قراءة أولية في احتجاجات السويداء

قراءة أولية في احتجاجات السويداء

تتواصل منذ ما يقرب الأسبوع، حركة احتجاجية في محافظة السويداء، أطلقت شرارتها الإجراءات المستجدة المتعلقة برفع الدعم، وخاصة فيما يتعلق بالخبز...

إذا كانت هذه هي الشرارة، فإنّ الحطب المتراكم في جذره هو ذاته المتراكم منذ عقود، والذي أوصل سورية إلى 2011 وما بعد 2011؛ أي جملة السياسات المنحازة كلياً لمصلحة القلة المتبطرة والناهبة، وضد مصالح عموم الناس من المنتجين، والذين باتوا ليس فقط تحت خط الفقر، بل وضمن مجال انعدام الأمن الغذائي، وذلك بالتوازي مع التدني الهائل في تأمين الكهرباء والخدمات، ومع غلاء الأسعار الإجرامي، ناهيك عن استمرار الفوضى الأمنية التي تتجلى في تفاقم الأعمال الإجرامية من خطف ونهب وإتجارٍ بالمخدرات وغيرها... وفوق ذلك كلّه استمرار عمليات تكميم الأفواه، وتحت شتى أنواع الحجج، قديمها وجديدها...
يضاف إلى ذلك، أنّ هذه السياسات لم تستمر منذ 2011 بالاتجاه نفسه فحسب، بل تعززت وتسارعت، بالتوازي مع الخراب العام الذي تعيشه البلاد، ويعيش السوريون تحت عسفه وظلمه.

التداخلات والتخوين وإلخ..

يمكن لمن يريد أن يبحث عن مثالب ضمن الحركة الاحتجاجية المستجدة في السويداء- والتي لا تزال محدودة من حيث العدد- أن يجدها؛ سواء كان يبحث عن المثالب والأخطاء لتبرير النية في قمعها، أو أنه يبحث صادقاً في محاولة لتلافيها. ولكن ما لا يمكن الخلاف عليه هو الأساس الموضوعي لهذه الحركة؛ فالناس وكما يُقال حقاً وصدقاً «اختنقت»، ولا يمكن لها أن تصمت إلى ما لا نهاية.
مع ذلك، فإنّ التأييد غير المشروط والتغاضي عن المثالب والأخطاء وعدم التفكير الجدي بالخطوة التالية، هو ما يدفع باتجاهه بشكل خاص أولئك الذين استثمروا في الحركة الشعبية عام 2011 لتحقيق مصالحهم هم، وإنْ عبر إدماء الحركة وإدماء البلاد بأسرها، يداً بيدٍ مع المتشددين في النظام والفاسدين الكبار... ولذا فإنّ التفكير العميق والجدي مطلوب أكثر من أي وقت مضى لدعم الحركة الاحتجاجية لتصب حيث ينبغي أن تصب؛ أي في مصلحة الناس «المخنوقة»، وفي مصلحة البلاد التي هم أصحابها الحقيقيون في نهاية المطاف، وليس النظام ولا المعارضة.

