الافتتاحية: سورية في عين العاصفة
لسنا الآن بصدد النقاش مع الذين اعتبروا مجيء الرئيس أوباما «بارقة أمل»، يمكن أن تحدث تعديلاً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، و كذلك لسنا بصدد تذكير الذين «انبهروا» بخطابيه في تركيا ومصر وما طرحه حول ضرورة الحوار مع الإسلام ومع بعض دول المنطقة مثل سورية وإيران، وما آلت إليه الأمور بعد ذلك من حيث جلاء المواقف الملتبسة وازدياد الوضوح في العدوانية الأمريكية تجاه شعوب المنطقة والعالم من خلال المحطات التالية:
• كثافة وتكرار التزام باراك أوباما وأركان إدارته بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، واعتبار قوة هذا الكيان ثروة وضرورة استراتيجية، وجزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي.
• إعلان أوباما «غير المسبوق» بأن إيران وكوريا «الشمالية» غير مستثنيتين من الضربة النووية.
• الضغط المكشوف على قادة دول الاعتلال العربي لتأمين غطاء رسمي عربي للسلطة في رام الله لعودة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وعدم ربط ذلك لا بضمانات أمريكية، ولا بتراجع إسرائيلي عن مخطط التهويد الزاحف، ولا عن أي ملف من الملفات الأمنية العالقة، مثل: حصار قطاع غزة، وقضية الأسرى، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، والاغتيالات، وإقامة الحواجز التي بلغ عددها 664 حاجزاً في الضفة الغربية المحتلة.
• استدعاء القائم بالأعمال السوري في واشنطن وتبني المزاعم الإسرائيلية حول تسليح حزب الله بصواريخ «سكود».. وقد ترافق ذلك مع تهديدات نائب وزير الحرب الصهيوني متان فلنائي حول «إعادة سورية إلى العصر الحجري في حال وقوع الحرب».
• إقدام الرئيس أوباما على خطوة تصعيدية جديدة ضد سورية، ليس فقط بتمديد «العقوبات الاقتصادية» لسنة جديدة، بل والأخطر من ذلك اعتبار أوباما أن «السياسة السورية تشكل خطراً استثنائياً على الأمن القومي الأمريكي»، وهذا ما يضع سورية في عين العاصفة أكثر من أي وقت مضى، ونحن هنا لا نهوّل، ولكن أيضاً، لا نهوّن، وإنما نقرأ دلالات السيناريو الأمريكي – الإسرائيلي التصعيدي ضد سورية والمقاومة في لبنان وفلسطين وفي المنطقة عموماً، وليس دون دلالة رد الفعل الأمريكي على قمة دمشق الثلاثية، والموقف السوري المعارض لعودة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، وضد تجاوز «لجنة المتابعة العربية» لصلاحياتها في اجتماع القاهرة.
• إن أخطر ما تسعى إليه إدارة أوباما، وبالجملة، هو تثبيت وضع العالم العربي تحت الوصاية الأمريكية الإسرائيلية.. فهذه قضية فلسطين، وبسبب التحالف الإمبريالي الصهيوني – الرجعي العربي، لم تعد موجودة كقضية قائمة بذاتها في مجلس الأمن وغيره من المحافل الدولية، بل يجري العمل، ترغيباً وترهيباً، لتحويلها إلى تفاصيل بعد أوسلو وإقامة سلطة الوهم في رام الله. وكل الحديث عن حل الدولتين لا يعدو كونه محاولة خلق «كيان فلسطيني» لا يتجاوز الحكم الذاتي في إطار السيطرة الصهيونية على فلسطين التاريخية كلها.
في إطار ما تقدم، يصبح من الواضح أننا أمام مواجهة مرتقبة مع التحالف الإمبريالي- الصهيوني مدعوماً بأتباعه من داخل كل بلد عربي. وإذا كنا لسنا بصدد التنجيم حول تحديد زمن وقوع العدوان على سورية أو لبنان أو حتى على إيران، فإننا نلفت الانتباه إلى أن سر انتصار المقاومة في حرب تموز عام 2006 هو الاستعدادات الشاملة، عدة وعدداً، قبل وقوع العدوان وامتلاك الإرادة السياسية للمواجهة في أي وقت، وعلى أي مستوى خاصة وأننا أمام عدو يفرض على شعوب منطقتنا مواجهة مكشوفة لا يمكن حلها بالدبلوماسية أو الحلول الوسط.
ولايجوز نقاش إمكانية وقوع العدوان من عدمه من خلال صدق أو كذب الذرائع التي يستخدمها التحالف الامبريالي- الصهيوني لشن حروبه العدوانية على بلادنا ومنطقتنا. فالمسألة أعقد من ذلك بكثير، لأن محددات وقوع العدوان غالباً ما يحاول العدو إخفاءها وعدم الجهر بها. لكن ترافق ازدياد التصعيد الأمريكي- الصهيوني ضد سورية ولبنان وإيران مع ازدياد تفاقم الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية، وازدياد تعثر المشروع الأمريكي في كل مكان تجعل الامبريالية الأمريكية محكومة باستمرار البحث عن الحرب لدرء خطر الانهيار الداخلي الذي يهدد كل بلدان المنظومة الرأسمالية من الأطراف وحتى المركز، وما يجري في اليونان هو بداية الغيث. ولأن واشنطن تعتبر أن سورية وحلفاءها وما حققته المقاومات العربية من انجازات موصوفة، تعيق المخطط الأمريكي الاستراتيجي في المنطقة من غير المسموح لنا الاستهانة بما يخططه التحالف الامبريالي- الصهيوني من عدوان مرتقب ضد بلدنا سورية.
.. واستكمالاً للمواقف والردود السورية الرسمية الجدية والرافضة للتهديدات والحازمة حول نقل المعركة إلى مدن العدو إن تجرأ على العدوان، فإن الاستعداد لمواجهة العدوان يتطلب تعبئة قوى المجتمع على الأرض. وحتى يصبح خيار المقاومة خياراً شعبياً جارفاً ينقل سورية على المستوى الإقليمي من حالة الدفاع والممانعة إلى حالة الهجوم، لا بد من قطع الطريق على أعداء الداخل من قوى النهب والفساد الكبير الذين تنحصر وطنيتهم في جيوبهم وهذا يتطلب إسقاط السياسات الليبرالية الاقتصادية للفريق الاقتصادي، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.