الافتتاحية من غزة حتى بغداد.. «أنابوليس» في التطبيق
يقول السفير الإسرائيلي في واشنطن: «إن رسالة الضمانات الاستراتيجية التي وجهها الرئيس جورج بوش إلى شارون يوم 14/4/2006 تشبه في أهميتها التاريخية وعد بلفور، فقد اعترف الرئيس فيها بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وبعدم عودة اللاجئين، وببقاء مدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، إضافة إلى أن تلك الرسالة ترسم الحدود التمهيدية لدولة إسرائيل اليهودية..»!
..هذه هي حقيقة الموقف الأمريكي إزاء القضية الفلسطينية، لكن موقف النظام الرسمي العربي المنهار ـ لأسباب عدة لا يتسع المكان لذكرها ـ ليس أمامه إلا الانصياع لإملاءات التحالف الامبريالي ـ الصهيوني، وجل ما يفعله هو عقد جلسة طارئة لوزراء الخارجية العرب بعد كل مجزرة يقترفها الكيان الصهيوني بحق المدنيين الفلسطينيين، وينتهي الاجتماع ببيان أعد سلفاً سقفه الإدانة اللفظية التي لا تعيق مسيرة التطبيع بين «دول الاعتلال العربي» والكيان الصهيوني.
فمنذ اجتماع أنابوليس أواخر تشرين الثاني الماضي وحتى الآن سقط 175 شهيداً فلسطينياً، 90 % منهم في قطاع غزة، وأكثر من ثلث هؤلاء من النساء والأطفال، ومع كل ذلك لم يشهر الحكام العرب سيوفهم إلا لتقديمها هدايا لسفاح العصر جورج بوش صاحب «رسالة الضمانات الاستراتيجية»، ومزود الكيان الصهيوني بالأسلحة والدعم اللامحدود اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً. فبدل الاحتجاج، آثر حكام الجزيرة العربية والخليج العربي مراقصة ضيفهم على وقع القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، والمجازر المرتكبة بحق مليون ونصف المليون فلسطيني، بغير تمييز بين الرجال والنسوة والأطفال المعاقبين من «سلطتهم» ومن السلطات الشقيقة والصديقة، فقط لأنهم يتمسكون بخيار المقاومة والحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني.
وإذا تجاوزنا ولو مجازاً، المشهد الدموي والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة أثناء جولة بوش في المنطقة ومضينا للنتائج الملموسة التي تمخضت عنها تلك الجولة، نلاحظ أننا أمام منعطف خطير يشبه الوضع الذي كان سائداً عشية عدوان تموز 2006، ففي جميع المحطات التي جمعت بوش مع حكام تل أبيب ورام الله والكويت والبحرين والإمارات والسعودية ومصر، كان هدف بوش المعلن تنفيذ العناوين العامة التي طرحت في اجتماع «أنابوليس»، وترجمتها عملياً على الأرض، وصياغتها في برنامج سياسي ـ عسكري قوامه العمل على:
ـ إغلاق القضية الفلسطينية وشطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والاعتراف برؤية بوش حول الدولتين.
ـ وسم المقاومات العربية في فلسطين ولبنان والعراق بالإرهاب وضرورة الالتزام بالحرب ضدها.
ـ مهاجمة سورية وعزلها عربياً وإقليمياً واتهامها بتعطيل الحل في العراق ولبنان.
ـ توتير العلاقات العربية ـ الإيرانية وصولاً إلى إقناع الدول العربية بأن إيران هي العدو، وليس الكيان الصهيوني.
ـ إقناع العرب بضرورة بقاء القوات الأمريكية في العراق عشر سنوات أخرى.
وما أن غادر بوش المنطقة حتى بدأت تزداد الضغوط على جماهير المقاومة مباشرة في فلسطين، ومحاصرة المقاومين بين أهليهم عبر حصار شامل شل المشافي والمدارس والجامعات، ترافق مع قطع الكهرباء والمازوت والدواء والخبز. وفي لبنان ازدادت شراسة فريق 14 شباط ضد المقاومة وجماهيرها وقادتها. كذلك ازدادت الضغوط على سورية من البوابة اللبنانية خصوصاً بعد تصريحات مبارك وسعود الفيصل وأبو الغيط التي تربط بين الحل في لبنان وعقد القمة العربية في دمشق. وهناك من يسعى لعقد قمة عربية طارئة في القاهرة، وبالتالي تأجيل موعدها الدوري المقرر في دمشق على خلفية فشل جهود الأمين العام للجامعة العربية في حل الأزمة اللبنانية.
أمام هذا المشهد الخطير والمعقد، حيث مضى النظام الرسمي العربي على خطى المشاريع الأمريكية ـ الصهيونية في المنطقة، ليس أمامنا في سورية إلا الثبات وتطوير خيار الممانعة إلى خيار المقاومة الشاملة، خصوصاً أن الميل العام لشعوب المنطقة وعلى الساحة الدولية، هو للتصدي للمشروع الامبراطوري الأمريكي. وهذا يتطلب قبل كل شيء تطوير وتعزيز الوحدة الوطنية وإزاحة جميع المعوقات من أمام هذا الهدف الاستراتيجي الوطني الكبير الذي يحفظ سورية أرضاً وكياناً؛ ويحولها إلى حجر الزاوية في هزيمة المشروع الأمريكي ـ الصهيوني في المنطقة. إن نقطة الضعف الأساسية التي تعوق تطوير الوحدة الوطنية هي السياسات الاقتصادية ـ الاجتماعية التي يقف على رأسها الفريق الاقتصادي اليوم، تلك السياسات الليبرالية التي أضرت بالدولة والناس (الغلاء ومستوى المعيشة والأجور والبطالة) وخلقت مشكلة جدية يمكن أن تستخدم في أية لحظة من العدو الخارجي لتمرير مخططاته الشاملة.
ومن هنا نقول: آن الأوان لرحيل الفريق الاقتصادي وسياساته الليبرالية التي تضعف مناعة الوطن.
ولأن الوضع في المنطقة خطير ومعقد، نؤكد مجدداً على ترابط القضايا الوطنية والاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية ببعضها ببعضاً، وفي ذلك تأمين لكرامة الوطن والمواطن.