهم المسألة ككل. وسنبدأ بتعريف رموزه بشكل مفرد، ثم بشكل مركب...

قانون القيمة (مفردات)

W = C + V + m
W: القيمة: (عدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً التي بذلت لإنتاج (البضاعة)، وقيمة البضاعة هي ما يتم على أساسها تبديلها ببضائع أخرى، وكذلك بيعها وشراؤها بالنقود.
C: رأس المال الثابت/ العمل القديم المتراكم/ العمل الميت: (عدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً التي بذلت سابقاً لإنتاج مستلزمات الإنتاج من مكان وآلات ومواد أولية وإلخ... أي كل مستلزمات الإنتاج عدا قوة العمل الحية).
V: قيمة قوة العمل/ العمل الضروري: (عدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً لإنتاج مستلزمات إعادة إنتاج قوة العمل) أي الساعات اللازمة لإنتاج جملة البضائع والحاجات التي يستهلكها العامل لكي يتمكن من مواصلة العمل في اليوم التالي. (يحتاج العامل لكي يمتلك القدرة على العمل إلى تأمين جملة ظروف واحتياجات: طعام، لباس، صحة، تعليم، وحاجات روحية وثقافية، وهذه يجري إنتاجها وتداولها في السوق، وهي بضائع كغيرها لها قيمة، أي بُذل في إنتاجها عدد ساعات عمل محدد، ولكي يتملكها العامل عليه أن يدفع مقابلها عدد ساعات عمل مماثل: هو قيمة قوة العمل.
m: القيمة الزائدة/ العمل الزائد: (إذا كان عدد ساعات العمل اليومي للعامل هو 10 ساعات مثلاً، وكانت قيمة قوة عمله، أي قيمة مختلف احتياجاته الأساسية التي تمكنه من مواصلة العمل تكافئ 6 ساعات مثلاً، فإنه يعمل في كل يوم 4 ساعات بالمجان لمصلحة صاحب العمل، هذه الساعات الأربع هي مصدر ربح صاحب العمل، ومصدر كل ربح.

قانون القيمة (مركبات)

W = C + V + m
C + V: رأس المال المسلف/ رأس المال الاستثماري/ ن1: هو رأس المال الذي يدفعه الرأسمالي للدخول في عملية الإنتاج، وهو مجموع قيمة رأس المال الثابت ورأس المال المتغير، أو بطريقة أوضح (وبشكل تقريبي) هو قيمة وسائل الإنتاج المادية اللازمة لعملية الإنتاج بالإضافة لأجور العمال (وضعنا كلمة أجور بخط غامق لأنها ليست دقيقة في هذا السياق وسنوضح لاحقاً لماذا). وإذا تذكرنا معاً أننا في حديثنا كله عن قانون القيمة كنا قد بدأنا من شكل التبادل ن1-ب-ن2 أي نقد- بضاعة-نقد، وقلنا إنّ النقد الثاني عليه أن يكون أكبر من الأول ليكون للعملية معنى، فإنّ C + V هي ذاتها ن1 التي يدخل فيها الرأسمالي عملية التبادل هذه، ليخرج بـ: ن2 في نهاية المطاف، ويكون الفرق بينهما هو الربح.
V + m: يوم العمل/ القيمة المنتجة مجدداً: هو عدد ساعات العمل التي يقوم بها العمال. وهذا العمل هو كما أسلفنا في (القيمة الاستعمالية لقوة العمل)، يقوم بصهر ودمج العمل القديم لإنتاج قيمة استعمالية جديدة، بضاعة جديدة، ينقل إليها ليس فقط قيمة عمله، ولكن أيضاً قيمة العمل القديم (قيمة المواد الأولية والمكان والآلات وإلخ).
m/V: معدل القيمة الزائدة، أو معدل الاستغلال: كما أسلفنا فإنّ V هي عدد ساعات العمل الضروري، وبشكل مبسطٍ لو أنّ العامل عمل فقط لـ5 ساعات مثلاً بدلاً عن 10 لكان أنتج ما يكافئ احتياجاته وما يكافئ (الأجر) الذي يعطيه إياه صاحب العمل. في حين إنّ m هي العمل الزائد، أي عدد ساعات العمل المجاني الذي يقوم به العامل لمصلحة رب العمل (وفي هذا المثال هو أيضاً 5 ساعات إذا كان يوم العمل الكامل هو 10 ساعات). استخدم ماركس مفهوم معدل القيمة الزائدة، أي ناتج قسمة m على V للتعبير عن معدل الاستغلال. وفي المثال السابق فإنّ معدل الاستغلال سيكون 5/5 أي 100%، وهو معدل استغلال (رحيمٍ جداً) مقارنة بمعدلات الاستغلال المعاصرة...
C/V: التركيب العضوي لرأس المال. وهذا لن نقف عنده في هذه السلسلة، ولكن يكفي أن نشير إلى أهميته القصوى بالقول: إنه الأساس لقانون من أهم القوانين الاقتصادية السياسية التي اكتشفها ماركس (ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تعقد التركيب العضوي لرأس المال) والذي ما يزال حتى اليوم قادراً على تفسير كبرى الظواهر العالمية بما فيها الحروب، بل ويمكن عبره التنبؤ بها أيضاً...

