التسويف... أقصى الطموح الأمريكي
يسير اتفاق سوتشي حول المنطقة منزوعة السلاح في إدلب ضمن آجاله الزمنية، ويُعيد الروس تأكيدهم على أن الوضع مؤقت، وإنهاء الإرهاب في إدلب سيتم. فالأمريكيون وبعد S300، وصعوبة فك التوافق الروسي- التركي، لا يعولون كثيراً على العرقلة في إدلب. ويستمرون بتفخيخ الملفات الأخرى على طريق التسوية السياسية للأزمة، ويمكن أن نقرأ سلوك الأمريكيين الحالي بالتالي:
• يعتبر الوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات، أهم أداة عرقلة. إذ قد يتيح تحكمهم بملف القضية الكردية، واللعب على «إنشاء كيان مستقل»، بما قد يخلق توتيراً يبدأ بسورية ولا ينتهي بتركيا. ولكن هذا التعويل الأمريكي تقابله الكثير من العوائق، أهمها التنسيق العالي بين أطراف «ترويكا أستانا»، وهي المعنية بالملف الكردي عموماً، وفي سورية خصوصاً. بما قد يمنع استخدام الأمريكيين للأطراف السورية الكردية في التوتير، واحتواءهم بوضع القضية ضمن المسار السياسي الشامل. أما العائق الأهم فهو هشاشة القوات الأمريكية وفعاليتها العسكرية المنخفضة: فالأمريكيون غير قادرين على المجازفة بها في تصعيد عسكري، لأن أية خسارة تطال قواتهم يمكن أن تؤدي إلى تداعيات سياسية عميقة في الولايات المتحدة، بين الأطراف المنقسمة حول مسألة استبقائها من عدمه، وهو ما ينطبق على القوات في التنف أيضاً. القوات الأمريكية غير قادرة على التصعيد الفعال عسكرياً وبالتالي سياسياً، ما يجعل وجودها مسألة وقت، وأداة مماطلة لا أكثر.
• في ملف اللجنة الدستورية يحاول الأمريكيون أن يعرقلوا عبر «سياستهم الجديدة» في المجموعة المصغّرة، ووضع شروط، بل نتائج، لعمل اللجنة قبل بدئها. وهم بهذا لا يخالفون فقط القرارات الشرعية الدولية كالقرار 2254 التي تؤكد أن مصير السوريين يجب أن يحددوه بأنفسهم. بل يخالفون الموازين التي تقول إن الأمريكيين في العملية السياسية أقل قدرة على وضع الشروط، فكل ما أنجز حتى الآن كان منتزعاً منهم، وتم عبر العلاقات الدولية الجديدة، وما أفرزته في أستانا وسوتشي.
• أخيراً في ملف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، يعتمد الأمريكيون المماطلة، عبر اشتراطهم الوصول إلى نهايات العملية السياسية، ليساهموا بعد ذلك بما هو ضروري لتأمين عودة اللاجئين، وتمويل الإعمار...
المفارقة هي أن كل الملفات التي سوّفوا مشاركتهم بها، وحاولوا تأخيرها، سارت وتقدمت دونهم؛ من مناطق خفض التصعيد، إلى إنهاء الإرهاب، إلى سوتشي وقرار تشكيل اللجنة الدستورية. وما انطبق على كل ذلك، سينطبق على كل جوانب القرار الدولي 2254، بما فيها عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، التي لن يكون الغرب قادراً على المساهمة المؤثرة فيها في ظروف أزمة اقتصادية عالمية ستتصاعد خلال العامين القادمين، ما يجعل حل هذه الجوانب تحديداً مرشحاً لأن يتم دون الأمريكيين وبأقل دور وتأثير لهم فيها.
إن الأمريكيين إذ يعتمدون التسويف غاية ووسيلة في الأزمة السورية، فلأنهم يعلمون أن أفق الفوضى والتقسيم أصبح مغلقاً، ولكن لا حيلة بيدهم فالرضوخ السريع للميزان الجديد لعالم اليوم، ليس بالأمر الهين إطلاقاً، وإنْ كان سيحدث عاجلاً أم آجلاً.