ما الذي تعنيه الدوريات الجوية المشتركة على تخوم الجولان المحتل؟

ما الذي تعنيه الدوريات الجوية المشتركة على تخوم الجولان المحتل؟

أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم 24 من الجاري عن تسيير دوريات جوية مشتركة بينها وبين الجيش السوري بالقرب من مرتفعات الجولان السوري المحتل.

وجاء في الخبر الذي نشرته وكالة تاس نقلاً عن وزارة الدفاع الروسية، أنّ «الطيارين العسكريين لروسيا وسورية أجروا أول دورية جوية مشتركة على طول مرتفعات الجولان والفرات من مطارات حميميم وسيكال وضمير».
وأضاف الخبر: «كان مسار الدوريات يمتد على طول مرتفعات الجولان، ثم على طول الحدود الجنوبية، حتى نهر الفرات وفوق المناطق الشمالية من الجمهورية العربية السورية. أقلع طيارون روس من قاعدة حميميم الجوية، ورفاقهم السوريون- من مطاري سيكال وضمير في محيط دمشق».
وقالت الوزارة: «إن القوات الجوية الروسية مثلت بطائرات الإنذار المبكر من طراز Su-34 وSu-35 وA-50. ومن الجانب السوري شاركت طائرات MiG-23 وMiG-29 في الدورية». وتابعت: «كجزء من الدورية، كان الطيارون السوريون مسؤولين عن السيطرة على المجال الجوي وتغطية المقاتلات الروسية التي أنجزت ضربات ضد أهداف برية».
وأوضحت أنه تم خلال الدورية «إطلاق تدريبات صاروخية على أهداف جوية وبرية في إحدى ساحات التدريب الواقعة وسط البلاد».
وفي نهاية الخبر: «شددت وزارة الدفاع على أنه عقب نتائج الدوريات المشتركة، اكتسب طيارو البلدين الصديقين مهارات في التفاعل في مختلف المواقف. وستصبح هذه الدوريات المشتركة منتظمة من الآن فصاعداً».
ترافق خبر الدوريات الجوية المشتركة مع أخبارٍ أخرى من المرجح أنها تنتمي إلى السياق نفسه عن «إرسال القوات الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم القريبة من ميناء اللاذقية، قبل أيام قليلة، قوّة من شرطتها العسكرية، لتتمركز بشكل دائم داخل الميناء».

كيف تعامل الإعلام «الإسرائيلي» مع الخبرين؟

أثار الخبران، وبشكل خاص خبر الدوريات الجوية المشتركة، موجة من المقالات والتعليقات والتحليلات في وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، وكذلك على لسان مسؤولين حاليين وسابقين.
ومن بين عشرات المقالات والتعليقات، نستعرض فيما يلي بعض ما يقال في الإعلام «الإسرائيلي» عن الخبرين، وبما يكفي لإعطاء صورة معقولة عن تأثيرهما هناك...

الإثنين 24/1:

نشرت (جورازاليم بوست) تقريراً للكاتب SETH J. FRANTZMAN عن الدوريات المشتركة بعنوان: «هل ستجعل الدوريات الجوية المشتركة الروسية السورية، ضربات إسرائيل الجوية أصعب؟». ومما جاء فيه: «يبدو أن الدوريات الروسية هي رسالة عن التباهي بأن السوريين والروس سيعملون عن كثب لإظهار القوة».. «وهذا له تداعيات على إسرائيل ويمكن أن يؤثر على عملياتها». وأضاف: «قد يكون هذا جزءاً من عملية روسية متعددة المراحل لتأكيد سيادة النظام السوري. في النهاية، قد يؤدي ذلك إلى احتكاك محتمل. سيتعين على القيادة الإسرائيلية أن تزن هذه القضايا وتحلل خطواتها التالية». ومن المفهوم طبعاً أنّ «الإسرائيليين» في مجمل تعاملهم الإعلامي مع هذه المسألة، يلتفون على مسألة «السيادة السورية» عبر استخدام اصطلاح «سيادة النظام السوري»، وهو ما يمكن أن نراه في معظم المقالات والأخبار التي كتبت عن الموضوع، ولكنه لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً.
ربط تقرير نشرته timesofisrael- وهو ليس الوحيد في ذلك- بين الدوريات المشتركة وبين ما يجري في أوكرانيا. ومما جاء فيه تعليقاً على الدوريات: «مع تصاعد التوترات بين بوتين والقوى العالمية بشأن أوكرانيا، يبدو أن موسكو تدلي ببيان بشأن وجودها في الشرق الأوسط».
في الصحيفة نفسها، تقرير آخر نقلاً عن يدعوت أحرنوت، جاء فيه: «المسؤولون الإسرائيليون يصارعون من أجل فهم سبب التغيير المفاجئ في السياسة الروسية».. و«إسرائيل قد تحد من حملتها الجوية في سورية نتيجة تحرك روسيا، حتى بعد انتهاء المناقشات [بين الجانبين الروسي والإسرائيلي]».
موقع كيكار «الإسرائيلي»، نشر أيضاً تقريراً عن الموضوع بعنوان: «قلق في إسرائيل: طائرات روسية وسورية تقوم بدوريات في سورية». ومما جاء فيه: «التقطت رادارات إسرائيلية، صباح السبت، طائرات حربية روسية تقوم بدوريات على الحدود الإسرائيلية السورية، ورغم أن هذا كان حادثاً غير عادي، إلا أن الروس لم يطلعوا إسرائيل على التطورات الجديدة، الأمر الذي أثار قلقاً كبيراً».