ملاحظة

قلنا: إنّ العامل الذي يعمل 10 ساعات يومياً، يمكن أن ينتج قيمة قوة عمله، أي ما يكافئ (أجره)، في 5 ساعات مثلاً، بينما يعمل 5 ساعات أخرى بالمجان لمصلحة صاحب العمل... فما الذي يجبره على فعل ذلك؟
تكمن المسألة في تحقق شرطٍ تاريخي أساسي لتطور الرأسمالية ككل: وهو تصنيع «العامل الحر». والمقصود بالعامل الحر، وبعيداً عما توحي به الكلمة من أوهام، أنه إنسان حرٌ من امتلاك وسائل الإنتاج! أي أنه فعلياً محروم من وسائل الإنتاج التي يمتلكها الرأسماليون. وهذا الإنسان غير قادر على تجديد قوة عمله، أي غير قادر على شراء مستلزمات عيشه هو وأسرته، إلّا إذا عمل عند الرأسمالي... عملية الفصل بين قوة العمل وبين وسائل الإنتاج، هي الأساس الذي لا بد منه للاستغلال الرأسمالي... وضمن هذه العملية التاريخية، فإن تاريخ إنهاء الملكيات الصغيرة، وخاصة الزراعية، (أي تحرير القسم الأكبر من الناس من ملكية وسائل الإنتاج) هو تاريخ مكتوب بالدماء في شتى أنحاء العالم...

القيمة والسعر

السعر، هو الشكل المألوف لدينا في عالمنا المعاصر، وهو المقدار النقدي الذي ندفعه لشراء بضاعة من البضائع، ولكن ما هي العلاقة بينه وبين قيمة البضاعة؟
يعرّف ماركس السعر بأنه: انحرافٌ عن القيمة تحدده العلاقة بين العرض والطلب.
من المألوف لدينا أنه حين تزداد كمية بضاعة معينة في السوق فإنّ سعرها ينخفض. أقرب الأمثلة إلى الذهن في هذا السياق هو: انخفاض أسعار الخضروات في موسمها. وكذلك ارتفاع أسعارها في بداية الموسم حين تكون الكميات الموجودة بالسوق لا تزال قليلة.
بالعموم، فإنه من المفهوم للجميع أنّ أسعار البضائع ترتفع حين يكون العرض أقل من الطلب. وتنخفض حين يكون العرض أكبر من الطلب. ولكن حين يتساوى العرض والطلب فما الذي يحدد السعر؟ ذلك هو السؤال الذي أجاب عنه ماركس في عمله الأساس (رأس المال).. السعر حين تساوي العرض والطلب هو ذاته القيمة... وعليه، فإنّ لدينا ثلاثة احتمالات:

