الرفيق د. قدري جميل لـ«شام fm»: مشروع قانون الانتخابات ينسف الخروج الآمن من الأزمة
أجرت إذاعة «شام fm» لقاء مطولاً مع الرفيق د. قدري جميل يوم السبت 30/7/2011، وحاورته في قضايا مختلفة، أبرزها قانونا الانتخابات والأحزاب اللذان تم إقرارهما مؤخراً.. ونظراً لأهمية ما ورد في اللقاء نفرد له هذا الحيّز..
أقر مجلس الوزراء مشروع قانون الأحزاب المفترض أن يغني الحياة السياسية وينشطها ويوسع من دائرة المشاركة في تداول السلطة وغير ذلك، أنتم كشيوعيين ما ملاحظاتكم على المشروع؟
نحن في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين أيدنا من حيث المبدأ مشروع قانون الأحزاب، وليس فقط في اللجنة الوطنية وإنما أيضاً في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير التي أعلن عنها في التاسع من تموز قبيل اللقاء التشاوري بيوم واحد، وتضم هذه الجبهة تنظيمنا إلى جانب الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة د. علي حيدر ومجموعة من الشخصيات وما زالت مفتوحة. المهم أننا أيدنا قانون الأحزاب لأنه عملياً تضمن الفكرة الأساسية التي كنا نعمل لأجلها وهي ضرورة تأسيس أحزاب على أساس وطني شامل، ففي الظروف الحالية هذا أمر مهم للسوريين؛ أولاً لأن قانوناً كهذا يضع الأساس للعمل على تعميق وتثبيت مفهوم المواطنة، وثانياً أنه في ظروف الفوضى الخلاقة التي يعمل عليها أعداؤنا من كل حدب وصوب لابد من هذا القانون لأن أي قانون آخر سيعيدنا إلى مرحلة مكونات ما قبل الدولة الوطنية (العراق نموذجاً)، حيث تتكون الأحزاب على أساس طائفي وديني وقومي وبالتالي يجري تفتيت البلد ولا تنشأ حياة سياسية حقيقية، أي إن الصراع لا يجري بين آراء وأفكار حينذاك وإنما بين تكتلات عرقية طائفية، وهذا خطير جداً من زاوية أن الأمريكيين بفوضاهم الخلاقة يريدون أن يدخلوا كل المنطقة من قزوين إلى المتوسط بحالة صراع داخلي مميت لفترة طويلة بين المكونات القديمة لشعوب هذه المنطقة التي كانت متحدة ومتآلفة ومتآخية خلال آلاف السنين، لأن الأمريكيين يتبعون كالعادة سياسة فرق تسد للسيطرة على الثروات والمنطقة بالمعنى الجغرافي السياسي.
هل يمثل منع تكون أحزاب على أساس عرقي وطائفي وديني في سورية، ضامناً حقيقياً لمواجهة المخططات الأمريكية؟
هذا أحد الضمانات، ولكنه لا يكفي وحده.
ما الضمانات الأخرى؟
يجب أن نلاحظ قبل أن نحدد الضمانات الأخرى أن قانون الأحزاب هو أساس قانوني فقط لا غير، وما بين القانون والواقع هناك مساحة كما هو معروف.
أي يمكن أن تتأسس أحزاب على أساس ديني وغيره؟
طبعاً، ولذلك أدعو إلى مناقشة قانون الانتخابات بشكل مواز لقانون الأحزاب لأن الضامن لقانون الأحزاب أن يبقى كذلك هو قانون الانتخابات المرافق له، أي مثلاً إذا اعتبرنا قانون الأحزاب هو القرص الصلب في الحاسوب فإن قانون الأحزاب هو برنامج التشغيل، وبالتالي إذا لم يكن برنامج التشغيل متوافقاً مع القرص الصلب فإن هذا القرص لن يفيد.
في حال لم يكن قانون الانتخابات متوافقاً مع قانون الأحزاب فإن هذا الأخير لن يعمل حتى لو كان بناؤه صحيّحاً، حيث تصبح قيمة قانون الأحزاب صفراً، وذلك لأننا نتحدث عن قانون أحزاب وطني شامل، ولكن إذا قمنا بانتخابات على أساس دوائر فردية فبالظرف الملموس الحالي هذا سيقوي الاتجاهات النابذة في تكوين الدولة الوطنية على أساس طائفي، بينما المطلوب هو العكس.
المطلوب قانون يعتمد النسبية
هل توافق على أن تكون كل محافظة دائرة؟
لا، هذا بالذات هو ما لا أوافق عليه، لأنه من حيث المبدأ هناك ثلاثة أشكال لقوانين الانتخابات؛ الأول هو شكل الدائرة الذي نعمل وفقه في سورية منذ الاستقلال وهي المحافظة، وهناك الدائرة الفردية التي تفضي إلى ممثل واحد، وهناك شكل يفضي إلى اعتبار البلاد كلها دائرة واحدة بما يسمح بإجراء الانتخابات على أساس نسبي.
