المظاهرات تحتاج إلى ترخيص.. لكنها تحتاج إلى إنذار أيضاً!
يهدف قانون التظاهر السلمي الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /54/ كما نص في مادته الثانية إلى:
أ- تنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين بوصفه حقاً من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها دستور الجمهورية العربية السورية.
وقد ألزم القانون المذكور الراغبين بتنظيم مظاهرة بالحصول على ترخيص من السلطة التنفيذية، فارضاً عليهم بضعة شروط والتزامات.
واعتبر المشرع أن المتظاهرين المخالفين لشروط هذا القانون يعرضون أنفسهم للعقوبات المنصوص عليها قانوناً، حيث نصت المادة العاشرة من هذا المرسوم على أنه:
تعد التجمعات التي تنظم خلافاً لأحكام هذا المرسوم التشريعي من قبيل تظاهرات وتجمعات الشغب المنصوص عليها في المواد 335-336-337-338-339 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949م.
وبالعودة للمواد المذكورة في قانون العقوبات والتي تحدثت عن التجمعات وأعمال الشغب، نقتنص منها المادة /337/ قانون عقوبات عام لنلاحظ أنها:
أولاً - ألزمت رجال السلطة الإدارية من شرطة وأمن بإنذار المتظاهرين الذين لم يحصلوا على الترخيص اللازم بالتفرق والابتعاد.
ثانياً - أعفت المستجيبين لإنذار السلطة من العقوبة .
ثالثاً - فرقت بين التظاهرات السلمية وتجمعات الشغب التي قد يحمل فيها السلاح، حيث نصت:
1 ـ إذا تجمع الناس على هذه الصورة أنذرهم بالتفرق أحد ممثلي السلطة الإدارية أو ضابط من الضابطة العدلية.
2 ـ يعفى من العقوبة المفروضة آنفاً الذين ينصرفون قبل إنذار السلطة أو يمتثلون في الحال لإنذارها دون أن يستعملوا أسلحتهم أو يرتكبوا أية جنحة أخرى.
هذا ما نص عليه القانون، في حين ما ينص عليه رجال السلطة والأمن مختلف تماماً.
فالإنذار الذي يطلقونه عند مواجهة أية مظاهرة هو العصي التي تنهمر كالبرَد على رؤوس المتظاهرين، أو هي الغازات المسيلة للدموع التي أصابت الكثيرين في مقتل، وبات البعض يشك بما تحتويه من نوعية رديئة أو سامة من الغازات.
ويكون الإنذار أحيانا عبارة عن رشقات من الرصاص، يطلقها رجال الأمن تحذيراً، والتي قد تجد طريقها إلى السماء أو تخطئها، فتنفذ إلى رأس متظاهر أو صدر رجل وجد نفسه عرضاً ضمن مظاهرة!
وبعد الإنذار اللاقانوني الذي يطلقه الأمن حيث تواجدوا، يبدأ بعض المتظاهرين بالتفرق، والتوجه إلى بيوتهم، لكن رجال الأمن يأبون عليهم إلا العقاب سريعاً من ضربة بهراوة أو عصاً كهربائية ليذوق وبال أمره، أو بطيئاً من تفنن بإهانته واعتقاله أو سوقه إلى مثواه الأخير!
إنْ نص القانون على أن يعفى المتفرقون بعد الإنذار من العقوبة، فكيف يجرؤ رجال الأمن على مخالفة إرادة المشرع، فيصرون على عقوبة من منع القانون عنهم العقوبة، فيعتقلون من وصلت إليه أيديهم وأرجلهم، ليدكوه في سياراتهم كما تدك النعاج!.
ليس ذلك فحسب، بل وصلت مخالفة رجال الأمن للقانون مبلغاً عجيباً، باعتقال ومحاولة إرهاب المارين قرب المظاهرة أو المسجد الذي يـُتوقع خروجه بمظاهرة!.
كل ذلك يحيله مسؤولون في السلطة وقادتها إلى أخطاء فردية، وعدم اعتياد رجال الأمن على التعامل مع مثل هذه الحالات، أو جهلهم بالقانون وإجراءاته، أو اضطرابهم أمام الأعداد الكبيرة والانتشار الواسع للمظاهرات التي أنهكت أجهزة الأمن، ودعتهم للاستعانة بالشبيحة، أولئك الذين لا يفقهون بالقانون إلا أنهم قد حـُوكموا في ظله مرة على الأقل!.
لكن الجهل بالقانون والاضطراب والتجاوزات التي يرتكبها رجال الأمن، يلاحظ أنها تظهر فقط في مواجهة المظاهرات المعارضة، في حين يتم الالتزام الكامل بالقانون وتجاوزه أحياناً لمصلحة أية مظاهرة مؤيدة!.
يفرض البعض علينا عتاباً في أننا نلتمس تطبيق القانون في وقت يرى فيه الكثيرون أن السائد هو غياب القانون، وعودة سطوة الأمن وسيطرته بقانونهم الخاص ونصوصه، وهي وليدة ساعتها، لا تحتاج إلى محاكم وقضاة، بل رجل الأمن هو مشرعها ومنفذها وقاضيها.
إلا إننا كرجال قانون لابد لنا أن نثبت أننا مازلنا نسعى جهدنا وبكل ما أوتينا، لعودة القانون وهيبته، وفرض سطوته، ومحاسبته لكل من خرقه يوماً، ولكل من تجاوزه يوماً، مهما كانت صفته أو علا شأنه..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.