عرفات: الحلف التدخلي في سورية دخل طور التراجع عملياً
أدلى علاء عرفات، أمين حزب الإرادة الشعبية، عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، الأسبوع الماضي بتصريحات صحفية تناولت آخر تطورات المشهد السوري على وقع تداخلها مع ما تشهده المنطقة والعالم.
وقال عرفات: «إن التطورات الجارية عملياً في الأوضاع السياسية على نطاق العالم هي مؤشرات تقول أن ميزان القوى الدولي يتغير بشدة وبشكل سريع وبثقل كبير»، مستشهداً على سبيل المثال «بانضمام الهند وباكستان إلى منظمة شنغهاي، وتحضير إيران لذلك، وبدء ظهور بوادر تفكك الاتحاد الأوروبي، وأيضاً الحدث التركي الهائل المتمثل بالانقلاب العسكري الفاشل أو ما تلاه». وأوضح أن «ذلك كله هو عبارة عن تغيرات كبيرة تشير إلى أن المنطقة والعالم ذاهبة إلى تغيير كبير».
الحدث التركي وسورية
أما فيما يتعلق في سورية فقال عرفات: «إن هذه التغيرات أدت وتؤدي إلى استكمال عناصر الحل السياسي بشكل سريع، فالأميركيون وحلفاؤهم الذين كانوا يماطلون في محاربة الإرهاب وفي الولوج إلى الحل السياسي أصبحوا مضطرين الآن إلى الذهاب نحو هذا الحل تحت الضغط الهائل لتغير ميزان القوى والتغيرات ذات الطابع الإقليمي، وفي صفوفهم بشكل خاص».
وحول موقع الحدث التركي وارتباطه بجملة التفاعلات المذكورة، أوضح عرفات أن «تركيا أولاً كانت لاعباً أساسياً وكبيراً تمكن عبره الأمريكيون وحلفاؤهم من لعب دور سلبي كبير وهائل في الأزمة السورية. أما اليوم، ونتيجة تطور الأحداث في تركيا فإن الدور التركي الإقليمي يتناهى مؤقتاً إلى الصفر، وهي لحظة هامة. فالدور التركي لم يعد كما كان سابقاً. الوضع التركي أصبح متأثراً بدل أن يكون مؤثراً، واحتدمت كتلة التناقضات لا بل وانفجرت في تركيا. اليوم يوجد انقسام كبير في المجتمع التركي، ولدينا انقسام كبير في جهاز الدولة التركية. كل ذلك يسمح بتظهير واتضاح التناقضات التي تجري في تركيا، وهو ما يدفع الأمريكيين وحلفائهم ويضطرهم للذهاب سريعاً لحل سياسي في سورية ووقف الممانعة والإعاقة للحل السياسي، وهذا ما رأيناه عملياً بعد اجتماع كيري ولافروف وبوتين في موسكو، حيث بدأت عملياً اجتماعات اللجان التخصصية في جنيف، وهنالك اجتماع في الأيام القليلة المقبلة، أي الاجتماع الثلاثي الذي على الأغلب سيشكّل دفعة كبيرة باتجاه عقد جلسة جديدة لجنيف، أرجح أن تكون جلسة قريبة وسريعة، بمعنى أن هذه الجلسة احتمال الوصول بها إلى صيغة حل هو احتمال كبير».
الاستحقاقات أمام المعارضة
وأضاف أنه «فيما يتعلق بالاستحقاقات التي تتعلق بالمعارضة الداخلية، فإذا نظرنا للوراء نجد أن الجلسات السابقة من جنيف كان فيها الكثير من الإشكاليات، منها أن وفد «الهيئة العليا للتفاوض» مازال يعتبر نفسه طرفاً وحيداً في التفاوض، علماً بأن الوقائع على الأرض لم تعد تسمح بذلك». وأوضح عرفات أن «المهمات المطروحة الآن هي تشكيل وفد واحد للمعارضة، والانتقال إلى المفاوضات المباشرة من أجل الوصول إلى حل»، معرباً عن اعتقاده بأن «هذه العناصر الآن أصبحت جاهزة وربما نراها في الجلسة المقبلة».