ومشكلة الدائرة/ المحافظة هي أن النظام المتبع فيها هو نظام الأكثرية، أي مثلاً دمشق فيها حوالي40 ممثلاً ينتخبون لمجلس الشعب، يرشح مثلاً للتمثيل 400، أي ستتوزع أصوات الناخبين على الـ400، وبهذا فإن الـ40 الذين يحصدون أكثرية نسبية في الانتخابات قد ينجحون بـ%20 فقط من الأصوات، وبالتالي إن %80 من الناخبين الذين صوتوا للـ360 مرشح المتبقين أصبح وزن أصواتهم صفراً، وبالتالي هذا النظام ليس فيه عدالة بالتمثيل، فمن الممكن أن ينتخب شخص بنسبة %10 من الأصوات ويليه آخر بنسبة %9، وهذا نتيجة كثرة المرشحين وتبعثر الأصوات.
لم تؤخذ هذه النقطة بعين الاعتبار؟
يبدو أن المشرع الذي وضع مشروع قانون الانتخابات لا ينوي أخذها بعين الاعتبار، فهذا القانون صار عمره 65 سنةً، ولم يتغير في الجوهر وإنما تغير في الشكل خلال هذه الفترة، والمشكلة الأخرى في هذا القانون هي أن الذين تكيفوا معه وسخروه لخدمتهم هم جهتان فقط لا غير: جهاز الدولة الذي تدعى السلطة التشريعية لمراقبته، فنتيجة تعقيد هذا النظام الانتخابي أصبح لديه إمكانية تطبيق المرشحين على هواه، فيحضر مرشحين يرضى عنهم هو كجهاز للدولة وليس كمجتمع وذلك بهدف التقليل من انتقاد السلطة التشريعية لجهاز الدولة؛ والجهة الثانية هي مالكو الثروات الذين يستطيعون توظيف موظفين لتغطية المراكز الكثيرة. أما المرشح العادي الكفء الفقير والذي ليس له إمكانيات مادية كافية يفقد حظه في الوصول إلى الكرسي في مجلس الشعب ليمثل المجتمع.
أما أضرار هذا القانون القديم فهي أنه كان أحد الأسباب الأساسية للوضع الذي تعيشه البلاد من احتجاجات مختلفة واستياء متراكم، فهذا سببه أن القناة التي كان يفترض بها أن تنقل المطالب والهموم الاجتماعية والمتمثلة بمجلس الشعب، كانت مغلقة، وذلك لأن الممثلين في مجلس الشعب ليسوا ممثلين حقيقيين للشعب.
إن قانون الانتخابات الحقيقي المطلوب في الوضع الحالي هو أحد ثلاثة احتمالات؛ الأول الذي نعمل وفقه منذ الاستقلال، الثاني هو الدائرة الفردية وهو سيئ في الظروف السورية الخاصة، يبقى الاحتمال الثالث وهو أن تكون سورية دائرة واحدة والانتخابات نسبية.
أما معنى سورية الدائرة الواحدة فهذا يعني أن الذي يصوت في السويداء أو في القامشلي للقائمة رقم واحد مثلاً تحسب أصواتهم معاً، وبذلك تأخذ القائمة نسبة من الأصوات بمجموع سورية تصل بالاستناد إليها إلى عدد محدد من المقاعد في مجلس الشعب، وبالتالي لن يظلم أحد في هذا الوضع.
انتخابات على أساس البرامج
لكن الناخب قد لا يعرف المرشح من المحافظة البعيدة؟
ليس من الضروري أن يعرف الناخب المرشح، بل من الضروري أن يعرف البرنامج الذي يترشح على أساسه هذا المرشح.. نحن تعودنا على نسق معين من الانتخابات فصار التنافس لدينا لا علاقة له بالبرامج والأفكار وإنما صار يتصل بالصورة والاسم بلا أي محتوى، وهذا شوه العملية الانتخابية وعطل الحياة السياسية التي تعني برامج، فمثلاً هناك فقر يشمل نحو %40 من السكان في سورية وهناك حزب أو قائمة تخوض الانتخابات بتعهد أنه في حال تم انتخابها من الشعب ستعمل القائمة أو الحزب على تخفيض الفقر إلى حدود %20 خلال سقف زمني محدد، فإذا تم تنفيذ التعهد يحظى الحزب أو القائمة بالثقة وينجح في الدورة الانتخابية اللاحقة، وفي حال عدم التنفيذ تفقد المصداقية ويخسر الحزب أو القائمة فرصة تصويت الناس له مرة أخرى.
إن قانون انتخابات مثل هذا يدفع المواطن إلى عدم الاستماع لأي كان من أولئك الذين يحاولون شراء صوته، فالمواطن لن يبيع صوته بمبلغ زهيد في حين أن هناك مستقبلاً قد يضمنه بالتصويت لهذه القائمة أو تلك.. هذا اسمه تنشيط للحياة السياسية، ولذلك دون تنشيط الحياة السياسية عبر قانون الانتخابات فمن المستحيل أن يصبح لقانون الأحزاب معنى، فبالنهاية كل عشرة أشخاص قد يشكلون حزباً، فعشرة أشخاص لديهم حاسوب ومكتب ومنظومة علاقات عامة يستطيعون تأمين ألف شخص ويعلنون تشكيل حزب، ولكن إعلان تشكيل الحزب أمر واستمرار هذا الحزب أمر آخر، فاستمراريته هي ضمان تمثيله الحقيقي للشعب في مجلس الشعب، وهذا لن يتم إلاّ بقانون انتخابات مغاير للذي أقر مشروعه مؤخراً، فهذا القانون ينسف عملياً كل الوعود بالإصلاح الشامل الجذري.
