تطوير عمل الجبهة .. كيف؟
يجري حديث كثير ونقاش واسع حول واقع الجبهة الوطنية التقدمية وآفاقها، ولا شك أن الجبهة حينما تأسست في أوائل السبعينات كانت استجابة لحاجة موضوعية وقد لعبت دوراً هاما ًفي إيجاد قاسم مشترك بين الأحزاب الوطنية والتقدمية حول القضايا السياسية الكبرى للحفاظ على دور سورية الوطني وتوطيده.
ولكنها كأية ظاهرة تولد وتتطور بحاجة إلى وقفة للتأمل والاستنتاج وخاصة عندما يتآكل دورها، وعندما تصبح بفعل التطورات اللاحقة غير قادرة على لعب الدور المنوط بها.
وتزداد المفارقة حدة عندما يتطلب الوضع اليوم، بسبب خطورة التطورات العالمية والإقليمية، أكثر من أي وقت، مضى، تأمين وحدة وطنية متراصة يجب أن تكون الجبهة عنصراً أساسياً فيها، وهي غير قادرة على فعل ذلك بسبب جملة من العوامل والأسباب التي يجب كشفها والعمل على إزالتها.
ـ لعل إحدى المشاكل تكمن في عدم وجود آلية لقياس التأثير الحقيقي لأحزاب الجبهة في الشارع، هذه الآلية ضرورية كي تعرف الأحزاب وزنها لتتجاوز الخلل فيه في حال وجوده، وفي حال عدم قدرتها على تجاوز ذلك الخلل تكون قد حكمت على نفسها بنفسها.
إن نظام الانتخابات الحالي لمجلس الشعب يعتبر أكثر الأشكال تخلفاً في العالم بالمقارنة مع الأشكال الأخرى المعروفة، وقد خلقت آلية التمثيل فيه حالة من الاسترخاء عند أحزاب الجبهة الوطنية تجاه الشارع، ولم تعد تفكر بسببه بكيفية استنفار قواها بشكل دائم من أجل جذب الجماهير وزيادة مشاركتها في الحياة السياسية، مما عاد بالضرر على الأحزاب نفسها وعلى الحركة السياسية بشكل عام
لذلك فإن مهمة تطوير النظام الانتخابي الحالي ترتدي أهمية كبيرة في تنشيط العمل السياسي في البلاد وفي إيقاظ أحزاب الجبهة وإيقاف حالة التآكل التي يتعرض لها نفوذها في طول البلاد وعرضها.
فهل يعقل أن يبقى النظام الانتخابي لمشرع التشريعات هو نفسه لأكثر من خمسين عاماً، في حين تتم المطالبة بتطوير التشريعات والقوانين كمهمة ملحة اليوم.
والأرجح أن الحل الصحيح سيكمن بإيجاد حل يندمج فيه الشكل القديم بالأشكال المتطورة الجديدة (الدائرة الفردية ، القائمة النسبية) وهو بدوره سيسمح بإيجاد آلية تمثيل صحيحة وحقيقية لأحزاب الجبهة تعتمد فيه على قوتها وعلى نفسها ولا تتحول إلى عبء على أية قوة أخرى قادرة على إيصالها أو عدم إيصالها عندما تشاء إلى مجلس الشعب.
إن تطور النظام الانتخابي الحالي هو مهمة ديمقراطية كبرى ستسمح بإيجاد آلية اصطفاء طبيعية لأحزاب الجبهة، مما سيحّمل كل حزب مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه تطور الحياة السياسية في البلاد وتنشيطها.
ـ إن الأحزاب السياسية الحقيقية تستمد وزنها المادي على الأرض من نفوذها المعنوي والسياسي الذي يتكون خلال تعبيرها عن مصالح الناس الذين تمثلهم وتدافع عنهم أمام الدولة. لذلك فإن أي اندماج لهذه الأحزاب بجهاز الدولة وأية استفادة من امتيازاته يضعف مصداقية وتأثير هذه الأحزاب أمام الجماهير.
من هنا جاءت فكرة فصل جهاز الدولة عن الأحزاب من أجل أن تقوى هذه الأحزاب ويزداد بالتالي تأثيرها على جهاز الدولة لا أن يضعف، ولكن هل يمكن الحديث عن ذلك جديا ً باستمرار حصول بعض الأحزاب على بعض امتيازات جهاز الدولة؟.
إن استقلالية الأحزاب عن جهاز الدولة تعني أيضاً استقلالية هذه الأحزاب عن رواتب الدولة وسياراتها وامتيازاتها الأخرى.
وأي تمويل للأحزاب السياسية يجب أن تسن له التشريعات المناسبة التي تسمح بتمويلها عن طريق مجلس الشعب فقط حسب درجة تمثيلها الحقيقي وتأثيرها ونفوذها بين الجماهير، وأي شكل أخر سيستمر في إبقاء أساس إضعاف هذه الأحزاب أمام جماهيرها، وفي إبقاء قيادات هذه الأحزاب تحت تأثير جهاز الدولة الذي لن يكون حميداً في كل الأحوال، ويؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الدولة نفسها التي تلغي بهذه الحالة رقيبا ًمهما ًعليها.
ـ بالمحصلة فإن تطوير العمل الجبهوي يتطلب بعد صدور قانون المطبوعات الإسراع بإنجاز قانون الأحزاب، مما سيجعلها أحزاباً متساوية أمام القانون في الحقوق والواجبات، وأي دور إضافي سياسي لأي حزب سيحصل عليه من اعتراف الناس والجماهير بهذا الدور، دون أن يؤثر هذا الدور على إئتلاف الأحزاب واختلافها وعلى شرعيتها مما سيعطيها دوراً دستورياً ينعكس تلقائياً على تطوير عملها وفي تطوير الجبهة نفسها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 162