كمال مراد كمال مراد

إضاءات.. على الذكرى الـ 77 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري المجيد نسج النضال على أصولك والفروع... ألق الحياة ودك أعمدة الخنوع

مرت في الثامن والعشرين من تشرين أول الماضي الذكرى الـ 77 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري المجيد...

وعلى شرف هذه المناسبة الغالية التقت «قاسيون» ببعض الرفاق الشيوعيين القدامى الذين أمضوا جل أعمارهم في غمرة النضال في سبيل الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب...
توالى شريط الذكريات.. امتدت الحكايا.. قلوب مفعمة بحب الوطن .. رجال لم تهدهم السجون وسياط التعذيب وقسوة العيش.. يغمر الألق عيونهم ببريق الحب والحياة.. يعتصرهم الألم من رفاق الأمس، رفاق الدرب الذين تنكروا لرفاقهم ودربهم.. ورغم القهر والانكسار وعذاب السنين الطوال.. مازال حلمهم الثوري عنواناً ليوم مشرق دافئ يعم الكون.. يقينهم يقين بدربهم الذي اختاروه طواعية.. ولن يحيدوا عنه حتى الرمق الأخير..

 وهذه بعض الإضاءات:

المستقبل الأكيد للاشتراكية
الرفيق محمد راتب بلال (أبو معروف) ـ عامل نسيج ـ من مواليد عام 1933 ـ انتسب للحزب عام 1952:

لم يكن انتسابي للحزب صدفة .. لقد كان والدي من الثوار ضد الاستعمار الفرنسي.. وتربينا على الروح الوطنية، وكانت عواطف الناس مع ثورة أكتوبر.. وتعمق الإحساس بالظلم الإقطاعي واستغلال أرباب العمل الرأسماليين.. كنت في بداية شبابي عامل نسيج وكان الحزب الشيوعي حزباً مرموقاً يدافع عن المسحوقين.. عملت مع الرفيق الشهيد حسين عاقو، وكنت يومها غير مسيس.. وتأثرت بالأفكار الطبقية (خبز وسلم وحرية... ويسقط الاستعمار ومشاريعه الحربية)..
وبعد انخراطي في صفوف الحزب شاركت مع رفاقنا في العديد من النضالات ولنا العديد من الذكريات الممتعة رغم السجون والاعتقالات.. ومن الطرائف أنني قمت بإلصاق بيان ضد حكومة الشيشكلي على ظهر أحد الضباط..
وفي الأول من أيار كنا نشعل النار على قمة جبل قاسيون وكان معنا الرفيق سعيد ميرخان الذي كان يعمل بجد وصمت...
كنا نشعر بلذة النضال.. وكانوا يسألوننا: ماذا تستفيدون من نضالكم؟!.. لقد استفدنا كثيراً.. نتيجة نضال حزبنا حققنا لعمال سورية في قطاع النسيج عمل من ثمانية ساعات في اليوم..
واليوم أقول للرفاق: (حاجي بقى الأنا والذات والركوض ورا المكاسب الرخيصة).. نحن تأثرنا بقول الشاعر ناظم حكمت: (أنا لا أكذب إلا على الشرطة وعلى زوجتي).. وأنا لا أكذب إلا على الشرطة فقط.. فلماذا يزداد الكذب اليوم عند بعض الرفاق الذين يميلون للعمل المكتبي ويبتعدون عن النضال؟!.. ووصيتي للرفاق بزيادة عملنا الجماهيري فلا يزال لدينا الكثير من المسحوقين الذين يعانون من الاضطهاد.. ويجب الاهتمام بقضايا الطبقة العاملة، والعمل من أجل مصلحة الوطن والشعب والحزب.. (وهذا غائب اليوم عن عقلية الحزب وقيادته)..
لم يجبرنا أحد على الانتماء للحزب.. وتلك القناعة لم تبرد منذ أكثر من خمسين عاماً.. والمستقبل الأكيد للاشتراكية رغم المآسي التي تعاني منها الشعوب...

الشيوعي الحقيقي لا يشيخ.. ولا يشترى ولا يباع..
الرفيق يوسف قركجي (أبو راشد) من مواليد عام 1927 انتسب للحزب عام 1948:

