أفت أفندم.. (نعم سيدي)
يبدو أن المشروع الأمريكي - الأطلسي بشأن سورية تحول إلى تحريك حرب عصابات داخل سورية، أو هو من الأساس كذلك، والأدوات هي على الصعيد الخارجي الإدارة التركية المرتبطة بالأطلسي والأدوات «الشقيقة» السعودية بالدرجة الأولى والأردنية وغيرهما. هذا مع محاصرة سورية دولياً، كما هو حاصل:
(مجلس الأمن، محكمة الجنايات الدولية، منظمات حقوق الإنسان التي لم تتحرك ضد الجرائم الأمريكية في العراق وأفغانستان وغيرهما، مع أن الدمار هائل، ومفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المرتبطة بالإدارة الأمريكية، إلخ).. أما على الصعيد الداخلي، فالإدارة هي في كل مكان، في لبنان وفي سورية وفي مدغشكر فإنها الطائفية التي أصبحت تحت الطلب الأمريكي، والفواتير مدفوعة والحمد لله من الأشقاء الخليجيين، ولاسيما الإدارة السعودية الفائقة الكرم، سواء في أفغانستان أم في الفيلبين، أو الصين، أو الشيشان، إلخ.. أما «المعارضة» غير الطائفية، فلا تملك في الداخل السوري أي رصيد عملياً، وهي إما واقعة في الفخ، تريد إسقاط النظام، ولو عن طريق الإدارة الأمريكية، أو مرتبطة بالمشروع الأمريكي.
طبعاً المشروع الأمريكي ـ الأطلسي جهنمي، وخصوصاً، إذا أخذ في الاعتبار هشاشة سورية الاقتصادية والاجتماعية.
فعلى الصعيد الاقتصادي لم يجر التخريب بالفساد وحده، الذي هو سبب كل المشكلة، وإنما بتسليم المالية والاقتصاد لعقود طويلة، إما لأميين اقتصادياً ومالياً، وإما لمرتبطين بالمشروع الخارجي. وعلى الصعيد الاجتماعي، تجري تغذية الطائفية لعقود بالأموال الخليجية، وعبر سياسة النظام باسترضاء الطائفية، أولاً لأنها تجلب القروض من الخارج، وثانياً للظن الخاطئ بأنها ورقة تأييد داخلية تنسي الناس همومهم المعاشية والحياتية. لقد ظن النظام أنه يحبس الطائفية في قمقم ويحركها لمصلحة، دون أن يعرف أن من يحرك الطائفية هو غيره، وليس هو.
قد تكون في يد النظام ورقتان للدفاع عن نفسه، الأولى هي الورقة الأمنية، وهي كافية على الأغلب ضد تحرك العصابات ولكن بكلفة باهظة جداً، والثانية هي أن النظام قد يستطيع ولو بشكل ضعيف، تحريك العصابات بالمقابل لدى الغير، وهذا قد يؤدي بشكل أو بآخر للحرب.
الحرب غير مستبعدة على كل حال، ولكن المشروع الأمريكي ـ الأطلسي يريد استنزاف البلد أولاً، ثم يقطف بسهولة نتيجة ذلك، إن على يد تركيا أو على يد إسرائيل، وربما على يد الأخيرة، لأن إسرائيل تريد إنهاك تركيا أيضاً، وما تريده إسرائيل، تريده الإدارة الأمريكية.
أيا تكن الإصلاحات في سورية، فلن ترضي لا القوى الطائفية، ولا الإدارة الأمريكية، فالثعلب يريد رأس الدجاجة لا غناءها.
ومن جهة أخرى، الشعب يريد الخبز قبل أية إصلاحات، وإذا لم يتوفر لديه الخبز، يأخذه من أي مصدر آخر، خليجي، أمريكي، لا فرق والحال واحد على كل.
طبعاً لن يحصل الشعب على الخبز إذا ما حدث احتلال، ولا على «ديمقراطية». سيحصل على تمزيق البلد، وعلى إعادته إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، صورة العراق الماثلة أمامنا هي أفضل بكثير، لأن الإدارة الأمريكية لم تغرز فيه كل سمومها بعد، بسبب أن مشروعها إقليمي، وليس خاصاً بالعراق فقط.
لكن ذلك لا يفهمه العاملون في المشروع الأمريكي ـ الأطلسي، فقد دخلوا المستنقع، ولا يستطيعون الخروج منه.
أيضاً النظام قد لا يستطيع تغيير جلده، وهنا الكارثة. الآن سورية بحاجة إلى تعبئة شعبية حقيقية، لا دعائية، تعبئة تقاوم ما سيأتي، وما يحاك ضد البلد، وضد المنطقة ككل، ولكن أين ذلك؟ هل يستطيع النظام الانتقال إلى حكم دستوري، بإقامة حكومة كفوءة ذات برنامج، وذات صلاحية، وخاضعة للمساءلة، سواء في مجلس الشعب أم أمام القضاء؟
هل كان لدى الحكومات التي شكلت برامج؟ وما هي؟ الحكومة التي من دون برنامج، ولا تخضع للمساءلة، هي لا علاقة لها بالقانون ولا بأي مضامين اجتماعية أو وطنية، وفي الوقت نفسه يخضع أعضاؤها لأي عنصر مخابرات.
ربما الأوضاع في العالم الثالث بوجه خاص متشابهة، ولكن سورية تقع تحت ضغط المشروع الأمريكي ـ الأطلسي.
البلد بحاجة للإنقاذ، ومع الأسف ليست هناك المرتكزات التي تساعد على الإنقاذ.
الحس الوطني قد يغير مجرى الأمور.. نتمنى