أعادت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة تأكيد المؤكد: النظام الانتخابي القائم هو نظام قاتل للحركة السياسية، وعاجز عن تمثيل المجتمع، وألعوبة بيد قوى المال وقوى جهاز الدولة.
مع وقوف البلاد على عتبة تغييرات سياسية كبيرة مستحقة، ينفتح الباب واسعاً لطرح الأسئلة الأكثر إلحاحاً، والتي كانت مغيبة عن المشهد السياسي خلال العقود الطويلة الماضية كنتيجة طبيعية لانخفاض مستوى الحريات السياسية والديمقراطية في سورية.
وتحت عنوان: «من أجل نظام انتخابي فعال ومتقدم» تتابع «قاسيون» هذا الملف مع الرفيق منصور أتاسي:
هي مسألة فكرية؛ حين يناقش الناس فيما بينهم أحقية الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية تمس الجانب الاجتماعي (وطبعاً ليس هناك قرار اقتصادي لا يمس الجانب الاجتماعي)، وهي مسألة مصيرية؛ حين يتوصل الناس عبر النقاش إلى أن إجراءات الحكومة كلها تقريباً تمس سلباً الجانب الاجتماعي، وهي مسألة لابد من حلها؛ حين تحاول الحكومة ألاّ تشرك أحداً في صناعة قراراتها رغم ارتفاع أصوات الناس اعتراضاً على ما مسّهم من سوء نتيجة غياب المحاسبة ونتيجة تجاهل الحكومة لمصالح الأكثرية الفقيرة مقابل سعيها الدؤوب لتحقيق مصالح الأقلية الغنية..
أدى حراك الطبقة العاملة والحركة النقابية في مرحلة ما بعد الاستقلال إلى وصول ممثلين للعمال إلى المجلس النيابي كما كان يسمى، يعبرون حقيقةً عن مصالحهم وحقوقهم السياسية والاقتصادية التي كان ينكرها عليهم ممثلو البرجوازية، و يسعون با تجاه عدم تحقيقها مستندين إلى نفوذهم السياسي والاقتصادي، ولكن حراك العمال، والنقابات عبر استخدامهم لحق الإضراب، والتظاهر، جعلهم قادرين على فرض جزء هام من مطالبهم على المجلس المذكور وفي مقدمة تلك المطالب، إصدار قانون عمل تأكد فيه أن للطبقة العاملة حقوقاً مشروعة لايمكن تجاهلها، هذا من جانب،والجانب الآخر الذي أكده الحراك العمالي النقابي،أن العمال وحركتهم النقابية مستقلان، وهما جزء لايتجزأ و رئيسي من ميزان القوى الاجتماعي والسياسي الفاعل في البلاد آنذاك.
تجري العملية الانتخابية اليوم في لحظة حرجة من تاريخ سورية، هي اللحظة الفراغ التي يموت فيها القديم والتي لمّا يتبلور فيها الجديد بعد بشكل ناجز، وعلى الرغم من صعوبة هذه اللحظة إلا أنها ترتدي أهمية عالية كونها تحتضن الصراع بين الجديد والقديم بالوقت ذاته، وبالتالي يتشكل فيها العديد من ملامح المرحلة المقبلة... تتكرر الطريقة والعقلية التي تجري فيها الانتخابات، بفعل فاعل، وبقوة العطالة، بدءاً من طبيعة الشخصيات المترشحة «المستقلة» وغير المستقلة، إلى شكل الحملات الاعلامية والدعائية المرافقة للإنتخابات، إلى شعارات المرشحين وأهدافهم المرافقة لصورهم إن وجدت ...ألخ، والأهم من كل هذه وذاك قانون الانتخابات نفسه، الذي لا يعدو كونه نسخة عن سابقه، حيث تشكل كل محافظة دائرة انتخابية بذاتها، الأمر الذي يسمح من جديد لبعض القوى السياسية والاجتماعية التقليدية والمتخلفة- التي غدا وجود بعضها سبباً لاستمرار الأزمة- بالعودة إلى تحت قبة البرلمان، أي يمكن القول في المحصلة إن قانون الانتخابات «الجديد- القديم» هو الذي يسمح بتكرار التجربة ذاتها، التي غدت اليوم كاريكاتورية بعد أن سلطت الأزمة الأضواء عليها بكثافة..
من قرأ الدستور السوري الجديد والذي أصبح ساري المفعول منذ 27/2/2012 بعد إقراره لن يجد هذا القارئ مادة من مواده تحدد شروط الترشيح لمجلس الشعب على العكس مما جاءت به المواد التي تشير إلى الترشيح لرئاسة الجمهورية مثلا، وهذا بالتالي يعني إقراراً دستورياً بأحقية أي مواطن سوري بالترشيح لمجلس الشعب
يصر طلائع المرشحين إلى مجلس الشعب على لعب الدور التقليدي دون أي تعديل.. صورة فوتوغرافية بكادر جيد، ابتسامة بديعة وبدلة رسمية، ولا مانع من عبارة مختصرة من طراز: «لتعزيز الوحدة الوطنية» «لخلق فرص عمل جديدة» ..الخ..الخ.
استند فشل العملية «الديمقراطية» خلال العقود الخمسة الأخيرة على غياب نشاط الناس السياسي، الأمر الذي جعل منها مجرد مكياج لحكم الطبقة السائدة، وكان من السهل في تلك المرحلة أن يدفع جهاز الدولة بمرشحيه إلى مجلس الشعب تحت قائمة الجبهة الوطنية إضافة إلى بعض المستقلين، ومن السهل على التجار ضمن توافقات معينة مع جهاز الدولة أن يدفعوا بمرشحيهم إلى المجلس، والناس آخر من يدري وآخر من يهتم. كان ممكنا تدبيج شعار وصورة مع شيء من المال أو السلطة أو كليهما لدخول مجلس الشعب، لذا فإن مالك السلطة/المال لم يكن مجبراً على صياغة برنامج وتقديمه للناس لينتخب على أساسه..
تنفيذاً لتكليفي من حزبنا (حزب الإرادة الشعبية) بالترشّح إلى عضوية مجلس الشعب، ورغم ملاحظاتي العديدة على القانون الانتخابي وعلى لائحته التنفيذية، وعلى صلاحيات مجلس الشعب المحدودة، وعلى انتخابات الإدارة المحلية، وعلى المؤتمرات النقابية، وعلى الاستفتاء على الدستور، وعلى الظرف غير المناسب لإجراء الانتخابات، وعلى ألف سبب وسبب.. فقد وافقتُ على إعداد الوثائق المطلوبة للترشّح واتجهتُ إلى مبنى المحافظة في اليوم الأخير من المهلة الممنوحة لتقديم الطلبات. الازدحام على أشدّه، وأغلبية المتقدمين بطلباتهم ينتمون إلى حزب البعث العربي الاشتراكي. وجرياً على عادتي فإنني حاولتُ الوقوف بالدور. لكنني فوجئتُ بأنه لا دور ولا من يحزنون! فالكل مستعجل والشاطر من يتمكن من تجاوز غيره. حاولتُ رفعَ صوتي أكثر من مرة منادياً: (يا شباب، والله الوقوف بالدور حلو ومظهر حضاري!) ولكن لا حياة لمن تنادي..