هذا موقفك الشخصي أم موقف اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين أم أنه موقف الشيوعيين السوريين كلهم؟
أنا لست مخولاً للحديث باسم كل الشيوعيين، أنا مخول للحديث باسم اللجنة الوطنية التي أقرت في اجتماعها الوطني التاسع منذ عام، في وثيقتها البرنامجية، أقرت هذا المبدأ وأقرت النضال والعمل باتجاهه، فهذا الهدف ليس طارئاً وليس جديداً فهو هدف وضعناه قبل أن تبدأ الأزمة بتسعة شهور، وهو أن تنشيط الحياة السياسية في البلاد في حال صدر قانون للأحزاب لا يمكن أن يتم إلاّ بقانون انتخابات نسبي شامل في سورية.
بلا تزوير أو هيمنة!
كم هذا الكلام قابل للتطبيق في سورية بغض النظر عن الأزمة؟
فوراً وبسهولة، فالبعض عندما نتحدث بهذا الخصوص يقول: ليس هناك أحزاب بعد!.. ولكن من قال إن القوائم يجب أن تتشكل على أساس أحزاب؟ القوائم قد تتشكل على أساس ائتلاف شخصيات أحياناً، أو على أساس ائتلافات انتخابية مؤقتة تحمل برنامجاً، وقد تتشكل عدة قوائم من حزب واحد، أو قد تتشكل قوائم من ائتلاف عدة أحزاب، وقد تتشكل قوائم دون أي حزب وراءها وإنما من مئة شخصية معروفة على نطاق البلاد مثلاً، ولكن الناس عندها ستكون مع هذا أو ذاك ليس على سواد عينيه، وإنما على أساس ما يعدهم به، وهذا الموضوع لا يمكن حله بضربة واحدة، فهذه تجربة يجب مراكمتها ليتعلم الناس منها.
هل هناك ضمانات أن ينفذ هذا الأمر بهذه الطريقة، أي إذا أصبحت سورية دائرة انتخابية واحدة ألا يمكن التلاعب وشبه التعيين؟
هذه القانون بحد ذاته سيكون قانوناً ذكياً، والتلاعب أو شبه التعيين سيصبح أمراً صعباً، فهناك أمران إضافيان يجب العمل عليهما بالتوازي، يجب ألاّ يسمح بأن يكون في المحافظة الواحدة أكثر من 100 مركز انتخابي وهذا يكفي، بحيث يتم ضمان نزاهة عملية عد الأصوات، ف1000 مركز انتخابي في المحافظة الواحدة لا يضمن نزاهة عملية عد الأصوات أما 100 مركز فهذا يسهّل الموضوع ويضمن الإحاطة بجميع المراكز ويضمن سير العملية الانتخابية بشكل سليم وصحيح دون تلاعب أو تزوير.
هل ترى أنه من الأفضل تحويل مشروع قانون الانتخابات إلى مجلس الشعب لدراسته وإجراء التعديلات عليه؟
اجتماع مجلس الشعب هو قضية قانونية شكلية ليس هي المهمة، المهم اليوم هو إعادة النظر بمشروع قانون الانتخابات بأسرع وقت ممكن وإلاّ فأقول وأؤكد: إن ثقة الناس والشارع وثقتنا نحن في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين حول جدية الإصلاح والسير به سيوضع عليها إشارة استفهام كبيرة، لأن الذي سيقوم بالإصلاح لا يذهب إلى قانون انتخابات مثل هذا ليترك الأمور في مكانها، فهذا سيحول قانون الأحزاب إلى قانون شكلي لا رائحة له ولا طعم ولا حتى لون.
لماذا برأيك خرج هذا المشروع بهذا الشكل؟
لأن هناك أحداً في جهاز الدولة مرعوباً من الإصلاح، وهذه القصة لم يكن عليها إضاءات في الفترة الماضية وكانت نقطة ضعف من حيث المعالجة ولم يجر العمل عليها بشكل كاف، ونحن الوحيدون ربما الذين تحدثوا بهذا الموضوع، ولكن لم تؤخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار، وبغض النظر إن كان هناك ملاحظات أم لم يكن، على المشرع أن يبحث مصلحة الدولة السورية والشعب السوري ومستقبل سورية، وليس لديه مخرج غير الذهاب إلى قانون انتخابات تعتبر فيه سورية دائرة واحدة على أساس نسبي.
قانون الانتخابات الحالي هو الذي خرب بيتنا.