وفي الحديث عن العناصر الأخرى، عناصر محاربة الإرهاب، قال عرفات أنه «من الواضح على الأرض أن مستوى محاربة الإرهاب ارتفع، وخاصة ما نراه في شمالي حلب، حيث تتطور العملية الروسية في شمالي حلب بسرعة، وجرى عملياً إحكام الحصار على المدينة، وهذا مؤشر على ضعف الطرف الآخر وعدم قدرته على التحكم بالأمور. أي أننا بالتالي نسير على قدمين متوازيتين، قدم محاربة الإرهاب يسير إلى الأمام، والقدم الأخرى هي موضوع الذهاب إلى الحل السياسي الذي يجري التحضير له الآن».
«الرياض» والتفاهمات الاضطرارية
وعن مفردات الحل السياسي للأزمة السورية، وهل هو مصاغ أم لا؟ أكد عرفات أن «الحل الحقيقي السياسي للأزمة السورية مصاغ وموجود وهو عملياً قرار مجلس الأمن 2254، وهو كاف لإطلاق الحل، ويحتاج للتنفيذ فقط». وأوضح أن «القضية هي التالية: في سورية هنالك في الحقيقة استحقاق للتغيير، فالوضع قد نضج منذ فترة طويلة باتجاه ضرورة التغيرات، وهنالك اعتراف من الأطراف كلها منذ سنوات، بأن البلاد بحاجة لتغيير حقيقي. ولكن ما حصل هو أن شكل تفجر الأزمة حرف الأمور عن التغيير الحقيقي. واليوم لابد من الذهاب إلى تغيير حقيقي، ونحن نتحدث عن تغيير جذري وشامل وواسع وعميق في النظام السياسي، وفي البنية الاجتماعية والاقتصادية السورية. وإن هذه التغييرات هي تغييرات مستحقة». وأوضح أن «الأزمة عملياً عقّدت الأمور ومنعت هذه التغييرات بتدخلات خارجية، وتشدد داخلي من مختلف الأطراف. أما الآن فالأمور تسمح بالذهاب إلى حل، بعد انخفاض مستوى التشدد وانخفاض وعدم قدرة الأطراف المتدخلة على التدخل كما كان الأمر عليه سابقاً. وبالتالي انفتح الطريق أمام الذهاب إلى حل سياسي حقيقي في سورية. واليوم اختلف مستوى السيطرة على الأطراف المتشددة من جهة بعض أطراف المعارضة التي كانت عملياً تأتمر بأمر قوى خارجية. اليوم القوى الخارجية ليست بوضع يسمح لها بالضغط الشديد على هذه الأطراف، وهذه الأطراف ستكون مضطرة للبحث عن تفاهمات، وأعتقد أن الطريق ينفتح الآن للذهاب إلى وفد واحد للمعارضة، وينفتح أيضاً للذهاب إلى تنفيذ 2254 وينفتح أيضاً إلى منع وضع شروط مسبقة أمام العملية السياسية. وإن هذه العناصر كلها تتوافر الآن، وهذا يسمح لنا بالقول بأننا ذاهبون إلى الحل».
