هيفاء الرشيد هيفاء الرشيد

بركان الحركات الشعبية العربية

كيف جاءت هذه اللحظات التاريخية التي نعيشها، وهذه الرغبة الجامحة في التغيير، وبهذه الصورة المفاجئة والمتسارعة بلداً تلو الآخر، وبإصرار شديد لا يقبل اندحاراً ولا يقبل تراجعاً؟؟

يفسر الكثيرون الأمر بأن الشعوب ما عادت تحتمل الظلم، وبأنها أسقطت عنها حاجز الخوف؟!.. بداية علينا أن ندرك أن التحركات الشعبية ما كان لها أن تبدأ لولا أنه قد تراكم قدر كبير من العنف والفساد والاستهتار بكرامة المواطن، ومن العجز الاقتصادي  والفقر و التفاوت الطبقي الكبير بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء المسحوقة التي زادت رقعتها.. كل هذه التراكمات الكمية أدت عند وصولها إلى ذروتها إلى تغيرات نوعية في حركة الصراع الداخلي المستمر على مدى سنوات، ذلك الصراع الذي وإن كان مستتراً وغير معلن في كثير من الأحيان، إلا أنه كان قائماً طوال الوقت ويتمظهر في أشكال مختلفة، من صراعات داخلية على التغييرات الإدارية والتي تبدو شكلية إلى الصراع على التغييرات الاقتصادية. ولم يعدم هذا الصراع تأثير قوى الخارج عليه والتي ما انفكت تحاول سوق التغييرات الداخلية بما يخدم مصالحها. هنا تبرز أهمية توجيه الصراع الداخلي لكل بلد باتجاه التطوير وليس التراجع للخلف، حيث يتركز دور القوى السياسية الوطنية النزيهة والشريفة  ومستوى وعيها، في هذا البلد أو ذاك، في حفاظها على الوحدة الوطنية وتوجيهها التغيير ليصب في مصلحة الشعب، وليس في مصلحة الغربي الذي يسعى إلى تنفيذ مؤامرته على شعوب المنطقة، مستعيناً بعملائه الداخليين الموجودين داخل وخارج جهاز الدولة..

إن الطريقة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية وحركة الشارع، والتي تحدد هدفها العملي لا بتطويق المسلحين كما هو المفروض، بل بأخذ الصالح مع الطالح وتطويق الحركة الاحتجاجية ومحاولة إخمادها، إن هذه الطريقة تشارك فعليا في تمرير المؤامرة التي تحاك ضد البلدان العربية، ولنا في النموذج الليبي عبرة.. فالسلاح لا يمكن أن يودي بالبلد إلا إلى التهلكة..

بالمقابل فإن إصرار الحركة الشعبية على الذهاب نحو الحد الأقصى دون حساب واقعي للقوى وتوازنها، وتعامي جزء منها عن أهمية تكريس المهام الجامعة للشعوب المتمثلة أساساً في محاربة الفساد وفي مواجهة العدو الخارجي، والاكتفاء بالتحشيد ومحاولات الزيادة العددية دون النوعية.. كل ذلك يجعل الثغرات في صفوف الحركة الشعبية كبيرة وقابلة لمرور المؤامرة الخارجية المحمولة من خلال الشحن الإعلامي العاطفي الخارجي، والتجييش ذي الطابع الطائفي والمناطقي أحياناً، إضافة إلى التدخلات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية..

إن الواقع الموضوعي للدول العربية وضعف الوعي المجتمعي وإرهاصات الطائفية، والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، والتبعية السياسية التي رسختها دول التحالف الأطلسي، كل هذه العوامل وغيرها تؤكد على أن الحل لا يكون بإسقاط النظم العربية الحالية بهذا التغيير المفاجئ من حالة الركود إلى حالة  البركان، والأمر أشبه تماما بالبركان الحقيقي الذي يحرق بطريقة الأخضر واليابس.. نحن بحاجة إلى حالة «بركانية» خاصة ومستمرة، تهدد استمرار الأنظمة الفاسدة، فتنثر غبارها بين الحين والآخر معطلةً لامبالاة الأنظمة العربية بشعوبها ..والمقصود بهذا البركان  الذي نحن بحاجه  له، هو توحيد  صف المعارضة الوطنية والمنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعطي الإمكانية والبديل لخروج البلاد من الأزمة. 

على الشباب الثائر الذي يخرج إلى الشارع العربي متظاهراً وداعياً إلى إسقاط النظام في ظل تعنت الأنظمة الحاكمة وتمسكها بالحل الأمني، أن يدرك أن الحل لن يكون بالاعتماد على العنف المضاد ومزيد من زعزعة الأمن والاستقرار،  وإعطاء النظام الحاكم الفرصة والمبرر للقضاء على هذه التحركات المحقة بحجة الدفاع عن أمن البلد،  فعلى الرغم ممن سقط له هنا وهناك أرواح بريئة بسبب هذه التحركات، ووجود رغبة بالثأر،  وعلى الرغم من صعوبة الموقف وخطورة المرحلة والرغبة الجامحة المحقة بتحقيق المطالب.. إلا أن الحل الوحيد هو باعتماد مبدأ الحراك الشعبي المنظم  المرحلي.. حيث يغدو كل من النظام والحركة الشعبية العربية مجبرين في كل بلد على ضرورة الحوار الديمقراطي الحقيقي الذي يحترم كل طرف فيه رأي الآخر وحقه في التعبير عن ذاته، ومنحه الفرصة لإثبات أحقية قراراته في ظل وحدة ووطنية مناهضة للامبريالية والصهيونية.. وبهذا تكون المؤامرة التي  تحاك هنا وهناك ضرب من ضروب اللعب خارج دائرة الزمن.. هذا الزمن الذي يفرضه وعي الناس الأحرار، واحترامهم لما تم انجازه خلال السنوات الماضية من تطوير للبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،  فما يحصل حالياً هو ما يسعى إليه الغرب، وهو تفتيت البنية السياسية والاقتصادية وتكريس الطائفية وخصوصا للبلدان  التي تشكل خطراً على المشروع الصهيوني..