البحث عن المخرج الآمن
ما وجهة نظر الذين وضعوا قانون الانتخابات، وما تبريرهم؟
هناك رأي ساذج جداً طرحوه، فقالوا: ليس هناك أحزاب بعد، فكيف سنصدر قانون انتخابات على أساس نسبي؟ لقد وضعونا في وضع كمن يسأل أيهما أولاً البيضة أم الدجاجة؟ وأنا أقول إنه لن تشكل أحزاب ضمن هذا القانون حتى ولو بعد مئة عام! يجب أن يكون هناك قانون انتخابات ديمقراطي تعددي ويسمح بتطوير الحياة السياسية على أساس سوري شامل لكي يصبح لدينا أحزاب، فالأحزاب لا تخلق بين يوم وليلة وإنما تحتاج إلى التفاعل مع المجتمع، وبذلك فإنها تحتاج إلى فترة تكون، ففي الانتخابات الأولى قد لا تكون كل القوائم هي قوائم أحزاب وإنما قد تكون قوائم أناس وشخصيات تمثل المجتمع السوري من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه، فمثلاً إذا اجتمعت مئة شخصية سورية من طول البلاد وعرضها واتفقت هذه الشخصيات على برنامج وقررت خوض الانتخابات بقائمة واحدة فهؤلاء لهم الحق بذلك.
إن النظام الانتخابي الحالي خاطئ، وقد أضر كثيراً بالبلاد، والإبقاء عليه سيكون أكثر ضرراً، نحن نبحث اليوم عن مخرج آمن من الأزمة التي تعيشها البلاد، وهذا المخرج هو مخرج سياسي واجتماعي واقتصادي.
هل حسم الأمر برأيك، أم أن هناك إمكانية لاستدراكه وتعديل قانون الانتخابات؟
هذا السؤال يجب أن يوجه للجنة إعداد القانون وللحكومة، وأنا هنا أقوم بما عليّ، وأعبر عن رأيي حتى آخر لحظة، أما المسؤولية الكاملة في هذا القانون وأضراره اللاحقة التي ستمس الحياة السياسية والبلاد والمخرج الآمن من الأزمة، هم يتحملونها كاملةً، لأن القانون الذي خرجوا به يفجر كل عملية الإصلاح المطلوبة.
بالعودة إلى قانون الأحزاب، هل ستتقدمون لتشكيل حزب للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين؟
عندما يصدر القانون نحن مضطرون لعقد مؤتمرنا، وللعلم نحن لدينا مؤتمر دائم وقد شارك في التحضير للمؤتمر التاسع عشرة آلاف ناشط ومؤيد للشيوعيين السوريين وانتخبوا 330 مندوباً هؤلاء صلاحيتهم مستمرة لمدة عامين، بإمكاننا جمعهم بأية لحظة لنطلب رأيهم بكيفية التسجيل وكيفية التعامل مع قانون الأحزاب، لذلك فإن هذه الفكرة مطروحة لدينا وعندما يقر قانون الأحزاب، وفي الأيام القليلة التي ستلي إقراره وتحوله إلى قانون، سنجتمع ونقرر ونقدم أوراقنا بالشكل الذي يقرره الوضع، وهنا أتكلم بلسان اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.
نريد حزباً يعود إلى الجماهير
هل هناك فكرة لإعادة توحيد صفوف الشيوعيين جميعهم؟
أرى أن الفرصة مناسبة حالياً لذلك، وهذا إذا كان لدى الفصائل الأخرى رغبة بذلك.
هل تريدون أنتم ذلك؟
دائماً أردنا ذلك، ولكن مع الأسف الشديد رغبتنا أمر والواقع أمر آخر.
ما الواقع؟
لا أريد على الهواء مباشرةً أن أتطرق إلى المشكلات، ولكن باختصار يمكن القول إن هناك أحياناً عقلية فصائلية لدى بعض الفصائل التي تعتبر نفسها الممثل الشرعي والوحيد للحركة الشيوعية وكل ما هو خارجها ليس شيوعياً بل هو عدو للشيوعيين، وهذا اسمه احتكار الحقيقة، وهؤلاء يصعب الحوار معهم كما بينت التجربة، وهناك البعض الآخر نتحاور معهم وهناك بعض الصعوبات في الحوار ناتجة عن الآليات والأشكال التي سيتم عبرها التوحيد، ونحن لم يكن لدينا شرط للوحدة سوى الوحدة نفسها، أي إننا كنا نرفض فكرة التقاسم والتحاصص بين القيادات الحزبية قبل بدء عمليات التوحيد، وكان رأينا أن القواعد الحزبية هي التي تقرر قياداتها وممثليها مستقبلاً، والبعض يستغرب هذه الفكرة ويرى أنها صعبة ويجب أن تجري اتفاقات مسبقة، ولكن تجاربنا أثبتت أن الاتفاقات المسبقة حول الحصص تحول الحزب إلى شركة مساهمة، وهذا أمر غير وارد بالنسبة إلينا، فنحن مع مبدأ الديمقراطية الحزبية الكاملة، ومع سلطة القواعد الكاملة في اختيار قياداتها واختيار خط حزبها، ولذلك فهذا المبدأ هو قضية لا يمكن التراجع عنها، ونتناقش حولها حالياً وإذا ما مرت باعتقادي ستصبح عملية التوحيد مسألة سهلة جداً، فهذا الشرط ليس تعجيزياً، وهو ليس شرطاً وإنما هو مبدأ دونه لا يمكن أن تتم وحدة حقيقية، وإذا تمت الوحدة بطريقة مغايرة فهذا سيكون عبر صفقات وهذا ما نحن لسنا مستعدين أن نقوم به أبداً، فأحد مشكلات الحركة الشيوعية هي الانقسامات ومن ثم الاتحادات التي كانت تجري على أساس صفقات توزيع مكاسب ومقاعد ومحاصصات خاصةً في ظل الجبهة الوطنية التقدمية التي تؤمن مكاسب وامتيازات معينة.
