نهاية خدمة دي مستورا دليقان: الأمم المتحدة تبديل السلوك قبل الوجوه
أجرى راديو روزنة لقاءً مع عضو وفد منصة موسكو، وأمين حزب الإرادة الشعبية مهند دليقان بتاريخ 20-10-2018، وكان خبر استقالة المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا، وتقييم المرحلة التي واكبها، محوراً أساسياً من محاور اللقاء. تنشر قاسيون فيما يلي أهم ما جاء في اللقاء الإذاعي المذكور.
الأمم المتحدة في الميزان الجديد
لإجراء تقييم موضوعي لشخص دي مستورا ينبغي بدايةً أن نذكر بأنّ الأمم المتحدة ككل، هي مؤسسة تعكس توازنات القوى على المستوى الدولي. وفي الحقيقة منذ 20- 30 سنة الماضية، وتحديداً منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، فإن الأمم المتحدة كانت تعكس بكل سلوكها في القضايا المختلفة أحادية القطب، بمعنى السيطرة الأمريكية، وحين تغيّر هذا التوازن الدولي ودخلت على الخط قوى صاعدة جديدة وعلى رأسها روسيا والصين، فإن ذلك لم ينعكس سريعاً ضمن الأمم المتحدة، وإنما احتاج إلى بعض الوقت حتى يظهر أثر هذا التغير في ميزان القوى الدولي داخل الأمم المتحدة. ولذلك فإن المبعوثين الثلاثة في الأزمة السورية حتى الآن لا يزالون ضمن الفلك السابق، وهم أقرب فعلياً إلى الفلك الأمريكي رغم كل ما يقال ويكرر حول أن دي مستورا هو أقرب إلى الروس وأقرب إلى النظام، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. ومن يسوق لهذا يستند إلى مفهومه لدور الأمم المتحدة ضمن الصورة النمطية السابقة حيث كانت تلعب دور الأداة ضمن الإدارة الأمريكية، وبالتالي يرى أنه كان عليها أن تلعب في سورية دوراً مشابهاً لدورها في العراق أو ليبيا. ولكن هذا غير ممكن موضوعياً في الظروف الحالية، وعندما لم يتحقق ابتدأ البعض بالافتراض أن السبب هو هذا المبعوث أو ذاك، وقربه من روسيا والصين وإلى ما هنالك من التفسيرات. بينما في حقيقة الأمر أن التوازن الدولي هو المختلف، وهو يفرض نفسه على سلوك الأمم المتحدة ككل، ليبدأ بعكس توازن القوى الدولي الجديد تدريجياً.
بعض من أخطاء المبعوث الدولي
ولكن هذا لا يعفي شخص دي ميستورا، وحقيقة أنه ارتكب مجموعة من الأخطاء أدت بمحصلة الأمور إلى إطالة عمر الأزمة السورية تحقيقاً للأجندة العملية الأمريكية الصهيونية، لأن هدف هذه الأجندة هو الاستنزاف وإبقاء الاستنزاف وإدامة الاشتباك إلى أبعد وأطول مدىً ممكن.
يمكن أن نذكر من بين الأخطاء الأساسية التي ارتكبها السيد دي ميستورا أنه كان ميالاً دائماً للمجموعة المصغرة وبعيداً عن مجموعة ترويكا أو مجموعة الدول الضامنة في أستانا، وقلل من شأن أستانا وسوتشي لفترة طويلة حتى أنه عمل بشكل مزدوج من تحت الطاولة ضد هذه المسارات، التي كانت الوحيدة التي حققت شيئاً فعلياً ما على الأرض، على إطار وقف إطلاق النار وتخفيض التصعيد، والدفع باتجاه تبني النقاط الـ اثنتي عشرة، وكذلك الدفع باتجاه مسألة اللجنة الدستورية.
كما أن دي مستورا ارتكب أيضاً خطأً آخر، عندما عمل على التقليل من دور النظام، عبر استفزازه، وذلك بقرب دي مستورا من مجموعة محددة ضمن المعارضة هي المعارضة المتشددة، رغم كل ما يقال عكس ذلك. حيث إنه من تحت الطاولة كان دائماً يعطي توصيات ونصائح كانت تصب في الكثير من الأحيان في إطار التعطيل.
وحتى الآن في نهاية عمله، فإننا نعتقد أن حتى توقيت تقديم استقالته مطلوبٌ منه مزيد من التعطيل وإدامة الاشتباك. لأن الأمور فعلياً شبه ناضجة لتشكيل اللجنة الدستورية وتقديم الاستقالة في هذا الوقت بالتحديد، قد يؤخرها، حيث من المعروف أن «كِباشاً» سيبدأ حول المبعوث الأممي الجديد، وربما تأخذ هذه المسألة وقتاً غير قصير. فتعيينه لن يكون سهلاً، بعد التجربة المريرة عبر ثلاثة مبعوثين لذلك نعتقد أنه حتى توقيت الاستقالة يخدم مسألة تعطيل الحل.
أما التعطيل كهدف فإنه يصب بمصلحة المتشددين من كل الأطراف، ممن لا يريدون حلاً، ويصب بالتالي ضد مصلحة الشعب السوري الذي يحتاج إلى الوصول إلى حل بأسرع وقت ممكن. وبالمعنى الدولي فإن التعطيل يصب بمصلحة الأمريكان ومعسكرهم ممن لا يريدون حلاً في سورية وإنما يريدون إبقاء هذه النقطة، نقطة توتر تمنع الدول الصاعدة المنافسة لأمريكا بالمعنى الاقتصادي أساساً والسياسي والعسكري تالياً من التقدم فعلياً لعكس ميزان دولي جديد.
الدور الروسي والمبعوث الجديد
مسألة تعاون الروس تحديداً مع المبعوث الأممي هي مسألة لها طابعها الدبلوماسي القانوني، بمعنى أنهم معنيون في حل الأزمة السورية، من مصلحتهم إنهاء هذه الحرب وبالتالي هم يتعاونون مع المبعوث الدولي بغض النظر عن رأيهم بسلوكه، وأعتقد أن تصريحات الروس الأخيرة ابتداءً بتصريح نيبيزيا في مجلس الأمن ووصولاً لتصريحات لافروف وغيره من المسؤولين الروس بينت ما هو الموقف الحقيقي والعميق للروس من دي ميستورا، وهو موقف غير راضٍ نهائياً عن سلوك المبعوث الدولي. إن للروس دوراً اليوم في تعيين المبعوث الدولي الجديد، وهذا الأمر هو انعكاس فعلي لتوازن القوى الدولي الجديد. فمن غير المقبول أن يأتي مبعوث دولي جديد ميال إلى الغرب، المطلوب أن يكون دوره يمثل فعلياً التوازن الحقيقي فإن كان توازناً صفرياً من حيث المبدأ، ما يعني أن يكون المبعوث حيادياً تجاه الطرفين الأساسيين لا أقول النظام والمعارضة فقط، بل بالمعنى الدولي الترويكا ومجموعة الـ 5+2.