السكن حاجة ضرورية خارج إطار السوق
ننطلق في وضع نموذجنا الاقتصادي الاجتماعي من تغيير في نقطة الانطلاق، وهي هدف النموذج، أي الانتقال من اقتصاد السوق- وغايته الربح- إلى نموذج ذي نمو مدروس وسمته تنمية الإنسان باعتباره جذر النشاط الاقتصادي، وغايته، وهذا يتطلب تحويل هذه المفردات إلى برامج وأرقام ملموسة، بمحاولة جدية للابتعاد عن الشعاراتية والبرامج الفضفاضة، ويستدعي بداية تأمين وضمان تام لبعض الحاجات الأساسية والتي تعد ركائز في رفع نوعية ومستوى حياة المواطن السوري، والبحث الجدي في كيفية إخراج هذه السلع من هيمنة السوق أو من تبعيتها لآليات العرض والطلب، أي إعادة النظر بكثير من المفاهيم السوقية، والسلع الموجودة في السوق ووضع خطط ورصد موارد لعملية التأمين المذكورة.
السكن،الكهرباء، الماء، إحدى هذه الحاجات الأساسية التي يفترض أن لا يكون الحصول عليها عبئاً أساسياً من الدخل الحقيقي للمواطن السوري، لذلك وبوضع هدف تصفير تكاليفها مستقبلاً، يفترض البحث بداية في تخفيض تكاليفها، وتأمين سهولة الحصول عليها..
السكن : واقع السكن في سورية
تعداد المساكن المشغولة والخالية في سورية 4128941 ، فإذا ما اخذنا متوسط افراد الأسرة أربعة أشخاص، فإن هذه المساكن تستوعب 16 مليوناً و 515 ألف ساكن. وبحساب للفرق بين عدد سكان سورية المقدر ب 23 مليون مواطن فإن حوالي 6 ملايين و485 ألف مواطن سوري بلا مسكن، هذا الرقم على الرغم من ضخامته إلا انه يؤشر على مستوى أزمة السكن، ولتعميق مفهومه ينبغي الإشارة، إلى أن رقم المساكن لا يتضمن العشوائيات، والمنازل غير المرخصة، بينما يشمل أيضاً الجزء الكبير من المنازل الفارغة، أو غير المأهولة، ولا يقدر التفاوت في توزيع هذه المساكن على الأسر، فأسرة من أربع اشخاص، قد تملك عشرة عقارات مقابل أسرتين من ثمانية أشخاص في مسكن واحد. لذلك الرقم الإحصائي، هو وسيلة ضرورية لتقريب حجم الأزمة السكنية في سورية.
أسعار السكن
يبلغ وسطي تكلفة البناء السكني في سورية: 20000 للمتر المربع، تدخل ضمن هذه الكلفة كلفة الأرض، أي بتقدير وسطي لتكلفة بناء مسكن 100 متر مربع تبلغ 2 مليون ليرة، يختلف هذا الوسطي تبعاً للمنطقة، تبعاً لمستوى الإكساء، لتغيرات الأسعار السوق لمواد البناء، تشكل قيمة الأرض كوسطي أيضاً حوالي 40%،من هذه القيمة، والتي تبلغ في بعض المناطق دمشق كمثال حوالي 60%.
تبتعد هذه الأرقام كثيراً عن أسعار السكن، ويشكل الربح هذا الفرق بين السعر والتكلفة ، والذي يبلغ 100% في أسعار العقارات، أوأكثر.
وجود هذه الفقاعة الربحية الكبيرة، لا يتناسب مع السكن كحاجة وحق ضروري لكل مواطن، بالتالي إخراج السكن من دائرة أسعار السوق، هو مهمة أساسية لتأمينه، أهميتها تقتضي فعلاً وقراراً اقتصادياً وسياسياً تقوم به الدولة، حيث من المفترض تخفيض تكاليف السكن كخطوة أولى من خطوات تأمينه، وتقليص حصة مصروف السكن من الدخل الحقيقي.