نريد حزباً يعود إلى الجماهير وإلى الشارع ويعبر عن مصالح الناس، نريد حزباً يستعيد دوره الوظيفي ويعيد للحركة الشيوعية وزنها ودورها وألقها التاريخي المعروف عنها، والشيوعيون السوريون قادرون على ذلك باعتقادي في ظل هذه الظروف.
قانون الانتخابات والمادة الثامنة
ما مصير الجبهة الوطنية بإطار قانون الأحزاب الجديد، وبإطار مطالبات بإلغاء المادة الثامنة من الدستور؟
لنتحدث حول المادة الثامنة في البداية، هذه المادة في حال صدور قانون الأحزاب تصبح بشكل تلقائي مادة إشكالية، فقانون الأحزاب يعني تشكيل أحزاب مختلفة وطالما أن هناك أحزاباً مختلفة فهذا يعني انتخابات تمهد لتداول السلطة.
لماذا فقط احتمال؟
لأنه مثلاً إذا أحزاب الجبهة أقامت ائتلافاً ولم تنل الأكثرية في مجلس الشعب، فهذا يعني أن هناك غير هذه الأحزاب وهو من حظي بالأكثرية.
القصد لماذا لا يكون تداول السلطة أمراً لازماً وليس مجرد احتمال؟
إن تداول السلطة يثبت بالدستور نظرياً طالما أن المادة الثامنة ستتغير، ولكن تغير طبيعة السلطة هو احتمال، فقد تنجح أحزاب الجبهة في حال قررت أن تبقى مؤتلفةً فيما بينها، وتنال بذلك أكثرية في مجلس الشعب، وقد لا تنجح ولا تصل إلى الأكثرية، وبالتالي ينشأ لدينا إشكال قانوني دستوري في حال بقاء المادة الثامنة، فمن يذهب ليصوت لأحزاب خارج أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية سيكون في مقام من يرتكب مخالفةً للدستور لأنه حول هذه الأحزاب لأحزاب غير قائدة للمجتمع والدولة، وبالتالي هنا تظهر مشكلة منطقية دستورية قانونية، وهذا من حيث الشكل، أما من حيث الجوهر فالحديث عن المادة الثامنة يدور فعلياً عن حزب البعث الاشتراكي الذي كان يلعب دوراً رئيسياً في البلاد وفي الجبهة وفي المجتمع، والسؤال الأول هنا: من وضع من.. حزب البعث وضع المادة الثامنة أم المادة الثامنة هي من وضعت حزب البعث؟ أعتقد أن وجود حزب البعث سابق على المادة الثامنة، وبالتالي فإن التخوف على دور حزب البعث في حال ألغيت المادة الثامنة هو تخوف لا أساس تاريخياً له بالمطلق، لأن الحزب موجود قبل المادة الثامنة لأكثر من عشرين عاماً، والسؤال الثاني: من قال إن المادة الثامنة كنقطة في الدستور تضمن الدور القيادي بحد ذاتها؟ إن الدور القيادي لحزب البعث تمت ممارسته فعلياً دون المادة الثامنة، وبالعكس إذا أردنا التأكيد فإن المادة الثامنة أسست لدور حزب البعث الواقعي قانونياً وحقوقياً، وإذا ذهبت المادة الثامنة ذهب تلقائياً الدور القيادي بات على المجتمع أن يعترف بهذا الدور القيادي، وليس أن يحمى الدور القيادي بالدستور، فالمشكلة أن المادة الثامنة إن أضرت بأحد فهي قد أضرت بالدرجة الأولى بحزب البعث العربي الاشتراكي، فهي حولته من حزب يقوم بدور فعلي في المجتمع عندما منحته الحق القانوني وعندما تم الارتكان إلى هذه المادة، إلى حزب يشهد دوره الفعلي حالياً تراجعاً، أي إن المادة الثامنة لم تضمن الدور الفعلي القيادي لحزب البعث، وإنما خلقت وهماً وسراباً بأن دوره باق بكل الأحوال بينما دور الحزب القيادي ليس متعلقاً بالمادة الدستورية بل بالدور الفعلي على الأرض.