«التركي» العاجز
وأعرب عرفات عن اعتقاده أن «هنالك إمكانية لتشكيل وفد واحد وليس موحداً للمعارضة لأن العناصر التي كانت تعيق تشكيل هذا الوفد ضعفت. وبكلام آخر، ففي آخر جلسة في جنيف معروف أن الذي أعاقها هو الطرف التركي. غير أن هذا الطرف التركي ذاته أصبح اليوم غير قادر على إعاقة محادثات جنيف. الدور التركي هو الذي لعب دوراً أساسياً في تعليق وفد الرياض لمشاركته في المباحثات، ولكن الوضع في تركيا لا يسمح لها اليوم باتخاذ إجراءات من هذا النوع، وسيضطر الأتراك على الأرجح لدفع الأمور من أجل التخلص من الجوانب السلبية في هذه العملية، لأن الأزمة السورية ومجرياتها اليوم باتت تضغط على الوضع التركي سلباً. فالقوى المسلحة التي كان يجري دعمها عملياً من تركيا يمكن أن يرتد نشاطها إلى الداخل التركي، وبالتالي الأتراك أصبحوا في حالة يريدون فيها الخلاص، لأن وزنهم أصبح أضعف موضوعياً، وبالتالي فقد زالت الكثير من العقبات أمام تشكيل وفد واحد للمعارضة، ولكن الأمور تحتاج إلى بعض الجهود لإنجاز هذه المهمة».
وأضاف أنه «من جانب آخر فإن إعلانات الطرف الآخر كلها، أي النظام السوري، تقول أنه يريد حلاً سياسياً. وهو لديه وجهة نظر لا نتفق معه فيها، ولكن خلال الجلسة المرتقبة على طاولة المفاوضات أعتقد أن أطراف المعارضة مع طرف النظام تستطيع الوصول إلى اتفاق، خاصة وأن قرار مجلس الأمن 2254 واضح، والقضايا الملتبسة فيه ليست كثيرة. فالقضايا الملتبسة التي هي موضوع نقاش هي شكل الانتقال السياسي، وشكل ما يعرف بـ«الجسم الانتقالي». وهنالك اقتراحات عملية موجودة أصبحت متبلورة يمكن أن تقبل بها مختلف الأطراف».
«أكل الدهر عليه الدهر وشرب»..!
وحول عرض وزير الخارجية السعودي لصفقة مع الروس حول الوضع السوري قال عرفات: «إن الجبير مازال يعيش بعصر سابق، وإن ما يطرحه السعوديون قد أكل عليه الدهر وشرب، وصفقات من هذا النوع ليس لديها أمل ولا يمكن أن تحدث، فالطرف الروسي ليس بوارد عقد صفقات اليوم أساساً، ولقد ردت وزارة الخارجية الروسية على هذا الكلام بأن المصالح الروسية في المنطقة أكبر بكثير من موضوع صفقة أو شيء من هذا القبيل، أي أكبر بكثير مما يطرحه السعوديون. فالموضوع ليس مالياً واقتصادياً، الموضوع له طابع جيوسياسي بالمعنى الكامل. وبالتالي فإن الطرف السعودي غير مدرك للوضع، وهو منفصل إلى حد كبير عن الواقع، ويطرح طروحات غير قابلة للتنفيذ عملياً، ولقد تلقى ما يستحقه من الطرف الروسي حول هذا الاقتراح». وأضاف أن «هذا كان آخر ما لدى السعوديين عملياً من أجل الحفاظ على مواقعهم أو حفظ ماء وجهوهم، ولكنهم مضطرون الآن وليس بعد فترة طويلة لتغيير موقفهم، لأن ما جرى في تركيا عملياً أصاب كل الحلف التدخلي في سورية الذي دخل طور التراجع عملياً. وبالتالي على بلدان هذا الحلف أن يروا هذه المعطيات وأن يتصرفوا على أساسها لأنهم إن لم يفعلوا فإن هذه المعطيات ستنقلب إلى جانب سلبي عليهم وتتسع وتصيبهم. اليوم السعودية وقطر والمتدخلون كلهم أمام احتمال تكرار أحداث تشبه تركيا، وهنا لا نتحدث عن انقلابات ولكن عن تفاعلات تنذر بانهيارات في هذه البلدان، إن لم تتصرف ولم تتخذ موقفاً حاسماً وحقيقياً لتمنع تطور ونمو الإرهاب الذي يهددها بشكل كبير مثلها مثل الآخرين وربما أكثر».