مبعوث واشنطن اللورد طوني بلير بلفور يصطدم «بالصخرة السورية»

 ما أن غادر رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مطار دمشق الدولي منهياً زيارة خابت فيها آماله الإمبريالية في حرف سورية عن ثوابتها الوطنية وجرها إلى طوابير الحرب الأمريكية القائمة ضد أفغانستان حتى انبرت وسائل الإعلام البريطانية إلى شن حملة تهويش على سورية ممثلة بالرئيس د. بشار الأسد الذي وُصِفت تصريحاته عربياً في المؤتمر الصحفي المشترك مع بلير بأنها الأجرأ والأكثر موضوعية ضمن المواقف العربية وذلك في الوقت الذي يواصل فيه الكيان الإسرائيلي حرب إبادته بحق الفلسطينيين بينما تحاول واشنطن جاهدة حماية تحالفها المعلن ضد الإرهاب الذي يحصد مئات الضحايا المدنيين وسط تصاعد الاستنكار الدولي وازدياد التصدع في التحالف الهش أساساً...

المقاومة.. والإرهاب
الرئيس الأسد أكد في البداية أن إدانة سورية لأحداث الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة تأتي نتيجة لمبادئ اجتماعية ودينية قديمة في سورية وأن هناك فرقاً بين المقاومة والإرهاب فالأولى هي حق اجتماعي وديني وقانوني مكفول في الشرائع الدولية...

نظرة عنصرية
أما أحد أهم أسباب الإرهاب التي تستدعي عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب ومن ثم مكافحته فهي فارق القيمة بين مواطن المنطقة ونظيره الغربي عند تعرضهما للأعمال الإرهابية في حين أنه ينبغي أن يكون هناك معيار واحد لأن الإنسان إنسان في كل مكان وكذلك الإرهاب الذي تبدأ معالجته من تحديد المصطلح وبالتالي العدو وشكله وطبيعته ثم دوافعه...

نتائج الإرهاب
وأشار الرئيس الأسد إلى أن ما يشهده العالم اليوم هو تعامل مع نتائج الإرهاب دون أسبابه علماً بأن المعالجة ينبغي أن تكون على صيغة تعاون دولي يعتمد الوسائل السياسية والثقافية والإعلامية والمعلوماتية والأمنية...
وفي موضوعة الصراع العربي الإسرائيلي أكد الرئيس الأسد أن ثبات الموقف السوري بخصوص السلام هو مسألة استراتيجية وليست تكتيكية مشيراً إلى إسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة مثبتة أنها ضد السلام بما يلغي التوافق بين الرغبة في السلام والرغبة  في الحرب باعتماد قوائم الاغتيال المسبقة...
وفي تصويب للكثير من المغالطات الصادرة حتى عن كبار المسؤولين العرب في المنطقة أكد الأسد خطأ الربط بين مشكلة الشرق الأوسط والإرهاب بشكل مباشر وكأن الأولى هي مصدر الثاني في حين أنها نتيجة له حيث لا يمكن فصل الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين عن الإرهاب العالمي مشيراً إلى وجوب أن ينظر العالم بعينين مفتوحتين بالكامل لرؤية القضايا الكبرى والقريبة دون الضياع في خطأ التركيز على التفاصيل الصغيرة والبعيدة...

القاعدة.. والهدف
وفي إشارة إلى آخر مبادرتين أمريكيتين منقوصتين هما تقرير لجنة تينيت رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ولجنة ميتشل أضاف الرئيس الأسد أن أي مبادرة هي أداة لتحقيق هدف محدد هو السلام الضامن للحقوق كاملة وأن المرجعية في هذه الحالة ينبغي أن تكون الأمم المتحدة ومؤتمر مدريد شريطة أن تقوم الأدوات بتخديم الهدف مع وجود قاعدة واحدة للأدوات والهدف...