ما سر إصرار الكثيرين إذاً على عدم إلغاء المادة الثامنة؟
أرى أن القسم الأعظم من الذين يتكلمون عن عدم ضرورة إلغاء المادة الثامنة هم ممن لديهم سوء فهم، فهذا القسم خائف على المكتسبات الاقتصادية الاجتماعية التي تحققت وتثبتت بالدستور خلال الحقبة الماضية، وخوفهم هو أن تذهب المادة الثامنة وتذهب معها هذه المكتسبات، ولكن الذي أراه أنه في ظل المادة الثامنة نفسها جرى تقدم في مجال المكتسبات الاقتصادية الاجتماعية كما جرى تراجع عن قسم هام منها لاحقاً، أي إن المادة الثامنة لم تكن ضماناً بحد ذاتها للحفاظ على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية، فمستوى المعيشة وحق المواطن بالعيش الكريم الذي يضمنه الدستور لم يتم عملياً الحفاظ عليه، خاصةً في السنوات العشر الماضية عندما توغلت السياسات الليبرالية المتوحشة وأفقرت جزءاً كبيراً من المجتمع ووسعت دائرة البطالة.
اقتصاد سوق وحشي
نتحدث عن اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أنتم كشيوعيين تحديداً كنتم من أشد خصومه؟
طبعاً، نحن كنا ضد اقتصاد السوق الوحشي الذي استخدم شعار اقتصاد السوق الاجتماعي، وليته كان هناك اقتصاد سوق اجتماعي، فالذي طبق على الأرض هو اقتصاد سوق ليبرالي متوحش.
إذاً، المادة الثامنة لم تكن ضمانة للحفاظ على المكتسبات الاقتصادية الاجتماعية، بالعكس هناك في الدستور الماضي قضايا إيجابية، فالمادة رقم 14 التي تقول إن ملكية الدولة هي ملكية الشعب بأسره ولا يحق لأحد التصرف بها ومن واجب كل مواطن حمايتها والدفاع عنها، هذه المادة مثلاً يجب الحفاظ عليها، ويجب أن يثبت الدستور موضوع ملكية الدولة في المجال الاقتصادي والعمل على تطويرها، فبغير هذا الدور لا يمكن التفكير بالتقدم اللاحق الاقتصادي والاجتماعي، ومن هنا هناك ربط تعسفي أقول عند البعض، بين المكاسب الاقتصادية الاجتماعية وبين المادة الثامنة كتعبير عن بنية سياسية في المجتمع يجري التفكير بتغييرها، وبغض النظر عن فائدتها سابقاً للمجتمع إلاّ أنه من الأكيد أنها لم تعد مفيدة للمجتمع الآن.
والسؤال الآن: كيف يمكن استرجاع المكاسب الاقتصادية الاجتماعية إذا كانت هذه المادة نفسها سمحت بالتفريط بها خلال السنوات الماضية؟ يجب أن نفكر ببنية سياسية جديدة لا وجود فيها للمادة الثامنة وتسمح بدور فعلي قيادي لأي حزب من الأحزاب عبر دوره المجتمعي الحقيقي، ومن هنا أهمية قانوني الأحزاب والانتخابات المرتبطين ببعضهما البعض، وأعتقد وأضيف أن إصدار هذين القانونين بالشكل الذي نتحدث فيه، نكون قد سمحنا بظهور قوى وأحزاب خارقة وعابرة للطوائف والأديان والقوميات في سورية، وهو المطلوب في ظروفنا الحالية بشكل حاد وسريع لكي نخرج من هذه الأزمة التي نعيشها.
تغيير الدستور.. وسورية الجديدة
في حال لم يتم إلغاء المادة الثامنة، ولم يتم تعديل النقاط الإشكالية في قانون الانتخابات، ماذا ترى؟
ستستمر الأزمة، لقد استمعت إلى ندوة تحدث فيها الدكتور جمال باروت حول الأسباب العميقة للأزمة في سورية، وقد تحدث بشكل مفصل ورائع جداً عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، فقد رأى أن نتيجة الهجمة الليبرالية المتوحشة كانت اختلالاً في التوازن والتنمية بين المناطق، والآن الاحتجاجات الشديدة تجري في الأماكن الأكثر فقراً.. والسؤال: هل هذا القدر كان لا راد له؟ لو كان هناك هيئات تمثيل حقيقية ولو كان هناك أحزاب حقيقية، هذه المشكلة بحد ذاتها لم تكن لتصل إلى هنا، لأن وجود الهيئات والأحزاب الحقيقية كان ليكون بمثابة جهاز استشعار مبكر للتنبه للمشكلات باكراً ووضع الحلول لها، فإذا كانت ستنفجر لم تكن لتنفجر بهذا الشكل، والمشكلة أن البعض تفاجأ بهذا الانفجار وهو ما كنا محكومين به موضوعياً نتيجة التطور المنطقي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها على الأطراف في سورية، لذلك حصل الانفجار.
هل يعقل ألاّ يكون لدينا تقدير مسبق لذلك؟ هذا سببه أن أقنية الاتصال كانت مسدودة، وهي الأحزاب والإعلام ومجلس الشعب، وكلها كانت مغلقة أو معلبة أو شكلية، فكيف نستعيد هذه القنوات بحيث تكون حقيقية؟.
