الافتتاحية المطلوب: حكومة مواجهة قبل المواجهة
تفاقم الوضع السياسي في المنطقة، وازدادت خطورته خلال الأيام الماضية. فاجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة كشف نهائياً عورة النظام الرسمي العربي. فتأييده لما سماه بالجوانب الإيجابية لمبادرة بوش، هو اندلاق بالكامل على سلالم مدخل البيت الأبيض، وقطع خط الرجعة نهائياً لهذه الأنظمة مع شعوبها، وكان الموقف السوري اللافت في هذه القضية تعبيراً عن نبض الشارع العربي بأجمعه، ولاشك أنه قد رفع من سمعة سورية لدى الجماهير الشعبية في العالم العربي. وقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية الإجهاز نهائياً على سمعة العديد من الأنظمة العربية بإعلانها عن صفقات السلاح المليارية معها، وبآن واحد مع الكيان الإسرائيلي الذي وعد بصفقة تزيد ملياراتها عن كل ماسيقدم للعرب «المعتدلين».
إن هذه التطورات وغيرها التي رافقتها، تقطع الشك باليقين حول النوايا التوسعية للعدو الامبريالي الأمريكي - الصهيوني الأمر الذي يتطلب البحث جدياً وبسرعة بتعزيز وتعميق متطلبات المواجهة، بحيث يتغير الأداء السوري داخلياً ليصبح على مستوى سمعة سورية: عربياً بين الجماهير الشعبية، ودولياً بين الأوساط الشريفة التي تتصدى للسياسات الامبريالية العدوانية التوسعية، وهذا الأداء على المستوى السياسي يتطلب التفعيل، وتتحمل الحكومة جانباً هاماً من هذا الأمر، وخاصة على المستوى الإعلامي والتعبوي، ومستوى السياسات العامة التي يجب أن تخدم منطق وروح المقاومة الشاملة، ونعتقد جازمين أن التشديد والتأكيد على محاربة الفساد، وخاصة الكبير منه، وممارسة ذلك على أرض الواقع فعلياً، سيزيد من التفاف الشارع وثقته بحتمية الانتصارفي المعركة القادمة، بل إن ذلك سيسهلها لأنه سيغلق بوابات العبور الداخلية للعدو الخارجي.
كما إن هذا الأداء على المستوى الاقتصادي يتطلب تغيير اتجاه السير الحكومي، والإقلاع نهائياً عن الترويج لاقتصاد السوق الحر، ومنع مرور تجلياته على الأرض تحت ستار يستخدمه البعض بالإكثار من الحديث عن اقتصاد السوق الاجتماعيـ، بل إن البعض منهم يعتبره مرحلة وسيطة للوصول إلى الهدف النهائي، ألا وهو تحرير الاقتصاد كلياً نزولاًعند وصفات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي وغيره.
إن تغيير الاتجاه اقتصادياً من قبل الحكومة، يتطلب فعلاً ربط النمو بتحسين مستوى معيشة الناس، واعتبار هذا الأمر الهدف الأساسي للتطور الاقتصادي، كما أن هذا الأداء يتطلب من السياسة الحكومية اجتماعياً، انعطافاً جذرياً باتجاه تحقيق مصالح الشعب، واعتبار القضاء على البطالة والفقر وأزمات السكن والكهرباء والماء هدفاً مباشراً لايقبل التأجيل، واعتبار تحسين خدمات التعليم والصحة هدفاً أساسياً للنمو، وجزءاً مكوناً لايتجزأ من معيشة الشعب .
إن الحكومة الحالية أثبتت بأدائها خلال السنوات الماضية أنها لم تستطع الارتقاء إلى مستوى هذه المهمات، بل إن أداءها قد خلق خطراً جدياً بإنزال سقف مطالبات الناس المشروعة إلى حدها الأدنى نتيجة تدهور الأوضاع في مجال الكهرباء والماء، وخطر رفع الدعم، الذي يجب أن يعتبر موضوع تأمينه أمراً عادياً لايجوز أن يتحول إلى هم من هموم المواطن العادي. بل إن استمرار هذه الحكومة يحمل خطر تحويل ضرورة المواجهة مع العدوان الخارجي إلى مواجهة مع متطلبات الشعب المشروعة نتيجة الاحتقانات التي تسببها سياساتها وأداؤها.
والنتيجة: فالممارسة أثبتت أن هذه الحكومة بخطها الاقتصادي- الاجتماعي ونتائجه على الأرض، تسير عكس الخطاب السياسي السوري المقاوم، وتعرقل موضوعياً مواقف الممانعة للمخططات الامبريالية الأمريكية - الصهيونية للسياسة السورية بسبب عدم توفيرها جدياً للبيئة الحامية لهذا الخط على المستوى الداخلي اقتصادياً واجتماعياً.
ومع اقتراب ساعة المواجهة يصبح من المُلحّ أن تظهر إلى الوجود حكومة مواحهة قبل المواجهة..
● حكومة قادرة على تأمين متطلبات المواجهة.. وكلما ظهرت أبكر كان الأمر أفضل...
● حكومة قادرة على تأمين أوسع نطاق ممكن من الوحدة الوطنية «فالجبهة» لم تعد نتيجة للتطور الجاري، السقف الوحيد للوحدة الوطنية.
● حكومة قادرة على تعبئة الشعب ضد المخططات الأمريكية الصهيونية العدوانية على أوسع نطاق مما يتطلب إجراءات عميقة في كل المجالات.
● حكومة قادرة على الانطلاق بعملية تنمية مستقلة شاملة بالاستناد للإمكانات الذاتية بالدرجة الأولى، وبالتعاون مع كل القوى الشريفة في العالم.
● حكومة تستطيع بإخلاصها وكفاءاتها وخطها، أن تحظى باعتراف شعبي حقيقي، يزيل الهوة التي تكونت بين الشارع وبينها خلال الفترات الماضية.
وإذا كنا نقول سابقاً إن تغيير الوجوه لايعني حتماً تغيير السياسات، فاليوم نقول إن تغيير السياسات الذي يفرضه الوضع الخطير الحالي، يتطلب حتماً تغيير وجوه كثيرة بالاتجاه الذي يعزز الحفاظ على كرامة الوطن والمواطن.