آخر موطئ قدم للغرب في الصين؟

آخر موطئ قدم للغرب في الصين؟

تواصل الولايات المتحدة ضغطها المستمر والمتزايد على الصين، في وقتٍ تعزم فيه هذه الأخيرة التي لا تزال تتجاوز الولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً على إعادة دمج تايوان كجزء من سياسة «صين واحدة»، ولهذا، تمثلت آخر خطوات التصعيد الأمريكي بالتشريع الذي تم تقديمه مؤخراً في محاولة لتعزيز النفوذ الأمريكي على أراضي الجزيرة.

في حين تقدّم السياسات الأمريكية نفسها باعتبارها «داعمة لتايوان»، فإن تايوان ذاتها هي الأكثر خسارة في الواقع من هذه التوترات، ويؤسس ذلك على المدى الطويل للتنبؤ بفشل الخطط الأمريكية للتصعيد، إذ إن ما لدى الصين لتقدمه لتايوان أهم بما لا يوصف من مشاريع التوريط الأمريكية.

نفاق رسمي... وتواطؤ معلن

في حين يفترض الكثيرون أن تايوان دولة، وأن لها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، فإن تايوان ليست دولة قانونياً. وبموجب «سياسة الصين الواحدة» المعترف بها دولياً، تعتبر تايوان جزءاً من الصين. وحتى الولايات المتحدة تعترف رسمياً بـ«سياسة الصين الواحدة». ولهذا على سبيل المثال، ليست لدى الولايات المتحدة سفارة رسمية في تايوان. لكن من الناحية العملية، تستخدم الولايات المتحدة تايوان كموطئ قدم للنفوذ الغربي داخل الأراضي الصينية، وهي الطريقة ذاتها التي استخدمت بها- هي وبعض حلفائها الأوروبيين- هونج كونج حتى الأمس القريب.
تقوم الولايات المتحدة اليوم بتوريد شحنات أسلحة استفزازية للغاية للسلطات في تايوان، وكبديل عن السفارة الرسمية، تدير واشنطن الشؤون الدبلوماسية من خلال ما تسميه «المعهد الأمريكي في تايوان». كما خلقت الحكومة الأمريكية أذرعاً أخرى من «القوة الناعمة» الأمريكية، بما فيها «مؤسسة تايوان للديمقراطية» التابعة للحكومة الأمريكية، ومن خلال هذه المؤسسة التي تتخذ من تايوان مقراً لها، تستطيع الولايات المتحدة ممارسة الهيمنة السياسية على كل من تايوان وجماعات المعارضة في مختلف أنحاء المنطقة الذين يشتركون جميعاً في عداء غير مبدئي تجاه بكين.
وفي الآونة الأخيرة، اقترحت الولايات المتحدة سلسلة من مشاريع القوانين للضغط على الصين بشكل عام، وتصعيد التوترات بين القوتين العالميتين بشأن قضية تايوان على وجه التحديد. وفي مقالٍ لها بعنوان «الضغط ضد الصين... المشرعون الأمريكيون يعدون خطة داعمة لتايوان»، قالت وكالة رويترز: «سيقدم أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي تشريعاً يسعى إلى تعزيز الدعم الأمريكي لتايوان في إطار الجهود التي يبذلها الكونجرس لاتخاذ قرار متشدد في التعامل مع الصين».
ويهدف القانون، الذي حمل اسم «قانون تايوان للسلام والاستقرار»، إلى زيادة تعميق هذه العلاقة «غير الرسمية» بين تايوان وواشنطن. وفي حين تستمر الولايات المتحدة في التصريحات الرسمية في الاعتراف بـ«سياسة صين واحدة»، فإن هذا العمل وغيره يهدف إلى تشجيع حركة انفصال تايوان وتوتر العلاقات الاقتصادية بين تايوان والبر الرئيسي الصيني.

سير الحركة يسير بعكس المصلحة الأمريكية

لدى الصين اليوم ما بين أربعة إلى خمسة أضعاف عدد السكان في الولايات المتحدة. كما لديها إمكانية الوصول إلى الكثير من الموارد. ووفقاً لمقال فوربس بعنوان «الدول التي تضم أكبر عدد من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات»، تخرِّج الصين في عام واحد قرابة الخمسة ملايين متخصص في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما لا تخرّج الولايات المتحدة سوى حوالي نصف المليون.
وسيستمر خريجو العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هؤلاء في مواصلة تعزيز جهود البحث والتطوير في الصين، والابتكار التكنولوجي، والإشراف على التقدم في التصنيع، وبناء البنية التحتية الحديثة في الداخل والخارج كجزء من مبادرة بكين المزدهرة «حزام واحد، طريق واحد» التي تعتبر مؤشراً إضافياً من مؤشرات تفوق الصين على الولايات المتحدة اقتصادياً وتكنولوجياً.
على هذه الأرضية، يبدو واضحاً لماذا يشوب هاجس واشنطن الحالي بالحفاظ على هيمنتها الجيوسياسية في المنطقة عطبٌ أساسي. حيث لا تأخذ بالحسبان اتجاه الحركة والسير الموضوعي للعلاقة بين تايوان والبر الرئيسي للصين، على سبيل المثال، فباستخدام أدوات مثل أطلس جامعة «هارفارد» للتعقيد الاقتصادي، يمكننا استكشاف الروابط الاقتصادية لدولة أو إقليم معين خلال قرابة 20 عاماً، وباعتماد هذا المقياس، فإن العلاقة الاقتصادية بين تايوان والبر الرئيسي الصيني والولايات المتحدة تكشف عمّا هو مهم للغاية: في عام 1998، لم تسجل أية حركة في العلاقات بين البر الصيني وتايوان من حيث الواردات أو الصادرات التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة واليابان في ذلك الوقت، لكن بحلول عام 2008، أصبحت علاقات تايوان الاقتصادية متوازنة بين شركائها التجاريين الأمريكيين واليابانيين من جهة، والبر الرئيسي الصيني من جهة أخرى. وقد انقلبت الصورة تماماً في عام 2018 لمصلحة البر الصيني الذي غدا الشريك التجاري الرئيسي لتايوان حيث يبلغ إجمالي التجارة البينية ضعف ما هي عليه مع الولايات المتحدة. وفي حال تمت إضافة هونغ كونغ، فإن التجارة الصينية الكاملة مع تايوان ستكون أكبر بأربع مرات تقريباً من التجارة مع الولايات المتحدة.
وفوق هذا العامل التجاري، تعكس الاستثمارات في كلا الاتجاهين عبر المضيق اندماجاً اقتصادياً مستمراً بالفعل. وهي عملية من شأنها أن تؤثر على العوامل الاجتماعية والسياسية على المدى الطويل بغض النظر عن حجم الأموال التي تستثمرها الولايات المتحدة في التدخل السياسي على المدى القصير. لهذا كله، فإن الوقت وموازين القوى في مصلحة بكين، حيث من الواضح أن الصعود الاقتصادي للصين هو وسيلة أكثر إقناعاً وفعالية في طريق دمج تايوان بالبر الرئيسي من استخدام القوة العسكرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1027