الثلاثاء 25/1:

في قراءتها للحدث، كان لافتاً أنّ القناة I24NEWS «الإسرائيلية»، قد استعادت ما أعلن قبل أكثر من شهر عن إلغاء زيارة كانت مقررة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لـ «إسرائيل»، ضمن إيحاء بأنّ هذا الإلغاء وإن قيل في حينه إنه مرتبط بالتوتر حول أوكرانيا، إلا أنه مرتبط بما جرى بعده بخصوص الدوريات الجوية المشتركة.

في مقالة للكاتب نعوم آمير نشرت في موقع ماكوريشون، يقول: «لا تزال المؤسسة الأمنية والسياسية [الإسرائيلية]، غير فاهمة للرسالة التي حاول الروس إرسالها في العرض الجوي المشترك مع سورية». وفي تعليقه على الخبر الذي نشرته وزارة الدفاع الروسية عن الدوريات، يقول الكاتب: «ضمن الإعلان، ظهر سطر مثيرٌ للقلق بشكلٍ خاص، وهو: الدولتان [روسيا وسورية] تنويان جعل مثل هذه الدوريات منتظمة».

الأربعاء 26/1:

موقع JWISH NEWS SYNDICATE نشر مقالاً للكاتب ياكوف لابين، التقى خلاله مع عدة مسؤولين «إسرائيليين» سابقين، وعسكريين بشكل خاص للتعليق على الموضوع. ومما أورده من تعليقات يوسي كوبر فاسر، العميد المتقاعد والرئيس السابق لقسم أبحاث «الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية»، قوله: «إن الدوريات الجوية المشتركة تمثل طريقاً لتتبع حدود سورية»، وإن: «هذه الرسالة تمثل تعزيزاً للدعم الروسي للنظام السوري وادعائه بالسيادة». وأضاف: «إن الدوريات الجوية المشتركة، التي اقتربت من الحدود السورية مع العراق أيضاً، يمكن أن يُنظر إليها أيضاً على أنها رسالة إلى الولايات المتحدة، مفادها أن (روسيا عادت)».

الجمعة 28/1:

الكاتب Anshel Pfeffer نشر في موقع the jewish chronicle، مقالاً بعنوان: «بينما تتلبد غيوم الحرب في أوكرانيا، هل إسرائيل مستعدة للعاصفة القادمة؟». وفي مقاله يخلص الكاتب إلى السؤال/ الاستنتاج التالي: «لماذا يتم تنفيذ هذه المناورة المشتركة والإعلان عنها الآن إنْ لم يكن كتذكير لإسرائيل بأنها إذا أرادت الحفاظ على حريتها في قصف أهداف إيرانية في سورية، فعليها الابتعاد عن كل ما يحدث في أوكرانيا؟»، بما يشير، ودون إعلان صريح إلى أنّ «إسرائيل» متورطة فعلاً فيما يجري في أوكرانيا.
في «معاريف» يرى الكاتب «تال ريف رام» أنّ: «التحليق المعلن هذا الأسبوع لطائرات مقاتلة روسية وسورية فوق سماء مرتفعات الجولان السورية لا يبشر بالخير». ويضيف: «المواجهة الأمريكية الروسية- حتى لو لم يكن هناك احتكاك مادي بين القوتين- يمكن أن تستمر لأشهر. وعلى أي حال، لن يخرج منها خيرٌ لإسرائيل». وفي ختام مقالته يكتب: «إذا أصيبت إسرائيل بخيبة أمل اليوم بسبب الأولوية المنخفضة نسبياً التي أعطتها الإدارة الأمريكية للمسألة الإيرانية وقضايا أخرى في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يؤدي المزيد من التورط في المؤامرة في أوكرانيا إلى تفاقم هذا الاتجاه».