الحرب على الأبرياء
وفي الموضوع الأفغاني وبينما حاول الوفد الصحفي الضخم المرافق لبلير إحراج سورية كانت الإجابة أشبه بالصفعة لرئيس الوزراء البريطاني الساعي في جولته كالقائم مقام إلى استجداء أي موقف مساند لحرب واشنطن العدوانية حيث أكد الرئيس الأسد تمييز سورية بين مكافحة الإرهاب والحرب إذ أن الثانية لا تكافح الأول مشيراً إلى أن شعب سورية لا يرغب برؤية الحروب وخاصة مع صور الأبرياء الذين يسقطون ضحايا لها بما لا يمكن السكوت عليه...
إزاء زخم هذا الدرس لم يكن بوسع بلير إلا أن عاد إلى تكرار تأكيد ما لا يحتاج إلى الكثير من التأكيد من أن العالم موحد في إدانة ما جرى في الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول وكأنه المأساة البشرية الوحيدة مشيراً وبنبرة التهمة المسبقة ذاتها وقبل إعلان أي نتيجة مكتملة للتحقيقات المفبركة والمجتزأة التي تجريها واشنطن إلى أن المتطرفين لا يمتون إلى الإسلام بصلة وإلى أن تلك الأحداث تشكل مناسبة لتجسير الخلافات القائمة في الفهم حسب رأيه بين الغرب والإسلام والغرب والعالم العربي ولكن يبقى السؤال كيف وعلى طريقة من!!؟...
بلير الذي أكد ضرورة عودة جميع الأطراف لمائدة المفاوضات مسترجعاً تجربة بريطانيا مع ايرلندا حاول تكريس ما يريد ساسة الغرب تسريبه وإعلانه من مقولة «العنف المتبادل» من «أي جهة كانت» في المنطقة، مما يساوي بين الجلاد الإسرائيلي والضحية الفلسطينية، أي أن الفلسطيني الذي يحاول دفع عدوان قذائف الدبابات الإسرائيلية عن نفسه ومدنه وحقوقه التاريخية بالرشاشات الخفيفة بعدما كان يرد على الرصاص الحي بحجر يعد إرهابياً حسب المقاييس الغربية...

الثوابت السورية
وبينما كان اللافت في تصريحات بلير أنه اضطر أمام قوة المنطق السوري إلى التأكيد على أهمية القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة مرجعية ً للسلام جاء تأكيد سورية عند السؤال عن أي إجراءات ستتخذ بحق الفصائل الفلسطينية ومن بينها الجبهة الشعبية التي انتقمت بتصفية المتطرف الصهيوني رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائيلي بقيام إسرائيل أولاً باغتيال المناضل أبو على مصطفى الأمين العام للجبهة جاء أنه لا ينبغي الخلط بين المقاومين والإرهابيين وأن دمشق الأدرى بطبيعة القوى في المنطقة تدعم المناضلين في سبيل حقوقهم وحرية أوطانهم وأن هذا يعد من ثوابت سورية...

فشل «القائم مقام»
إن فشل بلير في مهمته في سورية التي أكدت مواقفها الوطنية قد أثار هجمة صحفية بريطانية وغربية شرسة على سورية بهدف تأليب الرأي العام العالمي عليها وتهميش دورها المحوري ولاسيما بعيد انتخابها لعضوية مجلس الأمن الدولي الذي يراد تكريس شل عمله بالهيمنة الأمريكية المطلقة... وهي حملة ليست بجديدة بل تأتي استكمالاً لفصول التآمر الأنغلو-أمريكي على سورية وثوابتها التي قد تشكل عائقاً كبيراً للمخططات الإمبريالية وخاصة في المنطقة العربية ومصدر تعبئة للشعوب والقوى المناهضة لها... وهو ما يفسر تصريحات كولن باول الأخيرة من وجوب تغيير سياسة واشنطن إزاء سورية وإيران متوعداً على نحو ضمني استهداف مواقفهما الداعمة للحقوق العربية وثوابتها مع استهداف وجودهما ومراكزهما الاستراتيجية في الجغرافية السياسية للعالم... وهو ما يستدعي رص الصفوف وإنجاز المهمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يضمن استمرار الصمود السوري كي يبقى صخرة تتكسر عليها المؤامرات كما يراها العرب والسوريون لا كما تصفها صحيفة التايمز البريطانية منتقدة فشل اللورد طوني بلير بلفور في دمشق...

معلومات إضافية

العدد رقم:
162