افتتاحية قاسيون 1027: التوجه شرقاً اقتصادياً وسياسياً

افتتاحية قاسيون 1027: التوجه شرقاً اقتصادياً وسياسياً

«نعتقد أن هذا القرار [أي القرار 2585 الخاص بالمساعدات]، سيسهم في تحقيق تسوية سياسية في هذه الجمهورية العربية [أي سورية] في أسرع وقت ممكن وفي استقرار الوضع في الشرق الأوسط بشكل عام»

 

التصريح السابق هو للسفير الروسي في الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف يوم 13 من الجاري، وهو واحد من عدة مؤشرات مهمة تصب في اتجاه واحد يتلخص بالمسألتين التاليتين:

 

أولاً: وصلنا إلى الوقت الذي بات فيه الانسحاب الأمريكي أمراً واقعاً يجري تنفيذه بشكل متسارع، من أفغانستان ومن العراق فسورية، وربما الأصح القول: الانسحاب من العراق وسورية، لأنّه من غير الممكن للأمريكي الاستمرار في سورية بعد الخروج من العراق.

ثانياً: الحل السياسي على أساس التنفيذ الكامل للقرار 2254 لم يعد مجرد توافق عامٍ، بل بات على طاولة البحث المشترك عن آليات التنفيذ الملموسة، وضمن آجال محددة.

بين أولى المسائل التي ستوضع على طاولة الحل السوري، هي تلك المتعلقة بشكل مباشر بحياة السوريين، وبمنحاها الاقتصادي الاجتماعي خاصة. وهذه بينها بالتأكيد مسائل إعادة الإعمار ومسائل الاستثمار والتوجه الاقتصادي العام للبلاد خلال المرحلة القادمة.

ورغم أنّ البعض يستمر في محاولات التلاعب عبر اعتبار هذه القضايا مجرد قضايا «تكنيكية» و«إدارية»، فإنها في عمقها مسائل سياسية واجتماعية... وما يمكن تسجيله في هذا الإطار بشكل أولي هو الملاحظات التالية:

أولاً: إنّ حجم الاستثمارات المطلوب، لا يمكنه أن يتم عبر أفراد، بل عبر آليات يقودها جهاز الدولة بالذات.

ثانياً: ضمن عملية القيادة هذه، فإنّ الاستثمار لا ينبغي أن يكون عشوائياً، بل على أساس خريطة استثمارية واضحة وملزمة تؤسس لسورية جديدة منتجة وغير تابعة اقتصادياً وغير منهوبة داخلياً كما الحال منذ عقود؛ لأنّ التجربة السورية أثبتت أنّ الاستثمار يمكنه ليس فقط ألّا يسهم في النمو، بل ويمكنه أن يكون استثماراً ناهباً، وهي الحالة السائدة في الاستثمارات التي رعتها النخب المتنفذة والحاكمة ابتداء من قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وحتى اليوم.

ثالثاً: أحد أهم شروط إعادة إعمارٍ تصب في مصلحة عموم السوريين، هو التوجه شرقاً لا بالشعارات بل في الواقع. وإنّ عدم تحقق هذا الشعار رغم رفعه منذ سنوات طويلة، ليس بالأمر المستغرب؛ فتركيبة الفئات المتنفذة في سورية، كجهاز دولة وكسوق، هي تركيبة لعبت طوال عقود متتالية دور سمسار للأوروبي في عملية نهبه للبلاد والعباد، وهو أمر يظهر في تبادلاتنا مع الأوربيين التي كانت بحدود 70% من مجمل تبادلاتنا قبل 2011، ولكن يظهر أيضاً في مختلف الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الأساسية، وعلى رأسها التشوه الاقتصادي بأبعاده المختلفة، حيث سيادة غير الإنتاجي على الإنتاجي، وتخلف الصناعة والزراعة ووضع كل العراقيل في وجه تطورهما تطوراً حقيقياً، والتطبيل والتزمير للسياحة والخدمات والتجارة على حساب الإنتاج الحقيقي، وتنفير وطرد العقول منذ ما قبل 2011 بعقود، وغيرها من السياسات التي تعبر عن فئات اقتصادية متحكمة لا يتعدى دورها دور سمسار النهب الغربي، والذي يضع في جيبه حصته من ذلك النهب ويحافظ على بنية سياسية متناسبة مع هذا النمط المتوحش في توزيع الثروة، عبر تخفيض سقف الحريات السياسية إلى أدنى الحدود الممكنة...

بعيداً عن الإتجار بالشعارات والكلام العام الذي لا قيمة له، فإنّ المهام العملية التي تنتصب أمام سورية والسوريين في مرحلة الحل السياسي الفعلي على أساس 2254 وما بعدها، تتطلب تغييراً جذرياً عميقاً في جهاز الدولة السوري وفي النظام السياسي السوري، بحيث يجري إضعاف وتقييد سماسرة النهب. تطبيق القرار الدولي سيكون المدخل فقط باتجاه هذه العملية التي ينبغي أن يستمر النضال باتجاهها، وأن يحقق نتائج ملموسة للحفاظ على سورية وشعبها...

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1027
آخر تعديل على السبت, 24 تموز/يوليو 2021 12:05