افتتاحية قاسيون 1057: في تفسير 2254... 3: مدخل الحل
نواصل هنا ما بدأناه في افتتاحيتي قاسيون للعددين 1053، و1055، واللتان حملتا العنوان الأساسي نفسه، وعنوانين فرعيين هما على التوالي: (1: بين عقليتين، 2: القوى الحاكمة في النظام والمعارضة)...
تؤكد احتجاجات السويداء الأخيرة، أنّ ضرورات التغيير الجذري والشامل لم تبرح مكانها، وما تزال قائمة، بل وباتت أكثر إلحاحاً وضرورة من أي وقت مضى.
ورغم كل ما قد يقال من انتقادات للحركة الجارية في السويداء حالياً ومحدوديتها، وتلك انتقادات بينها المحق الذي يسعى لحماية الحركة وتطويرها، وبينها المتجني الذي يسعى لتبرير وأدها، أو أخذها باتجاهات معادية لمصالحها... رغم ما قد يقال، فإنّ ما يُسجل للحركة المستجدة هو إصرارها المعلن على البحث عن خطاب وطني جامع وتمسكها بالسلمية، وكذلك مما يلفت الانتباه رفع المحتجين لشعار تنفيذ القرار 2254.
ربما ما هو أهم من ذلك، أنّ ما يجري في السويداء هو مؤشر ليس على وضع السويداء وحدها، بل وعلى الوضع في سورية كلها، والتي يعاني أهلها أشد المعاناة من استمرار تعطيل الحل السياسي، ومن استمرار النهب وتعاظمه في شتى القطاعات، وكذا من تعمق السياسات الليبرالية المتوحشة المنحازة بشكل كاملٍ لـ«النخب» الناهبة، وضد مصالح عموم السوريين.
وإذا كنا قد قلنا منذ بدايات 2011، أنّ أطراف الحوار الوطني المؤدي إلى حل هي ثلاثة أطراف: نظام ومعارضة وحركة شعبية، فإنّ هذا الكلام ما يزال صحيحاً من حيث الجوهر. وبهذا المعنى فإنّ البدء بتنفيذ القرار 2254 الذي ينص على حوار وتوافق بين النظام والمعارضة، سيكون المدخل نحو عملية شاملة لا يمكن أن تكتمل دون أن تجد الحركة الشعبية الظاهرة والكامنة طريقها لتمثيل نفسها ومصالحها فيها.
المشكلة الواضحة الآن في الدخول إلى تطبيق القرار، هي أنّه يحتاج إلى طرفين مؤهلين للحوار والتوافق، ويؤمنان بأنّ لا مخرج سوى بالتوافق، وليس بالحسم أو بالإسقاط، ودون أي تدخل خارجي، ولكن بطبيعة الحال، يمكن ويجب أن يستفاد من الخارج، حيث يمكن وحين تنشأ الضرورة، لمساعدة السوريين أنفسهم على التوافق.
بالنسبة لطرف المعارضة، فمن الواضح أنّ هذا غير متوفر بوجود «قوى حاكمة» تمارس عقلية «الحزب القائد» نفسها، وليست مستعجلة ولا مهتمة بأن تصل بالبلاد إلى الحل؛ وهو الأمر الذي ولا شك يرضي ويساعد متشددي الطرف الآخر ويوسع هوامش حركتهم.
ولذا فإنّ مدخل الحل الإلزامي بات متعلقاً بإعادة هيكلة المعارضة بحيث لا يُسمح للأصوات والجهات المعادية للحل السياسي أن تتسيد ضمنها، وبحيث تقوم هيكلتها على أساس الشمول وعدم الإقصاء أو الاحتكار، وبما يسمح بتكوين وفد مؤهل للسير بعملية التفاوض، والتي ستصبح اللجنة الدستورية في حينه إحدى مفرداتها.
بدء التفاوض الحقيقي، يعني خلق دينامية داخلية نشطة تعمل على تعميق الفرز وتحسين الاصطفاف داخلياً، وكذلك تعميقه إقليمياً ودولياً بما يخص الوضع السوري. وبحيث يرتفع وزن الأصوات العقلانية والوطنية والديمقراطية التي تنشد الخلاص للبلاد والعباد.
عودٌ على بدء، فإنّ حماية الحركة الشعبية من داخلها عبر تمسكها بالسلمية وبخطاب وطني جامع، وكذلك حمايتها من خارجها عبر توفير ظروف تمثيلها، وبالضبط عبر بدء التفاوض الحقيقي الموصل لتنفيذ 2254، هو أداة أساسية لأخذ تنفيذ القرار إلى نهاياته المرجوة، ولتحويل تنفيذه إلى منصة ليس لإيقاف الانهيار فحسب، بل وأيضاً للتغيير الجذري الشامل في سورية موحدة أرضاً وشعباً.
(English version)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1057