الشرط الغربي لإعادة الإعمار «انقلاب السّحر على السّاحر»
لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شعار مكرّر، يرفعونه شرطاً مسبقاً كلما تمّ الحديث عن إعادة الإعمار في سورية، إذ يؤكدون بأنهم لم ولن يساهموا في تمويل إعادة الإعمار السورية، إلّا مع «الانتقال السياسي». فكيف يربط الغرب بين المسألتين، والأهم من كيف... ما الغاية؟ وهل يمكن أن تتحقق؟
إن عملية إعادة الإعمار السورية، ليست صفقات استثمارية وعقود شركات ومجال نشاط اقتصادي فقط، كما يتصورها البعض، بل هي قبل ذلك، جانب أساسي من العملية السياسية، لإنهاء الأزمة السورية.
الاستقرار والوصول إلى وضعٍ آمنٍ في سورية، هو الهدف الدولي المعلن من إطلاق العملية السياسية المرعية دولياً. بما يهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية الدولية الأكثر حدة وتدميراً، والمستمرة منذ سبع سنوات. وبما يمنع إعادة إنتاج وانتشار الإرهاب، ويسمح بعودة اللاجئين، ويسمح بنظامٍ سياسي توافقي، مبني على إصلاح دستوري، وانتخابات شاملة بضمانة دولية، وغيرها من مجمل الجوانب المتضمنة في القرار الدولي 2254.
وهذا الهدف السياسي الدولي المعلن، أي: الوصول للاستقرار والسلم في سورية، لا يمكن أن يتم بأية حال من الأحوال، في ظروف التدهور وانعدام الأمان الاقتصادي، ومن هنا فإن عملية إعادة الإعمار، هي الذراع الاقتصادي التنموي لتحويل هدف الاستقرار السياسي، عبر العملية السياسية، إلى وضع مستقر وقابل للتطور وعدم الانتكاس.
وبناء على ما سبق، فإن الأطراف الدولية المعنية بالاستقرار فعلياً في سورية، هي المعنية بالوصول إلى عملية إعادة إعمار جدية. والعكس بالعكس. فالغرب والولايات المتحدة قبل غيرها، الساعية لامتداد مشروع الفوضى في المنطقة، معنية تماماً بعدم الوصول إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والتنموية في سورية.
ولذلك فإننا نرى رفضاً لرفع الحصار الاقتصادي المطبق على الشعب السوري، وليس فقط على أفراد محددين في السلطة أو خارجها. ولذلك أيضاً فإن الغرب يريد وضع سدٍّ في وجه انطلاق عملية إعادة الإعمار، عِبر شرطه المسبق المذكور، بربط التمويل «بالانتقال السياسي».
حيث يستخدم الغربيون المماطلة، حتى في تحديد وتوضيح هذا الشرط... فعن أية مرحلة من «الانتقال السياسي» يتحدثون؟ هل يتحدثون عن بداية العملية السياسية، أم عن نهايتها والوصول إلى نتائج الانتخابات؟ كل هذا غير واضح. حيث يتركون مسألة تمويل إعادة الإعمار كأداةٍ قد يستخدمونها في منعطفات العملية السياسية، لكسب الولاءات. أو يتركونها معلقة بالشكل الذي قد يعرقل تطبيق العملية السياسية. لأن الوصول إلى الخواتيم أي: إلى مرحلة الانتخابات، يتطلب فعلياً وجود ظروف اقتصادية- سياسية- اجتماعية في سورية مختلفة عن الظرف الحالي، ولا يمكن أن تتأمن إلا بانطلاق أوّليّ لعملية إعادة الإعمار، لتؤمن: أوضاعاً اقتصادية أفضل، وعودة اللاجئين، وجملة الشروط التي تسمح للسوريين بالمشاركة في انتخابات نزيهة وشفافة ومضمونة دولياً دون عوامل ضغط.
اعتاد الغرب، أن عمليات إعادة الإعمار تستخدم في سياق حروبه السابقة، كأداة اقتصادية تسمح بتوطين الأزمات. لترسخ العنف الاقتصادي، بعد استكمال استخدام العنف العسكري. وهو ما حصل في لبنان وأفغانستان والعراق، وغيرها الكثير من الأمثلة في دول العالم النامي. عندما تحولت إعادة الإعمار إلى آلية الهيمنة المباشرة لقوى المال على قرارات الدول المدمرة. كما أنها أداة للمحاصصة الدولية السياسية عِبر الوكلاء السياسيين- الاقتصاديين المحليين. لتصبح وجوه السياسة هي وجوه المال والفساد من القوى المرتبطة بمال الغرب، التي تصدر له ما تنتجه استمرارية الأزمات من أموال ومرابح.
ولكن هذه العملية كانت تتم سابقاً في ظروف سيطرة غربية على عمليات التمويل الدولية، وعلى دور الحلفاء الإقليميين، والوكلاء السياسيين المحليين، والأهم أنها كانت تتم في ظرف «بحبوحة» غربية. وكل ما سبق لن يتأمن للغرب في الظرف السوري، والمحدد في هذا الأزمة الاقتصادية التي تلوح قريباً في أفق العالم المالي الغربي وكل ما يرتبط به من الدور السياسي للمال الدولي والإقليمي، ومن إمكانية شراء الذمم والوكلاء السياسيين المحليين.
ما كان الغرب يحققه بسهولة سابقاً في عالم يسرح ويمرح بفنون الفوضى فيه، لم يعد اليوم متاحاً. فالغرب خاسر سياسياً في مفصل الأزمة السورية، والمحدد لهذا، أن مشروعه لتصعيد الفوضى عسكرياً يتلاشى. وينجر إلى مفاصل العملية السياسية في سورية، التي تقودها القوى الدولية الصاعدة: فيضطر للموافقة على القرار 2254 حيث مصير السوريين يحدده السوريون، ويضطر للاعتراف بنتائج أستانا، ونتائج سوتشي. وسيضطر لاحقاً للالتحاق بإطلاق عملية إعادة الإعمار كجزءٍ من استكمال العملية السياسية في سورية، وسيتنازل عن شرطه المسبق... وكل ما علينا فعله هو أن نضع شروطنا المسبقة لمساهمة الغرب في إعمار سورية، إذ عليه أن يدفع تعويضات عما ألحقه بنا من خسائر، كما دفعت تاريخياً كل القوى الخاسرة سياسياً في الحروب.