إن الحديث المطروح اليوم لا يدور حول المادة الثامنة، ومن يختصرها بهذا الشكل إنما يصغر المشكلة، إن المطروح اليوم نتيجة اللقاء التشاوري هو تغيير كامل للدستور، فسورية اليوم بحاجة لدستور جديد لأن دستورها أصبح عمره فوق الـ40 عاماً من حيث الجوهر، والدستور مثل الناس يكبر ويهرم ويموت، وبذلك تصبح سورية بحاجة دستور جديد.
ماذا يعني دستور جديد؟ أي عقد اجتماعي جديد، وبنية سياسية جديدة، وبنية وعي اجتماعي جديدة، وإذا استطاعت سورية أن تخرج من هذه الأزمة بوضع دستور جديد كأحد الحلول، فهذا يعني أننا خطونا خطوة كبيرة إلى المستقبل إلى سورية الجديدة.
هل ترى أننا سائرون بهذا الاتجاه؟
أرى أن الأمور سائرة نحو تغيير الدستور، لأن البند رقم 18 للبيان الختامي للقاء التشاوري قال: بما أن تعديل المادة الثامنة يقتضي تعديل مواد عديدة في الدستور، البعض قال إنها 13 مادة، وبما أن هناك مواد لا علاقة لها بالمادة الثامنة وتحتاج إلى تعديل بحكم قدمها التاريخي، وبما أن لدينا نحو 30 إلى 40 مادة في الدستور بحاجة إلى تعديل وتغيير، فهذا يعني عملياً من 70 إلى%80 من الدستور، وقد أصبحنا بالتالي نتحدث عن تغيير الدستور.
ما هو الدستور بالأصل؟ هو قانون القوانين الذي تشتق منه كل القوانين الفرعية التفصيلية، ولكنه المبادئ العامة للقوانين، ولذلك فإن كل مرحلة تاريخية لها منطقها ودستورها الذي يتم الاتفاق عليه في المجتمع، ولذلك في التاريخ السوري لدينا دساتير جاءت لحظة تاريخية اليوم وطرح فيها بحث موضوع تغيير الدستور، ومن هنا أقول: إن من يقف عند المادة الثامنة إنما هو يصغّر المشكلة، فالقصة أكبر من المادة الثامنة لأنها عملياً الذهاب إلى عقد اجتماعي جديد يحافظ على المكاسب السابقة ويسترجع ما فقد منها ويطور المكاسب.
المعارضة المتشددة والموالاة المتشددة
لماذا تم التركيز على المادة الثامنة؟
أعتقد أن توجيه النار بهذا الاتجاه عائد إلى أن البعض في المنظومة السابقة يرى بهذه المنظومة مجالاً لبعض المكاسب الشخصية، وتغيير هذه المنظومة يضر بمصالحه، ولذلك فهو يختبئ في المادة الثامنة لأنه يريد سلطات محددة ومكاسب محددة، بينما السؤال الذي يجب أن يشغل بال أي سوري في أي مكان كان هو: ما هي المكاسب التي يجب تأمينها للمجتمع، وما هي المكاسب التي يجب تأمينها للمواطنين السوريين؟.. من هنا أقول إنه ليس هناك خوف من ذلك، والدستور الجديد يجب أن يمضي باتجاه المحافظة على المكاسب السابقة الاقتصادية والاجتماعية، على ألاّ يجري خلط بين البنية السياسية التي تعكسها إحدى مواد الدستور وهي المادة الثامنة وبين المكاسب الاقتصادية الاجتماعية، فهنا عملياً يجري تبديل الطرابيش وإشاعة اللغط بين المواطنين بشكل مقصود بحيث يشار إلى أن التخلي عن المادة الثامنة يعني التخلي عن جميع المكاسب الاقتصادية الاجتماعية التي تم تحصيلها في الماضي، وهذا الكلام خاطئ، بالعكس يجب أن يكون الهدف هو البحث عن المزيد من المكاسب وعن تلك البنية السياسية الجديدة التي تؤمن حماية وتطوير هذه المكاسب في المستقبل، لذلك فإن المعارضين لإزالة المادة الثامنة هما من نوعين: الأول هو من اختلطت عليه الأمور وسوف تتضح لاحقاً، والثاني هو من يعادي الإصلاح من حيث المبدأ وهو يتقصد معارضة إزالتها.
هناك مفارقة لفتت نظري جداً، فالهجوم على بيان اللقاء التشاوري بمادته 18 بالدرجة الأولى، أتى من جهتين؛ من قبل المعارضة المتشددة، ومن قبل الموالاة المتشددين، فهذا يستحق التفكير طالما أن الهجوم يأتي من جهتين، وهذا يشير إلى أن الطرفين اللذين يتصارعان بشراسة يتفقان على أنهما يرفضان الحوار والإصلاح، وأعتقد أن هؤلاء قلة قليلة في النهاية، أما القسم الأعظم من الذين يعارضون إلغاء المادة الثامنة نتيجة اختلاط الأمور سيتفهمون ذلك ويتجاوزونه لاحقاً باعتقادي.