1068-1

القانون البسيط للربح

لا يتحقق الربح إلّا بعد أن يتم بيع البضاعة المنتجة في السوق، أي عند إتمام الدورة الكاملة ن1-ب-ن2. ويكون الربح هو الفرق بين ن2 ون1.
ما نراه في السوق هو السعر وليس القيمة، أي إنّ البضاعة تباع بسعرها لا بقيمتها.
أ- في حالة تساوي العرض والطلب، وبالتالي تساوي السعر والقيمة، فإنّ ربح الرأسمالي سيكون هو ذاته القيمة الزائدة (يستثمر بقيمة ن1= C + V، ويبيع البضاعة بقيمة ن2 = C + V + m).
ب- في حالة كان العرض أكبر من الطلب، فإنّ السعر سيكون أقل من القيمة، وربح الرأسمالي سيساوي القيمة الزائدة مطروحاً منها الفرق بين السعر والقيمة.
ج- في حال كان العرض أقل من الطلب، فإنّ السعر سيكون أكبر من القيمة، وربح الرأسمالي سيساوي القيمة الزائدة مضافاً إليها الفرق بين السعر والقيمة.
وبشكل مكثف، فإنّ الرأسمالي يذهب إلى السوق ببضاعته وفي جيبه القيمة الزائدة مضمونة كربح في حال البيع، ويزيد عليها أو ينقص وفقاً للعلاقة بين العرض والطلب، وهذا يمكن التعبير عنه رياضياً بشكل مبسط هو التالي:
الربح (P) = القيمة الزائدة (m) + (الفرق الجبري بين السعر والقيمة)
الفرق الجبري يمكن أن يكون موجباً أو سالباً أو صفراً، كما أسلفنا في الحالات السابقة.
سننتقل الآن للحديث عن أهم الأشكال الأساسية التي يستخدمها رأس المال لزيادة أرباحه، والتي تحكم عملياً آليات تطور المجتمع ككل، وذلك باعتبار أن الغاية الأساسية لرأس المال هي السعي نحو الربح الأعلى... فمن يدخل في شكل التبادل ن1 – ب – ن2، أي يدخل بالمال ويخرج بالمال، لا يسعى وراء قيم استعمالية، بل يسعى وراء الكم، وكلما كان الكم أكبر، أي الربح أكبر، كلما كانت العملية أكثر فائدة... (من المفيد هنا الرجوع إلى جدول المقارنة بين الشكلين الثالث والرابع للتبادل المنشور في الحلقة السابقة).

أولاً: زيادة القيمة الزائدة المطلقة

إذا كان الرأسمالي يذهب إلى السوق وفي جيبه القيمة الزائدة أساساً للربح، أي عدد ساعات العمل المجاني التي يأخذها من العمال، فإن من البديهي أنّ أوضح الطرق لزيادة الربح هي زيادة عدد ساعات العمل، وزيادة كثافة العمل.
هذه الطريقة ما تزال فعالة في شتى أنحاء العالم تقريباً، رغم أنّ تطور الحركة العمالية قد قيدها بشكل تدريجي... ففي القرن التاسع عشر كان يصل عدد ساعات العمل إلى 16 ساعة يومياً، وفي نهاياته أقر قانون 10 ساعات ونصف يومياً للعمل، تحت ضغط الحركات العمالية، ووصولاً إلى قانون 8 ساعات عمل، والذي كما هو معلوم يتم تجاوزه في معظم دول العالم، بهذا القدر أو ذاك.
الفرع الثاني من هذه الطريقة هو: تكثيف العمل، أي وضع مراقبين فوق رؤوس العمال يكتمون أنفاسهم ويجبرونهم على مواصلة العمل بوتائر عالية، مع تقليص فترة الاستراحة قدر الإمكان.

