الافتتاحية المطلوب برنامج لمواجهة الأزمة
تقل الشكوك يوماً بعد يوم عند المسؤولين والمختصين حول حجم الأزمة الاقتصادية العالمية واتجاه تطورها وتداعياتها واحتمالات انعكاساتها علينا.. فالوقائع اليومية البعيدة جغرافياً فيما يخص تطور الأزمة عالمياً، أصبحت تدق بابنا بشكل أقوى فأقوى وأسرع فأسرع.. وما قلناه حول ضرورة عدم التهوين بها لأننا تجاوزنا بسلام نسبي مرحلتها الأولى لا يعني بحال من الأحوال أن مرحلتها الثانية التي بدأت تعصف بفروع الاقتصاد الحقيقي لن تصيبنا بضرر.. فها هي التداعيات الأولى بدأت تسرع في الظهور علينا.. والسيد وزير المالية يؤكد أن عام 2009 سيكون صعباً جداً. والسؤال كيف سيكون 2010 إذا أخذت الأزمة العالمية أبعادها التي لم تتضح بعد والتي يتوقعها الخبراء؟ هل الموضوع سيتوقف عند 2009 فقط أم وراء الأكمة ما وراءها؟ هل يجوز أن نتوقع لعام واحد فقط في قضية خطيرة كالتي نتعامل معها؟..
تقول تقديرات الاختصاصيين إن الأزمة مستمرة في تصاعد حتى ما بعد 2010، وتحذر من مخاطر التسونامي الثاني بعد الأول المالي والذي سيضرب بقوة تدميرية رهيبة اقتصادات بلدان الجنوب بالدرجة الأولى، لأن المركز الإمبريالي العالمي في مواجهته للأزمة، سيحاول نقل تبعاتها إلى البلدان الأضعف، الأمر الذي لن ينجيه بكل الأحوال من الهزات الارتدادية التي لن تكون أقل قوة من الموجات الأولى..
إذا نظرنا إلى المستقبل القريب، نجد أنه بدأت تظهر نبرة واقعية تشاؤمية في لهجة بعض المسؤولين الاقتصاديين الذين أنصتوا لتقدير البنك الدولي الذي أكد أن نسبة النمو في سورية عام 2009 لن تتجاوز 2.5% في ظل نسبة خُطّط لها أن تكون قرابة 7% مع ارتفاع معدلات التضخم الرسمي إلى 14%، وقد حذّرت وزارة الاقتصاد مؤخراً من أن معدل الاستثمار الأجنبي سينخفض عام 2009 بحدود 30% إلى جانب انخفاض تحويلات المغتربين السوريين في الخارج، ويدق ناقوس الخطر تراجع حجم الصادرات السورية إلى النصف في الأشهر الأخيرة من عام 2008.. أي باختصار ينتصب أمام اقتصادنا خطر التباطؤ الحاد، بل حتى التوقف.. وخاصةً مع تراجع الدولة عن دعمها للمحروقات، الأمر الذي انعكس سلبياً على القدرة التنافسية للبضائع السورية، وأثر سلبياً على مستوى الاستهلاك الشعبي العام.
إذا كانت هذه المؤشرات الأولى في المراحل الأولى للأزمة، فالسؤال كيف ستكون مع تطورها اللاحق؟ ويطرح هذا الوضع عدداً من الأسئلة الهامة والخطيرة:
1 ـ هل هناك استشراف حقيقي لاحتمالات تطور الأزمة العالمية خلال السنين الخمس القادمة؟ هل جرى إعداد سيناريوهات الاحتمال الأسوأ والاحتمال الأفضل؟.
2 ـ وبكل الأحوال، هل يحتمل سيناريو الاحتمال الأكثر سوءاً من تطور الأزمة العالمية.. الاستمرار بالسياسات التي رسمت وطبقت قبل ظهور الأزمة على السطح؟ أليس من المطلوب إعادة النظر جذرياً بالسياسات المتبعة لمواجهة الأزمة، عبر عدم مسايرة النمط الذي أفضى إليها أصلاً، وتتضمّن المراجعة المطلوبة إعادة النظر بكل التشريعات السابقة واللاحقة التي تنحو الاتجاه ذاته؟ فالحياة أثبتت أن هذه السياسات لم تعط إلا نتائج سلبية على المستوى الكلي والجزئي وحتى قبل انفجار الأزمة، فكيف بعد انفجارها؟
3 ـ أليس من المطلوب بحث هذا الموضوع على المستوى الوطني وبين أهل الاختصاص وأصحاب القرار وبشكل مستعجل، على أن يتميز هذا الحوار بالموضوعية والوضوح والشفافية آخذاً بعين الاعتبار قضية واحدةً لا غير، ألا وهي الحد من آثار الأزمة العالمية سلبياً على اقتصادنا وعلى مستوى معيشة الشرائح الأوسع من السكان؟
إن ملامح البرنامج الوطني لمواجهة آثار الأزمة العالمية أصبحت واضحة وهي:
ـ إعادة النظر في أولويات الاستراتيجية الاقتصادية.
ـ إعادة النظر في نموذج التطور الاقتصادي القائم والذي بني في جزء هام منه فعلياً على شاكلة الاقتصادات التي تعاني من الانهيار اليوم.
ـ تثبيت وتطوير دور الدولة الفاعل والحقيقي في الاقتصاد، ولكن هذه المرة بشرط أن يكون دوراً ذكياً كي يصبح قوياً، فليس المطلوب اليوم دوراً قوياً بأي ثمن كان، ولا دوراً ضعيفاً وغبياً.
ـ تعبئة الموارد الداخلية وخاصة عن طريق ضرب مراكز الفساد الكبرى، واستعادة ما حصلته وتحصله إلى الدورة الاقتصادية الحقيقية لمصلحة الوطن والشعب.
ـ توجيه الموارد في المستقبل المنظور والمتوسط نحو فروع الإنتاج الحقيقي التي تهم لقمة الشعب، وتحديداً في الزراعة والصناعة فقط لاغير، وتقديم كل التسهيلات للمنتجين في هذا المجال من قطاع عام وخاص من حيث الموارد والإنتاج والتسويق.
ـ الإقلاع نهائياً عن تمويل الموازنة الجارية بالعجز، والسماح بالتمويل بالعجز في الموازنة الاستثمارية وبالحدود المعقولة علمياً للمشاريع الاستراتيجية التي يجب أن تقوم بها الدولة في مجال الإنتاج المادي المباشر.. الأمر الذي يتطلب صياغة برنامج طوارئ ملموس في هذا المجال.
إن الحياة بالأمثلة التي قدمتها مؤخراً، قد حسمت النقاش النظري حول طريق التطور الأفضل للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن.. إن المكابرة وعدم المراجعة الجذرية ليست خطأ فقط، بل كارثة لا تغتفر..
الصهيوني.