في تفسير الأعداد

رغم أنّ حالة الاختناق تكاد تكون عامة في كل سورية، وفي كل السويداء وريفها ضمناً، فإنّ الأعداد المشاركة في الاحتجاجات الراهنة ما تزال محدودة. أسهل التفسيرات هو الخوف من القمع الأمني، وهذا تفسير صحيح، ولكنه جزئي جداً، وليس هو جوهر المسألة فيما نعتقد...
جوهر المسألة هو مدى ثقة الناس بقدرتهم على التغيير، ومدى ثقتهم بملاءمة الظروف لعمليات التغيير المطلوبة؛ وهذا لا ينبغي التعامل معه- كما يفعل البعض- بفوقية واستعلاء، بل وحتى عدم مبالاة، بل ينبغي النظر إليه على أنه مؤشر على أنّ درجة وعي الناس قد ارتفعت بالتجربة المرة، وما عادوا يقتنعون أنّ مجرد النزول إلى الشارع- على أهميته- قادرٌ على تغيير الواقع.
وهذا يعني ضمناً، أنّ الناس العاديين، وبحسهم السليم الذي دفعوا ثمن اكتسابه آلاماً لا توصف، باتوا يعلمون أنّ هنالك حاجة أشد لتنظيم أنفسهم بشكل أكبر، ولتنويع أشكال وطرق احتجاجهم ورفضهم، بما في ذلك بلورة شعارات أكثر جذرية وأكثر قدرة على جمع المظلومين في البلاد كلها.
أكثر من ذلك، فإنّ إحجام أعدادٍ هائلة من الذين يظهرون تعاطفاً صادقاً على وسائل التواصل الاجتماعي، عن الاشتراك المباشر في الاحتجاج، ينبغي التعامل معه على أنه مؤشر إيجابي وليس مؤشراً سلبياً؛ فقسم غير قليل من هؤلاء، وبينما ينظر بعين الأمل لأي تحرك من شأنه أن يعد بتغيير الجحيم القائم، فإنهم أيضاً يفكرون، ويفكرون بعمق، لتلافي الأخطاء الفعلية التي تقع فيها الحركة، ولتحييد الاستثمار الخارجي الذي لا يتأخر عن لعب دوره، وكذلك يفكرون بكيف عليهم أن ينظموا أنفسهم، وما هي الخطوة التالية... أي أنهم يفكرون، أو يحاولون على الأقل، أن يعملوا بشكل منظمٍ وواعٍ... والعمل بشكل منظم وواعٍ، أي العمل السياسي والمدني في نهاية المطاف، هو أداة تحويل الحركة الشعبية العفوية، إلى حركة منظمة، أي إلى تغيير حقيقي.
بعيداً عن تعداد المثالب التي يمكن كما أسلفنا تعداد عدد منها، فإنّ من بين الإيجابيات الواضحة والتي ينبغي الإصرار عليها: التمسك بخطابٍ وطني جامع، رفع شعار التنفيذ الكامل للقرار 2254، الإصرار على السلمية التامة... وهذه الأمور التي هي ألف باء عملية التغيير في الظروف المعاصرة، كلفت السوريين تضحيات وعذابات بلا قياس إلى حين باتت راسخة في العقول والقلوب.

الخطاب الوطني الجامع

ما ينبغي أن يوضع في عين الاعتبار حين التفكير بالمآلات، هو أنّ الوضع المتردي الذي يعيشه الناس في سورية بأكملها، وضمناً في السويداء، بالتوازي مع انتشار الجريمة المنظمة والمليشيات، ومع القمع الأمني والأدوار التي يلعبها الناهبون الكبار والمتحكمون، كل ذلك ينبغي أنْ يُبقي في البال، أنّ حراكاً واسعاً غير منظم، يمكنه ببساطة أن يتحول إلى ما يشبه «ثورة جوع» مع ما تحمله من مخاطر كبرى... ولذا فإنّ المطلوب هو توسيع الحركة بالتوازي مع زيادة تنظيمها وتجذير وتعميق مطالبها... وينبغي التوقع مسبقاً، أنّ أصحاب المصلحة في تخريب حركة الناس، أي المتشددون في النظام والمعارضة، وكذا الدول التي تريد سورية مستنقعاً، وعلى رأسها «إسرائيل»، ينبغي التوقع مسبقاً أنهم يتاجرون وسيتاجرون بما يجري باتجاه محاولة استعادة مشاهد الدم، التي يبدعون في إدارتها، في حين يعجزون عن التعامل مع الأصوات الوطنية المنظمة التي تخرق كل الاصطفافات، وتجمع حولها كل السوريين الوطنيين المفقرين والمظلومين من كل سورية، ولا تسمح باستخدامهم لقتل بعضهم البعض...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1057