مشروع الوحدات السكنية الكبرى
يقدر عدد زيادة المواليد بحوالي 400 ألف، فإذا اعتبرنا بناء عليه أن الحاجة السنوية هي لحوالي 200 ألف مسكن جديد، فإن تكلفة هذه المساكن وفقاً لأسعار القطاع الخاص المذكورة سابقاً، تقدر بـ 400 مليار ليرة، وهذا باستبعاد هامش الربح 100%.
كيف من الممكن تخفيض هذه التكلفة
في قطاع البناء والتشييد لدى الدولة، هامش الربح ضعيف، ويضاف إلى ذلك تكلفة هامشية لسعر الأرض. بينما يبلغ في القطاع الخاص سعر الأرض ما قيمته 40 % ، يتيح تأمين الدولة للأرض مجاناً تخفيضاً للتكاليف بالقيم التالية:
قيمة 200ألف وحدة سكنية بلا تكلفة الأرض تنخفض حتى 160 مليار
أي تنخفض كذلك قيمة المسكن (100 متر مربع ) حتى : 800 ألف ليرة.
آلية الدفع : من المفترض ألا تزيد حصة السكن من الدخل الشهري عن نسبة تتراوح بين 10-15 %.
أي من أجر مقداره 20000 ليرة تبلغ قيمة القسط حوالي 2700 ليرة. يسدد المبلغ خلال فترة زمنية تقدر بـ 25 سنة.
بهامش فوائد بسيط حوالي 3% يبلغ : 24000 يسدد خلال سنة أو أقل.
من غير الممكن القيام بهذه المشاريع إلا في إطار تخطيطها وتهيئة الموارد اللازمة، أي رصد مبلغ 160 مليار، وتامين الأرض المجانية، هو من مهمة قطاع الدولة، وهو ياتي في السياق المنطقي، لكون الدولة هي الضامن الاول للحاجات الأساسية مثل السكن وغيرها.
تاتي عملية تصحيح الخلل في الأسعار، ضمن عملية إعادة توزيع الدخل، فالسعر المتمخض عن التكلفة، هو زيادة حصة الأرباح من سعر كل سلعة، والمأخوذ من دفع الأجور لسعر هذه السلعة.
أي كل زيادة للربح هي أخذ من الأجور، ومن هنا يشكل تضخم الأسعار عملية امتصاص للدخل الحقيقي، وجوهر موارد واستمرارية تطور النموذج الاقتصادي المقترح، هو تصحيح لهذا الخلل، بالتالي فإن تخفيض تكلفة السكن هو زيادة الدخل الحقيقي، وترتكز على تخفيض السعر بشقيه: تخفيض الكلف من جهة، وهو ما تتيحه مشاريع الدولة حيث الأرض مجانية، وهامش الربح منخفض، والشق الثاني للسعر وهو تقليص الربح،والذي يوجد بشكل غير مباشر بعملية تسعير مواد البناء.
التحكم بالسعر: تخضع أغلب أسعار مواد البناء والإكساء لهيمنة سعر احتكاري، كما في الحديد على سبيل المثال، وتزيد بشكل كبير من تكلفة وأجور مواد البناء والإكساء، أما بالنسبة لمواد البناء التي تدخل الدولة كمستورد ومنتج لها، كالإسمنت، فمن المفروض البحث في التكاليف المضافة الممكن حذفها، مثل الضرائب . لذلك يقتضي الأمر عملية ممنهجة لإزاحة الأسعار لتقترب أكثر من التكلفة الحقيقية، وتتخلص من التضخم الكبير الذي تسببه علاقات السوق الاحتكارية.
إن الشرط الضروري لتحقيق هذه العملية هو إخراج السكن بسعر أرض صفر من دائرة البيع والشراء، بحيث لا يمتلك صاحبه حق بيعه أو إيجاره أو التصرف به تحت طائلة المصادرة، مما سيؤدي تباعاً إلى انخفاض كبير في أسعار السكن بمختلف أنواعه. أي إن الموضوع هو قرار سياسي - اقتصادي قبل أن يكون أي شيء آخر.