ثانياً: زيادة القيمة الزائدة النسبية

الطريقة الثانية في زيادة الربح هي: العمل لتغيير التناسب بين V وm لمصلحة m.. إذا افترضنا أنه تم تثبيت يوم العمل على 8 ساعات، وكان تقسيمها هو 4 ساعات عمل ضروري و4 ساعات عمل زائد، أي V=4 وm=4 ومعدل الاستغلال في هذه الحالة هو 100%.
إذا لم يكن بمقدور رب العمل زيادة عدد ساعات العمل الإجمالي عن 8، فإنّ المنظومة الرأسمالية ككل، تسعى معاً لزيادة (القيمة الزائدة النسبية) أي نسبة (m /V).. ويتم ذلك عبر تخفيض V أي تخفيض قيمة قوة العمل... ولكن كيف؟
كما قلنا فإنّ قيمة قوة العمل هي عدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً لتأمين الحاجات الأساسية للعامل لكي يتمكن من مواصلة العمل، وبشكل أساسي الحاجات الغذائية.
قامت الرأسمالية في مراحل سابقة تاريخياً، بالاستثمار بشكل واسع وكبير في الزراعة، وفي كل أنماط النشاط الإنتاجي الذي يؤمن الاحتياجات الأساسية للعمال، وعبر تكثيف الاستثمار في هذا النمط من الإنتاج وتطويره تقنياً إلى الحد الأقصى، تنخفض قيمة البضائع الأساسية التي يحتاجها العامل، أي ينخفض عدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً لإنتاجها... وبالتالي تنخفض V ويصبح مجال الاستغلال أوسع...
على سبيل التقريب: يمكن أن يصل معدل الاستغلال المعاصر إلى آلاف بالمئة، لأنّ العامل الذي يعمل ضمن معمل لإنتاج الكمبيوترات مثلاً لمدة 9 ساعات يومياً، ينتج أضعافاً مضاعفة عمّا يستهلكه فعلياً من غذاءٍ وغيره...

ثالثاً: البطالة

بما أنّ قوة العمل هي بضاعة كغيرها من البضائع، فإنها تخضع أيضاً لقانون العرض والطلب، أي حين يزيد عرضها (كما هي الحالة بوجود البطالة)، ينخفض سعرها (أي أجرها) عن قيمتها.
الرأسمالي لا يعطي العامل قيمة قوة عمله، أي (V) بل يعطيه الأجر (Z)، وبحالة وجود البطالة، فإنّ الأجر سيكون دائماً أقل من قيمة قوة العمل. ولذا ليس مستغرباً أن نقرأ لدى منظري الرأسمالية أنّ هنالك (نسبة بطالة ضرورية) يجب أن تبقى قائمة طوال الوقت.
وعليه فإنّ قانون الربح الذي أوردناه سابقاً يتطور ليصبح بالشكل:
الربح = القيمة الزائدة + (الفرق بين قيمة قوة العمل والأجر) + (الفرق الجبري بين السعر والقيمة)

رابعاً: الاحتكار

القارئ لتاريخ تطور الرأسمالية، يبدو له وكأن ذلك التاريخ كله يتمحور حول العمل الحثيث للمنظومة الرأسمالية لتعظيم الربح عبر كل مفردة من مفردات قانون القيمة، وذلك رغم أنّ هذه العملية تتم بقسمها الأكبر بشكل عفوي وموضوعي.
الفرق بين السعر والقيمة، وفقاً للعرض والطلب، يمكنه أن يقلل من ربح الرأسمالي في حال كان العرض أكبر من الطلب، ولكنه يمكن أن يزيد ربحه حين يكون العرض أصغر من الطلب. ولكن حين يكون هنالك رأسماليون كثيرون ينتجون الأنواع نفسها من البضائع، فإنّه من الصعب على أي منهم منفرداً أنا يتحكم بالعرض والطلب ضمن السوق... ولذلك تبدأ بالنشوء موضوعياً تكتلات الرأسماليين العاملين في القطاع نفسه، مثلاً: قطاع إنتاج الفحم، والهدف من هذا التكتل هو التوافق على آليات الإنتاج بحيث يتناسب مع الطلب في السوق، ويبقى دائماً أقل منه بقدر معقول، بحيث يبقى السعر مرتفعاً فوق القيمة، ليتحول إلى مصدر إضافي لتعزيز وزيادة الربح...

في الحلقات القادمة:

قانون الكتلة النقدية
التضخم
معيار الذهب والتبادلات بين الدول
بريتين وودز
البترودولار
غاز روبل

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:30