حزبنا مجيد .. ناضل بشكل متميز على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، وكان القائد الحقيقي للأحزاب الشيوعية العربية.. وللرفيق خالد بكداش دور متميز في ثباته على المبدأ ونضاله العنيد وحبه للرفاق.. لقد عملت في مرافقته، وكانت كل أفعاله مثالاً للقادة الحزبيين الجديرين بالقيادة.. يعمل ليلاً ونهاراً، ولا ينسى الرفاق والاهتمام بشؤونهم ولا يفرط بأي رفيق ولا يطفشهم من الحزب.. كان يفتح بيته في الأعياد للجماهير ويزور العمال والفقراء في بيوتهم..
بكل أسف تغير كل ذلك اليوم.. ووضعوا الرفاق خارج صفوف الحزب.. الحزب أمانة برقبتنا، ويجب أن نكون يداً واحدة..
سابقاً كان ينجح بالانتخابات الحزبية الرفيق المناضل المجرب الذي له تاريخه وذلك على مستوى كافة الهيئات.. ولا يعين أي رفيق لا يستحق ذلك رغماً عن أنف الرفاق.. وللأسف يجري ذلك اليوم بكل بساطة..
أطلب من كافة الرفاق أن يثمّنوا نضالاتهم الحزبية السابقة ويدافعوا عن الحزب حتى أخر رمق من حياتهم..
خلال كل تاريخ الحزب، ورغم الانشقاقات العديدة ، حرص الرفيق خالد على جميع الرفاق.. ولم تتخذ قرارات طرد وفصل كما يحصل اليوم..
وكان في جعبة الرفيق أبو راشد الكثير من الذكريات النضالية أيام العهود الديكتاتورية والسجون والعمل السري والتظاهرات..
«ارتفع ثمن الخبز قرشين.. سمعنا ذلك في نشرة أخبار الـ 15.7 صباحاً خرجنا في التظاهرات.. ولم نهدأ حتى أعلنت الحكومة في أخبار الـ 15.2 ظهراً إعادة ثمن الخبز لما كان عليه»..
واليوم تقوم صحيفة «قاسيون» بدورها وتعبر عن رأينا كاملاً وتبرز وجه الحزب المستقل في الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب...
وأصر الرفيق أبو راشد عند تصويره أن يحمل صورة الرفيق خالد بكداش.. وقال: لقد علمنا القائد الخالد أن الشيوعي لن يشيخ أبداً، وأنا أقول أنه لن يشيخ ولا يشترى ولا يباع..

كذبوا كثيراً.. ومازالوا يكذبون
الرفيق محمد سعيد خلو (أبو فؤاد) مواليد عام 1934 ـ انتسب إلى الحزب عام 1947:

إن حزبنا حزب جماهيري كبير وكان دائما َ في طليعة النضال، ونحن عاصرنا عهود دكتاتورية وقبلها مرحلة الاستقلال.. وللحزب جماهير واسعة، وكنا دائماً في طليعة المظاهرات وفي الدفاع عن الجماهير ولقمة عيشها.. وواجه حزبنا بكل جسارة الأحلاف العسكرية الاستعمارية وتوابعها.. وفي إحدى التظاهرات في منطقة «المسكية» بدأت الاعتقالات فشاهدت أحد معارفي وكان شرطياً في البلدية، فتوجهت نحوه ومشيت معه .. فظن رجال الأمن أنه اعتقلني.. وفوجئوا عندما لم يروني في المعتقل..
لقد اعتقلت عدة مرات في عهد حسني الزعيم والشيشكلي وفي فترة الوحدة.. ولوحقت في فترة الانفصال وبعده..
وتحدث الرفاق عن الرفيق أبو فؤاد صاحب الحياة الحافلة بالنضال حيث أبدى بطولات كبيرة في السجون.. وسمي بـ «بطل سجن المزة» عندما استطاع أن يحاصر السجانين والضابط المناوب في السجن من أجل حق السجناء بالتنفس..
وقال أبو فؤاد: لقد عانينا الكثير من الاضطهاد ولكن الأصعب أن نرى الاضطهاد داخل الحزب (يريدون تهجيجنا من حزبنا.. كذبوا كثيراً في السابق.. واليوم مازالوا يكذبون..)..
يجب السعي لوحدة الحزب.. وبغير ذلك لا يوجد عمل حقيقي مثمر.. ويجب الحفاظ على الرفاق.. فهذا حزبنا وهو غالٍ علينا.. ولم يسبق أن جرت حالات طرد جماعية من الحزب كما يجري اليوم..
إن الرفاق الذين ماتوا وتعبوا وشقيوا في الحزب هم الشيوعيون الحقيقيون، وليس من يتسلق دون تعب على أكتاف الرفاق..
وأبدى الرفيق أبو فؤاد خشيته على صحيفة «قاسيون» التي تعتبر الأفضل بين الصحف المحلية..

