المقاومة هي قوة الوحدة الوطنية ودرعها الحصين
احتفلت البلاد بالذكرى الستين للجلاء المجيد، ولهذه الذكرى بالنسبة لنا دلالات عميقة، فسورية كانت أول بلد عربي يتحرر من الاستعمار الأجنبي بعد الحرب العالمية الثانية، وسورية لم تمكنه أن يمكث فيها طويلاً بعد موقعة ميسلون عام 1920 قياساً ببلدان أخرى، فقد ظلت ملتهبة بالنار طوال سنوات الاحتلال الفرنسي ولم ترحه يوماً واحداً، وليس مصادفة أن يقول الجنرال ديغول: «واهم من يعتقد أنه بالإمكان إركاع سورية».
وإذا كان الجلاء تعبيراً عن ماض نفتخر به، فإن اللحظة الراهنة، ومن أجل الحفاظ على مكتسبات الجلاء تتطلب استكماله وتعميقه.
واستكمال الجلاء يمر عبر طريقين:
1. تحرير الجولان كاملاً.
2. ضرب مواقع الفساد الكبرى التي هي بوابات العبور للعدوان الخارجي.
وحينما نقول تحرير الجولان كاملاً، فإن هذه المهمة تنتصب أمام الشعب السوري دائماً والآن خاصة، وعلى جميع الوطنيين أن يتحملوا قسطهم فيها حتماً.
لقد فرضت الإمبريالية الأمريكية على شعوب الأرض وشعوب منطقتنا بالدرجة الأولى مواجهة مكشوفة ومباشرة، ولايمكن مواجهة الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الإسرائيلية الصهيونية إلا بالطريقة التي يفهمونها، فالحق لاينتصر في مواجهتهما إلا بالقوة، وإرادة الشعوب هي قوة مادية لاتقهر.
إن ملامح مواجهة كبرى ترتسم في منطقتنا، ولانقصد هنا فلسطين والعراق ولبنان فقط، فالمواجهة المباشرة في هذه البلدان قد بدأت وجعلت المخطط الإمبريالي يتعثر، وإنما نقصد كل تلك الأجزاء من المنطقة التي بقيت حتى هذه اللحظة خارج المواجهة المباشرة، فهي مرشحة للدخول فيها بسبب الأزمة التي يعاني منها المخطط الأمريكي الصهيوني، وأول الدلائل تشير أن هذه المواجهة ستمتد من إيران حتى لبنان، ولن تستثني أحداً، لذلك فواجب الوطنيين أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة بكل تفاصيلها، وفي هذه المعركة الشاملة لايجوز أن يبقى الجولان العزيز محتلاً دون استنهاض القوى لتحريره، وهذه العملية في ظل توازن القوى الإقليمي الحالي تتطلب استخدام كل الوسائل والإمكانات السياسية والشعبية والعملية التي يمكن اختصارها بكلمتين (مقاومة شعبية). ونعتقد أن تلك الجبهة الشعبية على الأرض التي أشارت إليها الوثيقة الوطنية(إعلان البلازا)، ستجد في شعار تحرير الجولان أفضل وسيلة لتجسيد نفسها. ومثل هذا الأسلوب ليس جديداً، فقد اعتمدته مصر عام 1954 لإطلاق المقاومة للضغط على قوات الاحتلال البريطاني، ونجح في تعجيل جلائها عن منطقة قناة السويس، وهذا الأسلوب اعتمدته سورية والدولة اللبنانية منذ عام 1990 في جنوب لبنان، وأدى إلى جلاء القوات الإسرائيلية، ورب قائل «إن تطوير عملية تحرير الجولان سيترتب عليها مخاطر سياسية وعسكرية قد تؤدي لاندلاع حرب شاملة في ظل توازن قوى لايميل إلى مصلحتنا» ورداً على ذلك نقول: إنه في ظل الوضع الملموس الحالي في المنطقة و احتمالات تصاعده، فإن مخاطر عدم تفعيل جبهة في الجولان هي أكبر بكثير من تفعيلها، و نقول: إذا كان للدول ضروراتها، فإن للشعوب خياراتها. فلتطلق خيارات الشعب السوري من القمقم، ولنرِ الأعداء أي منقلب سينقلبون!!
إن إسرائيل الصهيونية العدوانية لن تتجرأ على الأرجح، على توجيه ضربات إلى العمق السوري، لأنها طالما ترددت في القيام بذلك ضد لبنان خوفاً من صواريخ حزب الله التي هي أقل تطوراً وأقل تدميراً من الأسلحة السورية.
إن إطلاق المقاومة الشعبية في الجولان سيقلب كل المعادلة في المنطقة، وستصبح سورية جزءاً كاملاً متكاملاً من المقاومات المشتعلة في فلسطين والعراق ولبنان، وسينقل هذا الأمر سورية على المستوى الإقليمي من الدفاع إلى الهجوم، كما أنه سيغير كل معادلات الصراع الداخلي، وسيضع قوى السوق الكبرى وقوى الفساد الكبرى في الزاوية بحيث يضيق هامش مناوراتها، وسيفرض الواقع الموضوعي آنذاك الانتقال إلى اقتصاد المقاومة والمواجهة والابتعاد كلياً عن الحلول الليبرالية للوضع الاقتصادي، والأهم من ذلك أن هذه المعركة ستغير جذرياً الاصطفافات السياسية، وستنسف نهائياً الثنائية الوهمية (معارضة ـ نظام)، وسيحل محلها ثنائية حقيقية ستصطف على أساسها جميع القوى داخل النظام وخارجه: (مقاومة- استسلام) وعلى كل الصعد والمجالات، أي فيما يخص تحرير الأرض وتحرير الاقتصاد من رجس وموبقات الليبرالية الجديدة، وتحرير المجتمع من هجمة الأفكار الرجعية والعدمية التي تهدف إلى تفكيكه. والخلاصة، إن معركة تحرير الجولان ستوطد الوحدة الوطنية، وستفشل كل محاولات تفكيك المجتمع السوري على أساس طائفي أو ديني أو قومي، أي باختصار ستجري عملية تطهير شاملة معنوية ومادية للمجتمع والدولة، و هذا لن يكون إلا في مصلحة كرامة الوطن و المواطن.