المهام البرنامجية.. قراءة أولية في الثابت والمتغير
سبق أن أعد الشيوعيون برامج لهم عندما كانوا موحدين، وبمختلف فصائلهم وهم منقسمون، وحتى شيوعيين ولدوا من خارج رحم الحزب، لكنها كانت إمّا تُحلق عالياً، أو تنخفض أدنى من الواقع الموضوعي ولا تلبي قضايا الجماهير، وسبب ذلك البعد عن الواقع والضعف المعرفي، ومن ثمّ التأرجح بين الجمود والعدمية، وهذا ما أثر في ضعف بنية الحزب والعلاقات داخله وعلاقاته مع الجماهير والقوى الأخرى، وتحول إلى تابع، وأدى إلى غلبة الذاتي على الموضوعي مما زاد في تراجع دورهم أكثر من التراجع العام في الحركة الثورية العالمية ككل، واليوم ما زالت انعكاسات ذلك تفعل فعلها.. وما تتميز به الموضوعات محاولة لتشخيص الواقع والثنائيات الوهمية وتعيد هيكلة الأمور في ثنائيات حقيقية واقعية محددة تربط الخاص بالعام والذاتي بالموضوعي والممارسة بالنظرية.
الماركسية رواية تاريخ الكون والحياة البشرية وحركتهما وتطورهما وفق قوانين علمية، وهذا سبب ديمومتها وأهميتها كمرجعية فكرية قوانين ومنهجاً وفرضيات يفرزها الواقع المتغير والمتطور، وهو الذي يغنيها.. فما هو الثابت والمتغير في الموضوعات، وما هو الجديد المفرز في الرؤية والخطاب.
الاشتراكية والأزمة
الثابت هو أنه كلما تعمقت أزمة الرأسمالية اقتربت الاشتراكية، والجديد المتغير أن أزمتها الحالية (موضوعياً) ستكون نهائية لانتهاء توسعها وتهديدها لوجود البشر ككل، أي تناقضها مع شعوب العالم وتناقضها التناحري مع الطبيعة، وعدم وجود مركز امبريالي بديل. وستؤدي إلى انهيارها إذا توفر العامل الذاتي، وهذا ما يعني انغلاق الأفق تاريخياً أمامها وانفتاحه أمام البديل، أي (الاشتراكية).
الوضع السياسي الاقليمي والدولي
1 – الثابت: هدف الامبريالية الهيمنة على العالم، وأولها منطقتنا لموقعها ومواردها، عبر الاحتلال العسكري المباشر أو الهيمنة الاقتصادية المتعددة الأشكال، وخاصة عبر سيطرة الدولار ونشر الفوضى الخلاقة بالتناقضات الثانوية قومية دينية طائفية قبلية للمحافظة على بقائها، أو تخفيف وطأة أزمتها. والجديد المتغير هو الخروج من إطار الدولة الوطنية إلى فضاء أوسع قادر بتركيز المقاومات على مواجهة مشاريع الهيمنة والتفتيت إلى اتحاد اقليمي للشرق العظيم تتوفر كافة عوامله، وهذا يعني إعادة الأمور إلى نصابها وهوالتناقض الأساس وقطع الطريق أمام التناقضات الثانوية، وهو يعني الانتصار بشكلٍ أكيد.
2 – الترابط والعلاقة بين الامبريالية والصهيونية العالمية هو الثابت، أما الجديد المتغير، أولاً: اندماجهما عبر الرأسمال المالي. وثانياً: ضعف الامبريالية وأفولها ينطبق على الصهيونية، وهذا يعني زوال ربيبتها اسرائيل، وهذا ما تؤكده ليس وقائع المقومات على الأرض فقط، وانما قوانين الشرعية الدولية.. وهذا يقطع الطريق على كلّ المراهنات الأخرى، كالذين يتوهمون أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك الحل، أو الذين يقولون أنّ اللوبي الاسرائيلي يتحكم بها.
التحديات الوطنية الكبرى
الثابت: المواقف الوطنية السورية التاريخية، وسمعتها على النطاق الشعبي العربي، وأهمية الوحدة الوطنية. والجديد المتغير أولاً: أن هذه المواقف والسمعة من صنع الشعب السوري ككل وليست حكراً على أحد. وثانياً: متطلبات تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية الكبرى باشتراك جميع أبناء الوطن بإصلاح حقيقي جذري وشامل، بدءاً من إلغاء قانون الاحصاء وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، إلى اقرار قانون أحزاب ومطبوعات، وأهمها قانون انتخابات عصري يعتمد النسبية يفعل الحياة السياسية ويقطع الطريق على أي انحرافات أخرى، وهذا (سيعيد صياغة التحالف وأسسه).. وثالثاً: عدم التطابق بين الطبقات والشرائح الاجتماعية وتمثيلها السياسي في الرؤية والخطاب، مما ولد الاغتراب، وأخرج قوى هامة من جهاز الدولة من الرقابة، وأدى إلى تفشي الفساد الذي يمكن أن يقود إلى الانهيار، وأن محاربته في الدولة والمجتمع مهمة وطنية بامتياز. وإجمالاً، ترابط المهمة الوطنية بالاقتصادية - الاجتماعية بالديمقراطية، وأي خلل أو نقص في احداها سينعكس عليها كلها، والعكس صحيح.
القضية الاقتصادية الاجتماعية
1 – الثابت أن السياسات الاقتصادية الاجتماعية السابقة حققت نمواً ومكتسبات، والجديد المتغير أنها بتأثير ظروف وعلاقات خارجية، وبزوالها انكشفت التشوهات في هيكليتها، وبالتالي استنفدت دورها ولم تعد صالحة.
2 – الثابت: السياسات الاقتصادية الاجتماعية الجديدة ( النيو ليبرالية) أيضاً قامت على أنقاض السياسات السابقة وبتأثير عوامل خارجية، والجديد المتغير أنها لم تُحقق نمواً ولا مكتسبات، ولم تكن عاقراً فقط، بل كانت نتائج تطبيقها كارثية على المجتمع والدولة، وأنها تعاني من استعصاء لعدم توافقها مع النظام السياسي، واستمرارها أصبح مناقضاً للأمن الوطني أي المطلوب اسقاطها بالكامل.
3 – الثابت: لا بد من بديل. والجديد المتغير: طرح البديل وفق أهداف واضحة وآليات دقيقة مفصلة في الموضوعات، تبين أنّ التفسير الصحيح سينتج عنه تغيير صحيح إذا كانت الرؤية والخطاب من الواقع الملموس.
4 – العدو الامبريالي اعتمد في سياسته للهيمنة على أحدث العلوم والتقنيات، ومنها البرمجة العصبية اللغوية، ليس لتغيير سلوك الحكام والأنظمة، وإنما لتغيير الانتماء والهوية من جميع النواحي، وسيطرة النمط الانتهازي الاستهلاكي في الحياة، وبالتالي يصبح تغيير السلوك تحصيل حاصل..
ومن هنا فإن الموضوعات أغفلت جانباً مهماً وهو الثقافة الوطنية التي تستند إلى كلّ ما هو انساني وتقدمي ويعزز الانتماء والهوية وثقافة المقاومة، بدءاً من المحافظة على التراث وإحيائه، وصولاً إلى الحوار والسماح بالرأي الآخر وكلّ ما يحقق كرامة الوطن والمواطن.