سوتشي  وما بعد سوتشي

سوتشي وما بعد سوتشي

جاءت رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مؤتمر الحوار السوري - السوري في سوتشي، والبيان الختامي المتفق عليه مسبقاً بين كل الأطراف ذات الشأن، لتقطع الشك باليقين وتحسم الجدل حول وظيفة المؤتمر، من حيث كونه مساراً داعماً لتطبيق القرار 2254، و مكملاً لمسار جنيف، ولتكون رداً واضحاً على حملة التشكيك والتشهير والتضليل الواسعة التي سبقت انعقاد المؤتمر، وحاولت إفشاله بعد أن عجزت عن منع انعقاده.

ورغم العقبات التي تجسدت في محاولة عدم الالتزام بنص البيان الختامي، المتفق عليه بين الدول الضامنة والأمم المتحدة من جهة، ومحاولات البعض في هيئة التفاوض الاستحواذ على كل الحصص التي لاتخص الموالاة في لجنة الإصلاح الدستوري من جهة أخرى، رغم ذلك كله، فإن انعقاد المؤتمر بحد ذاته، والبيان الختامي الذي يعتبر عملياً أول اتفاق بين ممثلي المعارضة والطرف الحكومي، وكلمة المبعوث الدولي في نهاية أعمال المؤتمر، وتصريح الأمين العام للأمم المتحدة عن أهمية سوتشي، تعتبر كلها مؤشرات على أن هذا المؤتمر قد حقق الهدف الاساسي من انعقاده، وتحديداً تحريك مياه جنيف الراكدة، مما يؤكد مرة أخرى على أنه يمكن انطلاق قطار التسوية السورية في حال وجود طرف محايد ونزيه، كالطرف الروسي يسعى قولاً وفعلاً إلى الحل السياسي للأزمة. 

والآن، وبعد أن انتهت أعمال المؤتمر، والإشارات الإيجابية التي أرسلتها وترسلها جهات عديدة، بمن فيهم قوى امتنعت عن المشاركة في أعمال المؤتمر، فإن المهمة الأساسية على جدول الأعمال، هي تطبيق مخرجات سوتشي على أرض الواقع، والإسراع في تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري، على أساس مبدأ التوافق، الذي يعتبر شرطاً لا غنى عنه في كل ما يتعلق بالأزمة السورية، واستئناف مفاوضات جنيف وتحويلها إلى ورشة عمل فعلية، لتطبيق القرار 2254بعيداً عن جعلها منبراً لتسجيل النقاط، والدعاية السياسية لهذا الطرف أو ذاك، كما كان الأمر خلال الجولات السابقة.

ومن الجدير بالذكر هنا، أنه ينبغي التأكيد مجدداً على أن الصياغة النهائية للدستور السوري، يجب أن تكون بأيدي السوريين، وفي دمشق وليس في أي مكان آخر، مما يعني ضرورة جعل لجنة الاصلاح الدستوري ساحة حوار جدية بين السوريين، توضع من خلالها الاتجاهات العامة لسورية الجديدة، بما فيها الاتفاق على مفهوم وشكل ومحتوى الجسم الانتقالي الذي سيدير الاستفتاء، والانتخابات في البلاد، أي أن القرار 2254 كان وما زال وسيبقى خريطة الطريق، والمرجع الرئيس، والحاضر الدائم على أية طاولة تفاوض تخص حل الأزمة السورية.

إن الظرف الجديد الذي استطاع الحليف الروسي تأمينه من خلال سوتشي، رغم كل التعقيدات والإعاقات التي ظهرت، يوفر فرصة تاريخية جديدة للسوريين، لاستعادة قرارهم وتقرير مصير بلادهم، مما يتطلب من جميع الوطنيين التحلي بالروح العملية، والواقعية السياسية والتعاطي الايجابي مع مخرجات المؤتمر وتحويلها إلى فعل ملموس، وبالسرعة القصوى.

آخر تعديل على الإثنين, 05 شباط/فبراير 2018 11:33