الثنائيات الوهمية ..... آفة الشرق
ما تشهده سورية من أزمة لا تكمن فقط فيما حصل في درعا 15 آذار العام الفائت - بل أن السبب الحقيقي لتفجر الأزمة يعود إلى تراكم المشاكل منذ عهد الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 وصولاً إلى إقرار الخطة الخمسية العاشرة عام 2005.
إن أهم ما يميز عهد الوحدة بين سورية ومصر هو قرار حل الأحزاب السياسية وزيادة تسلط القوى الأمنية الأمر الذي أدى إلى تناقص مستوى الحريات إلى حد كبير.
اتخذ شكل التطور السياسي في البلاد منذ أيام الوحدة مروراً بتجربة الجبهة الوطنية التقدمية، وتراجع دور الأحزاب السياسية بابتعادها عن الجماهير والتي أصبحت مع مرور الزمن عبارة عن صالونات سياسية لاعلاقة لها بقضايا الجماهير .وكذلك وقوع تلك الأحزاب بمطب الارتباط بجهاز الدولة ومكتسباته وما يجره من مفاسد بالإضافة إلى غياب الوجه المستقل للأحزاب السياسية المندمجة ضمن الجبهة فيما يتعلق بتمثيل المصالح الطبقية التي ترفع شعارات الدفاع عنها وتحولها إلى أحزاب ملحقة بالحزب الحاكم أو ما سماه الباحث جمال باروت بالحزب الواحد ونصف
ومع حلول عام 2005 بدأت حكومة الثنائي العطري والدردري ودور عرابه نبراس الفاضل الناطقين الرسميين باسم «حزب الفساد الكبير» بتدمير الاقتصاد الوطني المريض أساساً مستغلة غياب الأحزاب، وابتعاد الناس عن الأحزاب وكذلك استغلال موقع سورية الجيو سياسي الممانع تاريخياً للمخططات الامريكية الصهيونية بحجة أن أي استهداف لنهج الحكومة هو استهداف للخط الممانع لسورية ، فتمادت أكثر فأكثر مستهدفة لقمة الناس برفع الدعم عن المحروقات وعن الزراعة ، فتحول المواطن شيئاً فشيئاً إلى إنسان عاجز ومسحوق تحت أثقال حاجاته اليومية وأصبح مهمشاً ومهدداً باستمرار.
على المقلب الآخر نشأت معارضات مختلفة:
- معارضة تقليدية على شاكلة النظام متماهية معه بالعقلية الإقصائية والمتقدمة عنه بالسياسات الليبرالية وتقع على يمين النظام بالخط الوطني الممانع والذي هو خط سورية التاريخي منذ معركة ميسلون إلى الآن .
هذه المعارضة ترعرعت في أحضان الغرب وجزء كبير منها كان من الفاسدين عندما كان بالسلطة .عملت هذه المعارضة على خلق فوالق بين الناس وتقسيمها على أساس قومي وديني وطائفي مع العلم ان هذه التقسيمات ساهم النظام في ترسيخها عبر تهميش الناس وعوزها وتخلفها .
- وهناك معارضة برزت بشكل واضح في الأحداث عبر مشاركتها بالحراك الشعبي السلمي من خلال نقده وتوجيه بوصلتها الى الاتجاه الصحيح وكذلك عبر طرح برنامج متكامل سياسي اقتصادي اجتماعي ،فعملوا على معرفة أسباب الأزمة للتأثير عليها من أجل تجاوزها ، وكذلك الحكم عليها بأن هذه الأزمة هي أزمة عميقة جوهرها اقتصادي اجتماعي سياسي وتجلت بما حصل من تشوهات على الأرض من أفعال وردود أفعال.
عملت هذه المعارضة على نقد السابق الخاطىء والذي سبب الأزمة وفي الوقت نفسه عملوا على توطيد ما هو ايجابي من الشيء القديم والتي كسبته سورية تاريخياً عبر موقعها الجيو-سياسي المعادي للمخططات الامبيرالية، وكذلك استندت على النقد البناء والذي يعتبر مقدمة للإنتقال إلى الأحسن والأكمل ويكون بمثابة مصدر للتقدم على عكس المعارضات الأخرى والتي يقودها سلوكها الى الربية والشك المطلق في كل شيء.
هذه المعارضة كانت دائماً قبل الأزمة وأثناءها تحاكم الواقع انطلاقاً من عدة أمور:
- إن الوقائع أشياء عنيدة ولا يصح إلا الصحيح واننا محكومون بالأمل وما يحصل لنا لا يعني نهاية التاريخ
- وإن المحروم لا يمكن أن ينسى حرمانه والتغيير الحقيقي يبدأ بالقضاء على الفساد الكبير
- وإن الفقر ينشأ بسبب تراكم الثروة بيد البعض فما اغتنى غني إلّا بفقر فقير
- وإن السبب العميق لبعض التشوهات التي حصلت في الحراك الشعبي تعود إلى استغلال الناس وعوزها وبؤسها وتهميشها.وذلك لاينفي وجود أعمال تخريبية منظمة يجب لجمها والتعاطي معها وفق الظرف الملموس دون تعميم ذلك على كل الحراك.
وأخيرا وبعد مرور سنة على تفجر الأزمة ، سيدرك غالبية الشعب السوري المتضرر من الفساد الكبير الداخلي منه والخارجي أن عدوه الأوحد هم الفاسدون الكبار انطلاقاً من سورية ومن يدعمهم في تركيا وقطر والسعودية وانتهاءً بأمريكا وفرنسا وبريطانيا .
فكما أن آفة الشرق هي الثنائيات الوهمية فإن آفة الرأسمالية المحلية والعالمية هي الثنائيات الحقيقية.