أوكرانيا- الجولان؟

ربما ليس صحيحاً تماماً الربط بين التوتر والتصعيد المتعلق بأوكرانيا وبين الدوريات الجوية المشتركة الروسية السورية غير المسبوقة فوق الجولان، إذ إنّ الأمر أبعد من ذلك، وبالتأكيد أبعدُ من حدود ما ذهبت إليه الصحافة «الإسرائيلية»، بل وبعض الصحافة «العربية»، سواء منها المحسوب قريباً من النظام السوري أو من معارضته...
قبل الحديث عن أية عوامل ربط مع أوكرانيا، ينبغي القول: إنّ أوكرانيا هنا هي مجرد (عارضٍ) من أعراض الأزمة، والصراع بين روسيا والصين في جانب، وبين الولايات المتحدة ومعها الناتو في الجانب المقابل.
إذا وضعنا هذه المسألة في خلفية التفكير، فإنّ بين الأمور الأساسية التي يطرحها ربط هذه الدوريات بأوكرانيا (أي عملياً بالصراع الروسي الأمريكي)، ما يلي:
أولاً: المعركة حول أوكرانيا، وكما أسلفنا، ليست حولها وحدها كما هو معلوم؛ فرغم محاولة الإعلام الغربي الكثيفة تصوير التصعيد الجاري ضمن حدود رواية سطحية عن أن «روسيا تنوي غزو أوكرانيا وأمريكا والناتو يعملان للدفاع عنها»، إلا أنّ الحقيقة الواضحة هي أنّ المعركة أوسع وأكبر بكثير؛ معركة حول استعادة «الحدود العسكرية» لما قبل عام 1991، بما يعني ليس فقط إيقاف تمدد الناتو شرقاً، بل ودفعه إلى الوراء، إلى الوضع الذي كان عليه تمدده ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. وطبيعي أنّ هذا لا يخص شرق أوروبا فحسب، بل ومجمل الخارطة العالمية، ومنها منطقتنا.
ثانياً: إذا كانت المعركة العالمية الجارية هي بهذه الحدود الواسعة، فهذا يعني ضمناً أنّ هوامش قفز لاعبي الحبال الذين تقافزوا خلال الثلاثين عاماً الماضية بين هنا وهناك، باتت أشد ضيقاً. ومع التصاعد المطرد القادم، سيفقدون أي مجال لألعاب من هذا النوع. وضمناً فإنّ الاصطفاف الغربي الصميمي لـ «إسرائيل» سيضعها في مواجهة إجبارية مع كل من الصين وروسيا على حد سواء.
ثالثاً: بين من يقرّون بحقيقة التغير الجاري في التوازن الدولي، ويعلمون يقيناً أن اتجاهات الرياح ثابتة صوب مزيد من التراجع الغربي، هنالك من يطرح «احتمالاً نظرياً» لانتقال «إسرائيل» من الضفة الغربية إلى ضفة الصين وروسيا. ويستند هؤلاء إلى التجربة التاريخية في انتقال المشروع الصهيوني من الرعاية البريطانية إلى الرعاية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. ناهيك عن أنّ الانتقال من البريطاني إلى الأمريكي ليس انتقالاً من ضفة إلى ضفة معاكسة، بل مجرد انزياحٍ على الجبهة نفسها، فإنه ليس خفياً أيضاً أنّ مثل هذا «الاحتمال النظري» عن انتقال «إسرائيل» من الغرب إلى الشرق، لا مكان له على أرض الواقع؛ فالمشروع الصهيوني ككل- «إسرائيل» ضمناً- هو مشروع غربي في جوهره، وقائم على وضع قاعدة عسكرية متقدمة لسلاطين أعالي البحار في قلب العالم القديم، ضمن إدارة شاملة لطرق التجارة العالمية تدفعها نحو البحار، وتبعدها عن الأراضي الصلبة. وتعمل (القاعدة) ضمناً، كما كل القواعد الأمريكية، على منع الاتصال البري، وعلى تكثيف العداوات المتبادلة، وعدم الاستقرار لمنح الحياة لعمليات التبادل اللامتكافئ بوصفها الشكل الجديد من الاستعمار.
