أي نمو نريد؟؟
أثار ماجاء في خطاب الرئيس بشار الأسد في بدء ولايته الرئاسية الثانية حول علاقة النمو بمستوى المعيشة، اهتماماً واسعاً، إن كان في الأوساط الشعبية أو الرسمية، وكذلك في أوساط المختصين.
والحقيقة أن المواطن العادي الذي يكتوي بنيران الأسعار المنفلتة لايهمه من النمو إلا انعكاسه عليه، وعلى مستوى معيشته، وهذا أمر حق، لأن النمو ليس هدفاً بحد ذاته.
والسؤال الملح الآن: كيف ترجمة النمو الاقتصادي برفع مستوى المعيشة؟ وهل صحيح ما يقوله بعض المسؤولين إن النمو لابد أن ينعكس على زيادة غنى الأغنياء لأنهم هم صانعو النمو؟ أي بكلام آخر، يريدون القول إن ازدياد فقر الفقراء هو نتيجة طبيعية للنمو... والنمو تعريفاً: هو بكل بساطة، علاقة الدخل الوطني بين فترتين زمنيتين محددتين، أي أن النمو في عام واحد هو العلاقة بين حجم الدخل الوطني في عامين.
والدخل الوطني من حيث التوزيع هو حكماً، مجموع الأجور والأرباح، وبالتالي إذا زاد الدخل الوطني، ولم تزدد الأجور، فهذا يعني حتماً ازدياد حصة الأرباح فيه...
وإذا علمنا أن العاملين بأجر ومن بحكمهم يشكلون أكثر من 90 بالمئة من الشعب السوري، لعلمنا الأهمية القصوى سياسياً في ظل الظروف المعقدة، والخطيرة إقليمياً التي تعيشها بلادنا اليوم، لأخذ قضية حصة الأجور من الدخل الوطني بعين الاعتبار الجدي. فهي صمام أمان ليس فقط للاستقرار الاقتصادي، وإنما أيضاً للأمن الاجتماعي الذي هو جزء مكون أساسي للأمن الوطني.
• إن النمو الذي لاينعكس إيجابياً على مستوى حياة الناس من حيث الأجر أو الخدمات، يشكل قطيعة مع عملية التنمية التي هي عملية اقتصادية – اجتماعية- ولها دلالاتها السياسية العميقة .
• كما أن النمو هو رقم كمي لامعنى له، إذا لم تظهر آثاره نوعياً على مستوى معيشة الشعب.
• صحيح أن النمو هو الشرط الضروري لأي تطور، ولكنه بآن واحد شرط غير كاف، فالتطور المتوازن والمنسجم يتطلب تحقيق شرطه الكافي ألا وهو عدالة التوزيع.
• والأخطر من ذلك، فإن ذلك النوع من النمو الذي لايؤمن التقدم الاجتماعي لايمكن أن يستمر، وهو بشروطه الداخلية يحمل عوامل انقطاعه، وحتى ارتداده إلى الوراء.
إن الشرط الحاسم لدوام النمو هو عدالة التوزيع بين الأجور والأرباح، هذه المعادلة التي تعاني من خلل خطير في ظروفنا الملموسة، والتي تتطلب معالجة سريعة وحتى إسعافية.
هذه المعالجة التي لايستقيم فيها بأي شكل من الأشكال ما كان يعمل باتجاهه الفريق الاقتصادي في الحكومة من رفع للدعم، وخاصة عن المحروقات بحجة تأمين موارد إضافية للدولة تحت تهديد إفلاس موازنة الدولة، وكأن لامطرح لزيادة موارد الدولة إلا ذلك الدعم الذي يحصل عليه أصحاب الدخل المحدود لتعويض جزء من الهوة بين أجورهم، ومستوى الأسعار.
والسؤال هو: ألا يمكن تأمين موارد إضافية على حساب الفساد والهدر والتهرب الضريبي؟؟ ولماذا لايقوم الفريق الاقتصادي بالحماس نفسه الذي كان يريد رفع الدعم به، بمعالجة جدية للمطارح الحقيقية المذكورة أعلاه؟؟ إن الحديث المتجدد حول إعادة توزيع الدعم لن يغطي الهزيمة التي ألحقت بهذه الفكرة الضارة، والأفضل استخلاص الدرس، والتفكير الجدي بإعادة توجيه أموال الفساد والهدر والتهرب الضريبي نحو اقتصاد الوطني ونموه وتحسين معيشة الشعب، فهذه الموارد كفيلة بتجاوز الخطة فيما يخص النمو القادم.
وفي كل الأحوال فإن التجربة التاريخية أثبتت أن القطاع الخاص، حتى لو كان إنتاجياً، غير قادر وحده دون دور جدي وكاف للدولة من تحقيق تلك النسب الضرورية من النمو لحل المشاكل الكبرى المنتصبة أمام مجتمعنا من فقر وبطالة وتلوث ومشاكل سكن ونقل.. إلخ.. فكيف إذا كان الميل لدى الرأسمال الخاص هو للهروب من العمليات الإنتاجية، والتدافع في مجال الخدمات والمال والتجارة التي تسمح بتحقيق الربح السريع عملاً بمبدأ: اضرب واهرب؟؟
إن النمو الذي نريده هو ذلك النمو المستمر الذي ينعكس إيجابياً على مستوى المعيشة من أجر، وخدمات مختلفة، وليس ذلك النمو الذي يعيد توزيع الثروة لصالح الأغنياء، محققاً طفرة مؤقتة لاتلبث أن «تفقع» مؤدية إلى تراجع لاتحمد عواقبه على أحوال البلاد والعباد.
إن كرامة الوطن والمواطن تتطلب إعادة توجيه نتائج النموالمتحقق بالاتجاه الصحيح الذي يزيد منعة البلاد، ويوطد الوحدة الوطنية.