تقول إن هناك من لا يريد الإصلاح، وهؤلاء وفقاً لقولك موجودون ربما في الداخل، أين القيادة من هؤلاء؟
إن من يعارض الإصلاح لا يتكلم عن ذلك علناً، وإنما يضع العصي في عجلة الإصلاح، وهؤلاء نوعان؛ الأول هو أولئك الموجودون في النظام ويمثلون قوى الفساد الكبرى، وهؤلاء مرعوبون من الإصلاح لأنه لن يكتفي فقط بقطع أرزاقهم غير المشروعة وإنما سيحاسبهم على ما اقترفت أيديهم بحق الشعب والبلاد؛ والنوع الثاني هو بعض القوى التي تحسب نفسها على المعارضة المتشددة التي لا علاقة لها فعلياً بالحركة الشعبية، وهؤلاء لا يريدون الحوار، فكيف نخرج من المشكلة الحالية دون الحوار؟ أرى أنه لا خروج من المشكلة الحالية سوى الحوار، ولا شرط على الحوار سوى الحوار نفسه، فالحوار هو صراع آراء وأفكار ، وهو سلمي وحضاري، والفكرة الأوضح والأنضج وذات الضرورة الموضوعية هي التي تنتصر في الحوار، لذلك لنترك الأفكار الأضعف تهزم بالحوار.
ومن هنا فإن أهم ما صدر عن اللقاء التشاوري كان التحضير للحوار الوطني الشامل، لأن هذا الحوار يحتاج طاولة تمثل جميع أطياف الشعب السوري، وقد اتفقنا من حيث المبدأ أن تشترك بالحوار ثلاث قوى هامة، وليس قوتين فقط، فالتصور العام هو أن قوتين ستشاركان فقط بينما في الحقيقة هناك قوة ثالثة ستشارك.
تمثيل الحركة الشعبية في الحوار
ما هي هذه القوة؟
الحركة الشعبية نفسها التي لا علاقة لها بالنظام ولا بالمعارضة، بل هي وليد جديد ليس لديها قيادات سياسية معروفة، والحديث هنا عن الذين تظاهروا في الشارع بشكل سلمي وحاول البعض تلويث حراكهم بالعنف الآتي من داخل الحركة أو من خارجها، ولكن هذه الحركة هي مستقبل سورية ودونها لا يمكن تصور انتصار الإصلاح ولا حتى الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المستقبل، ودونها لا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية، فهذه الحركة بجمهورها العريض هي حركة نظيفة خرجت للتعبير عن مطالب حقة ومشروعة، ولكن هذه المطالب أتت على أيدي قوى غضة غير ناضجة بالمعنى السياسي بعد، بحيث كان من الممكن استغلالها والدخول بين صفوفها وتلويثها.
هل ستتم محاورة ممثلي الحركة الشعبية؟
طبعاً، لقد اتخذ قرار رسمي بهذا الصدد في اللقاء التشاوري.
هل تحدد موعد؟
قريباً أعتقد أنه سيعلن الموعد، فلجنة الحوار التحضيرية مازالت تعمل، وقد اتصلت بكثيرين من قادة التحرك على الأرض، والمفارقة أنهم مستعدون للحوار، رغم أنهم يعانون الأمرين لأسباب مختلفة مثل ضغط الشارع وضغط قوى جهاز الدولة، هؤلاء عملياً مستعدون للحوار.
ماذا ننتظر إذاً؟
الآليات وما يلفّ لفها، ونتمنى أن تنتهي بسرعة، وأعتقد أن المخرج الآمن هو تمثيل كل هذه القوى: المعارضة الشريفة الوطنية غير المتشددة وغير المعتمدة على الخارج، قوى النظام الشريفة النظيفة التي ترى في الإصلاح مخرجاً ضرورياً لتطور البلاد اللاحق، وقوى الحركة الشعبية التي تحمل مطالب وهموم الشعب. وأنا برأيي كشخص يعمل بالسياسة منذ فترة طويلة إن هذه اللحظة التي نشهدها اليوم هي اللحظة التي طالما انتظرناها، حيث ولدت حركة شعبية لم يكن من الممكن دونها ولادة حركة سياسية جدية فعالة.
بعد صدور قانون الانتخابات، هل سترشح نفسك لمجلس الشعب؟
إذا بقي قانون الانتخابات على حاله، سنفكر في اللجنة الوطنية أصلاً في أن نشارك أو لا نشارك بانتخابات تجري وفق قانون متخلف مثل هذا، وإذا كان قانوناً متقدماً فبالتأكيد سنشارك، وإذا شاركنا فالتنظيم هو من يقرر أين سأكون وأين سيكون كل عضو فيه بعملية الانتخابات اللاحقة، فالقضية ليست قراراً شخصياً.
على فرض قررتم أن تشاركوا.. ما العنوان الأبرز لبرنامجكم؟
كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، حل مشكلة الفقر والبطالة والسكن والكهرباء والماء والتعليم والصحة هي أولويات..
أليست هذه أولويات الجميع؟
نعم، ولكننا سنتحدث بالملموس، وسنحدد موارد حل هذه المشكلات، والموارد هي أموال الفساد الكبير الذي يتطلب استئصال وتحويل فائضه الاقتصادي إلى الدورة الاقتصادية وإلى الشعب، وهذا لا يمكن أن يتم إلاّ في ضوء مستوى عال من الحريات السياسية.