رابعاً: الدور الصهيوني في أوكرانيا، ورغم إصرار لابيد وبينيت وغيرهما من المسؤولين «الإسرائيليين» على رفض التعليق على ما يجري هناك، بل ومحاولة القول بأنّ «إسرائيل» محايدة اتجاه هذا الصراع، هو دورٌ مكشوف ومعروف، بل وقديم جداً وتعود بداياته المعروفة إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت مدن كييف وأوديسا ونيكولايف مراكز انطلاق نشطٍ للعمل الصهيوني ضد الاتحاد السوفييتي، إلى الحد الذي جرى معه وصف أوكرانيا نفسها بأنها «إسرائيل أوروبا الشرقية»، ناهيك عن أن أجزاءً من أوكرانيا نفسها بما فيها القرم سابقاً، كانت إحدى خيارات الجماعات الصهيونية الأولى لتحقيق فكرة «وطن قومي لليهود»، ولا يزال يتكرر حتى الآن، ومع كل أزمة جديدة يعيشها الكيان، الحديث عن أوكرانيا كخيار بديل.
خامساً: ابتداءً من خمسينيات القرن الماضي، وبالتحديد منذ عام 1955 مع أول صفقة سلاح سوفييتي مع مصر عبد الناصر، ومن ثم أيام العدوان الثلاثي على مصر، وما تلاها من حروب بين العرب و«إسرائيل»، كان وقوف «إسرائيل» في الصف الغربي وفي عداءٍ للاتحاد السوفييتي، اصطفافاً علنياً، وذلك في انسجامٍ كاملٍ مع كون «مشروع إسرائيل» من حيث الأساس والجوهر مشروعاً غربياً، وبريطانياً ثم أمريكياً- بريطانياً. مع انهيار الاتحاد السوفييتي، اختلت الموازين، ودخل رأس المال الصهيوني إلى مواقع شديدة التأثير في روسيا المعاصرة، ورغم تلقيه ضربات مهمة ابتداءً من مطلع الألفية، إلا أنّ المعركة الكبرى معه ما تزال على جدول أعمال المستقبل القريب؛ فالمعركة الفعلية حول التوازن الدولي الجديد بالنسبة لروسيا تتعلق بوضعها الداخلي بالدرجة الأولى، وبوضعها المالي بشكلٍ خاصٍ، وهذا الأخير لا يمكن الوصول فيه إلى حصانة حقيقية دون معركة لا مفر منها مع رأس المال الصهيوني بشكل خاص...
سادساً: بما يخص منطقتنا ضمن الصراع الدولي الجاري، فإنّ الرجوع إلى «الحدود العسكرية» لما قبل 1991، يعني ضمناً ليس وضع حدٍ بشكل تدريجي وسريع للأدوار الاستعمارية التي تلعبها «إسرائيل» في منطقتنا فحسب، بل ويعني التمهيد لدفع هذه الأدوار نحو الانكفاء... ولذا فإنّ الدوريات المشتركة وإنْ كانت في أحد أبعادها رسالةً تخص مجمل الصراع الغربي، والجانب الظاهر منه حالياً (أي أوكرانيا وحدود الناتو الأوروبية)، إلا أنها أيضاً تخص المكان الذي جرت فيه، وأكثر من أي مكان آخر في العالم...

خلاصة

الدوريات الجوية المشتركة، (والتي ستكون منتظمة)، ليست مجرد رسالة عابرة تخص أوكرانيا، ولا حتى الصراع مع الناتو حول أوروبا، بل هي في المقام الأول جزء من الصراع المباشر بين الروس والأمريكان، وهي في الوقت نفسه تعبير عن حدة الدرجة التي وصل لها الصراع؛ فـ «إسرائيل» ضمن هذه المعادلة هي ذاتها أمريكا...
والرسالة من الدوريات ليست ببعدٍ واحدٍ دولي الطابع فحسب، بل وإقليمي ومحلي أيضاً؛ أي أنها رسالة تخص منطقتنا أيضاً بشكل كبير، وتشير ليس إلى تحولٍ أو تغير في السياسات كما يحلو للبعض وصفها، بل يشير إلى مرحلة جديدة متقدمة نوعياً ضمن المسار نفسه، ستتلوها مراحل...

(Engish Version)

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055
آخر تعديل على السبت, 26 شباط/فبراير 2022 18:54