لا ورقة تيلرسون vs سوتشي

لا ورقة تيلرسون vs سوتشي

أعلنت منصة موسكو موقفها مما بات يعرف بـ «لاورقة تيلرسون»، بعد يومين فقط من اجتماع خماسي الورقة (الولايات المتحدة_ بريطانيا_ فرنسا_ السعودية_ الأردن) يوم الثلاثاء 23-1-2018 في باريس. وكان ذلك في مساء اليوم الأول من جولة جنيف_9 التي عقدت في فيينا، واستمرت يومي 25 و26 كانون الثاني.

موقف المنصة جرى إصداره بعد ساعات قليلة من تسلم المعارضة للا ورقة في اليوم الأول من الجولة التاسعة، وقد أكدت الأيام التي مضت أهمية هذا الموقف، وخاصة أهمية السرعة التي جرى اتخاذه بها...
بداية، نعيد هنا استعراض الأفكار الأساسية في موقف المنصة من اللا ورقة بشكل مختصر، وبعد ذلك ننتقل للحديث عن سياقها وأين وصلت الآن.
أفكار أساسية
• تنتهك اللا ورقة سيادة السوريين، وحقهم في تقرير مصيرهم، لكونها تحدد لهم مسبقاً شكل دولتهم المستقبلي، انطلاقاً من محاولتها فرض «مبادئ عليا» يجب أن يلتزمها نقاش الدستور؛ فتحدد طبيعة النظام، وطبيعة العلاقة بين السلطات وتوزيعها وحجمها، وهي كلها قضايا لا يحق لأحد تقريرها سوى السوريين أنفسهم.
• تخالف اللا ورقة الجدولة الزمنية للقرار 2254 بأن تجعل عمل لجنة صياغة الدستور سابقاً على تشكيل جسم الحكم الانتقالي، وتُسندُ تشكيل هذه اللجنة للأمم المتحدة خلافاً للقرار أيضاً. وهذا يختلف كلياً عن لجنة الإصلاح الدستوري، التي اتخذ قرار تشكيلها في سوتشي؛ فهذه الأخيرة ليست لجنة لصياغة الدستور الجديد بل لفتح الحوار الواسع حوله، وهذا يتوافق مع القرار 2254 على عكس اللا ورقة.
• تتجنب اللا ورقة أي حديث عن جسم الحكم الانتقالي وتستبدله بحديث مائع عن «بيئة آمنة ومحايدة»، بالتوازي مع كلام عن «حكومات إقليمية» كشكل للاّمركزية!
• تعطي اللا ورقة صلاحيات انتدابية للأمم المتحدة تحت حجة الإشراف على الانتخابات، قافزة فوق العرف الدولي الذي يحدد بشكل دقيق ثلاثة مستويات لرقابة الأمم المتحدة على أي عملية انتخابية، ومعنى كل من هذه المستويات: (المراقبة، الإدارة، الإشراف).
• كمحصلة، فإنّ مضمون اللا ورقة هو تكرار لما جاء في تقرير مؤسسة راند الأمريكية في الجزء الرابع من «سلام لأجل سورية»، والتي تقول عملياً: إن عملية الانتقال السياسي يجب أن تجري «من تحت إلى فوق» عبر مجالس محلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بحيث يبقى النظام على حاله وضمن عملية حرب مستمرة، بالتوازي مع عملية «إعادة إعمار» في «المناطق المحررة»... وبكلام آخر: تكريس الحرب والأمر الواقع وصولاً للتقسيم ولمزيد من الحرب.
 
 سياق اللا ورقة
المضامين التي جرى إعلانها ضمن اللا ورقة، والتي كشفت بشكل واضح عداء الولايات المتحدة للحل السياسي وللقرار 2254، ورغبتها في إدامة الصراع أطول فترة ممكنة، والعمل على توسيع نطاقه إن أمكن، هذه المضامين ليست غريبة عن المتتبع الموضوعي لطبيعة الصراع الدولي الجاري بين القوى المتراجعة والقوى الصاعدة. الجديد، هو: إعلان واشنطن لهذه المضامين، والذي تزامن مع تحضيرات مؤتمر سوتشي، وقبيل «جولة الاختبار» في فيينا التي دعا لها دي مستورا، من أجل «اختبار الروس ومدى جديتهم في الحل السياسي، والتي ستظهر من حجم الضغط الذي سيمارسونه على الوفد الحكومي ضمن جولة فيينا»، وبناء على ذلك (وغيره) تتخذ الأمم المتحدة موقفها من سوتشي، وكذلك تتخذ «المعارضة» موقفها.
كان المطلوب من المعارضة في تلك اللحظة، أن تتبنى ورقة المستر تيلرسون، لأن تبني المعارضة لهذه الورقة كان الطريقة الوحيدة التي يمكن لفريق دي مستورا من خلالها أن يتعاطى معها جدياً، فهي ورقة مخالفة للقرار 2254 وضوحاً. تبنّي المعارضة لهذه الورقة في تلك اللحظة، كان سيسمح لخماسي الورقة بزعامة واشنطن، أن يتحول إلى موازٍ لثلاثي أستانا_ سوتشي، مع موطئ قدم «شرعي» ضمن المعادلة. لو تم تبني اللا ورقة في تلك اللحظة ربما كان من الممكن رفع احتمال عدم حضور الأمم المتحدة في سوتشي.
في الأحوال كلها، فإنّ السرعة والعمق اللذين ظهرا في موقف منصة موسكو من اللا ورقة، قربت آخرين ضمن هيئة التفاوض من موقفها، بل وخلقت جواً عاماً من الرفض تجاه الورقة، وأدى (بوجود البعض ممن لا يجرؤ ولا يطاوعه قلبه على رفض ورقة أمريكية) إلى تأجيل اتخاذ موقف من هذه اللا ورقة، وبالتالي فقد أدى إلى خسارة المهمة الأساسية التي كانت مطلوبة منها.
بكلام آخر، فإن الأمور سلكت ضمن التفاصيل سلوكاً فريداً من نوعه؛ رافضو سوتشي كانوا يرفعون أصواتهم دفاعاً عن 2254 واتهاماً للروس بأنهم يريدون الانحراف عن 2254، وفي اللحظة نفسها تصلهم لا ورقة تيلرسون التي تناقض 2254 جملة وتفصيلاً، وتتولى منصة موسكو تبيان هذا التناقض عبر موقفها المفصل، فيُسقط في يد البعض الذي عليه تبني ورقة الأمريكان!
وماذا الآن؟
تجري محاولة جديدة الآن لإعادة إحياء اللاورقة، وذلك عبر محاولة الضغط لتبنيها من قبل المعارضة مع إدخال تعديلات ما عليها، لأنها دفنت في مهدها بشكلها الأولي، وبات جنوناً محاولة تمريرها كما هي. رغم ذلك، فإنّ الورقة لن تمر إلا بعد أن تخرج من جلدها، لأنّ ما يحتاج إلى نسفٍ ضمنها، هو، جوهرها بالذات، الجوهر المعادي لـ2254، والمتوائم مع مخططات التقسيم واستمرار الحرب. حين يتم نسف ذلك الجوهر، أي نسف الورقة بأكملها، سيصبح من الممكن تمريرها.