لم نكن نبحث عن أية مكاسب شخصية
الرفيق محمود ميقري (أبو راشد) ـ مواليد عام 1921 ـ انتسب للحزب عام 1947:

نصح الرفيق أبو راشد في بداية حديثه الرفاق بالحفاظ على الاستقامة في السلوك وأوصاهم بأن لا يحيدوا عن المبدأ.. وأن يكون حديثهم موضوعي كي يكسبوا من حولهم..
وأضاف: علّمنا الحزب أن نسير بطريق الكفاح ضد الاستعمار والرأسمالية والإمبريالية العالمية. ومازلت مع الحزب بالقلب والروح هذا الحزب الذي أتمنى أن يبقى شامخاً على الدوام وأن لا يحيد عن شعاره الكبير في الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة العيش..
لقد كنت منذ بداية مرحلة الشباب عضواً نقابياً أحتك مع العمال بشكل دائم.. وبعد انتهاء العمل كنت سعيداً بقيامي بحراسة بيت الرفيق خالد بكداش..
شاركت بالعديد من الإضرابات والنضالات العمالية، وكنا دائماً نسير في طليعة العمال والجماهير..
أنا عامل نسيج منذ عام 1937 وكانت مطالب العمال حينها ثماني ساعات عمل وزيادة الأجور وعدم التفريط بالعمال أو تسريحهم .. واستطعنا مواجهة قوى البرجوازية وتحقيق مكاسب عمالية عديدة..
وقد أوقفت عن العمل لسنوات عديدة بسبب انتمائي للحزب وتعرضت للتحقيق والتوقيف أيام عبد الحميد السراج..
وأضاف.. لقد كان الرفيق خالد ينظر باحترام شديد للرفاق ولا يفرط بهم.. إن الحزب يبقى لكل الشرفاء وليس بالوراثة لفلان وفلان كما يجري اليوم..
أتمنى أن يكون عندي الطاقة اليوم للنضال مع الشباب.. وما زلت أقول إن الحزب الشيوعي هو الذي حمل هموم الطبقة العاملة.. ولم نكن نبحث عن أية مكاسب شخصية.

أين وجه الحزب المستقل؟!
الرفيق عبد الرحيم أيوبي (أبو ماجد) ـ مواليد عام 1931 ـ انتسب للحزب عام 1954:

لقد انتميت للحزب الشيوعي نتيجة سياسته المعادية دوماً للاستعمار.. وشعبنا يكره الظلم والاستبداد.. وكان الرفيق خالد وجه الحزب الناصع.. ينادي بمعاداة الاستعمار والرجعية..
عام 1954 كلفني الحزب بالوكالة عن الرفيق خالد بكداش في حي العمارة في أول انتخابات ديمقراطية في البلاد.. وحاول الرجعيون تعكير صفو الانتخابات من خلال إلقائهم قنبلة صوتية في المركز الانتخابي.. وحققنا نتائج جيدة في تلك المنطقة، كما في بقية المناطق..
في بداية عام 1959 بدأت الملاحقة للشيوعيين .. فاضطررت لترك الحي ولم أنقطع عن التعليم في ا لمدرسة .. اعتقلت بنفس العام في سجن المزة لغاية عام 1961..
أجد أن الأيام القديمة كانت تحمل قيماً نضالية راسخة .. أما اليوم فالأمور مختلفة، وللأسف نجد أن الحزب أصبح عند البعض للمكاسب الشخصية، وانعدم نشاط الحزب لدرجة التبعية..
الأوضاع اليوم بمنتهى السوء.. الجماهير مسحوقة والبطالة هائلة حتى حملة الشهادات العليا ينضمون للعاطلين عن العمل ، وهم لا يستطيعون العمل في بيع الخضرة.. والحزب بعيد عن هذه القضايا.. ولا يجري إبراز وجه الحزب المستقل.. وأصبح الناس يتساءلون عن دورنا..
الشيوعي كي يكون شيوعياً يجب أن يكون محبوباً للناس بشرفه وأمانته..
«قاسيون» اليوم تذكرني بـ «النور» أيام زمان التي كانت توزع يومياً على البسكليتات.. «وقاسيون» تعبر عن رأي الحزب الواضح والصريح..
إن وحدة الشيوعيين السوريين ضرورة قصوى، ولا يستفيد من الانقسامات إلا القوى الطبقية المعادية..
لا يصح.. إلاَّ الصحيح..
عذراً.. وسعت الصدور.. وضاقت السطور.. ولم يتسع المجال لتسجيل جميع الذكريات والمحطات وتفاصيل الألم والفرح، عبر سنوات من النضال ترسم وتحاكي ملامح تاريخ سورية الحبيبة المعاصر...
قرنفلة حمراء ووردة.. لجميع الشرفاء بمناسبة ذكرى تأسيس حزب العمال والفلاحين.. حزب الجلاء.. حزب الوطن.. وتتجدد الذكرى باستمرار النضال الدؤوب.. ولن يصح إلاَّ الصحيح..


معلومات إضافية

العدد رقم:
162