الافتتاحية: الحكومة والحل السياسي..
نضجت الظروف الموضوعية لانطلاق الحل السياسي. ولم يعد ممكناً الإصرار على أوهام (الحسم) و(الإسقاط) بعد أن وصل النشاط العسكري إلى حدوده القصوى لدى الطرفين وأثبت عدم جدواه، وبعد أن وصل وضع سورية الاقتصادي والاجتماعي والإنساني إلى حافة الكارثة، نضجت الظروف الموضوعية تماماً لحل سياسي شامل يرتكز إلى الحوار والمصالحة الوطنية، ولكن الظروف الذاتية ما تزال في طريقها إلى النضوج، ظروف القوى السياسية المختلفة التي تصطف وفقاً للموقف من الحل السياسي في معسكرين أساسيين: الأول معه ويسعى ويناضل بكل استطاعته للوصول إليه، والثاني يقف ضده ويحاربه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، سواء بالهجوم المباشر على فكرة الحل السياسي ورفض الحوار أو بقبولهما شكلياً والهجوم على المعسكر الأول الداعي للحل السياسي تحت ذرائع وحجج مختلفة، والعمل ميدانياً على تحويل الحوار إلى مسخ حوار والمصالحة إلى مسخ مصالحة..
إن الحكومة الحالية، وباعتبارها ذات طابع ائتلافيٍ يضم النظام إلى جانب جزء من المعارضة، قد تم تشكيلها لتقوم بمهمة الذهاب بسورية نحو الحل السياسي، وبيانها التوافقي الذي شكلت على أساسه يعلن عن ذلك بلسان فصيح. وهي إذ ضمت في تركيبتها وزارة جديدة للمصالحة الوطنية، فقد أرسل تشكيلها بتركيبتها هذه إشارات إيجابية، وكان من شأن هذه الإشارات أن تتحول إلى وقائع ملموسة، الأمر الذي لم يظهر واضحاً حتى اليوم..
مرّ على تشكيل الحكومة أكثر من مائة يوم وأصبح من حق الشعب السوري عليها أن يسألها عما حققته، وأن يسألها إن كانت التزمت ببيانها. ومن حق الشعب السوري أن يرى بعينيه إلى أين وصلت الحكومة في تحقيق حجر الزاوية في بيانها، قضية المصالحة الوطنية والحوار الوطني.
إن الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وحزب الإرادة الشعبية كأحد مكوناتها تحملت مسؤولية الدخول في الحكومة انطلاقاً من رؤيتها لضرورة السير خطوة إضافية تقرّب السوريين من حكومة الوحدة الوطنية وتقربهم من الحل السياسي عبر تعزيز الفرز بين السوريين على أساس وطني وسياسي اقتصادي- اجتماعي، وليس على أساس ثنائية (معارض، موالي) الوهمية التي تحتمل التقسيم المناطقي والقومي والطائفي دون أن تحمل أية معان سياسية واضحة، والجبهة مستمرة في هذه الحكومة قدر استمرار الحكومة نفسها في تنفيذ بيانها الحكومي.
إن استمرار الهجوم على الحل السياسي من متطرفين داخل النظام يحمّل الحكومة مسؤوليات إضافية، فالمهمة المطلوبة من الحكومة اليوم هي فعلياً إنقاذ سورية، لا إصلاحها ولا تطويرها ولا تحديثها.. المطلوب هو إنقاذ سورية ليصبح من الممكن الحديث عن أشياء أخرى، وهذا يعني (الحسم) مع أولئك الذين يعادون الحل السياسي في الطرفين، و(إسقاطهم)..
إسقاط الملتفين على المصالحة الذين يتاجرون بها ويسمسرون باسم المصالحة في قضايا الخطف وغيرها ويصورون المصالحة في الإعلام بطرق مبتذلة لا يصدقها أحد، وإسقاط الذين يتلاعبون بالليرة السورية ويحولون العمل الاقتصادي إلى عمل صرافة، وإسقاط أولئك الذين يغزون على الأحياء بعد أن يدخلها الجيش العربي السوري مقدماً الضحايا، فيغتالون ضحاياه مرة ثانية بقذارة سلوكهم، يسرقون ويقتلون ويعيثون فساداً تحت مسمى (موالين)..
إن إسقاط هؤلاء لا يتنافى نهائياً مع الحسم في وجه الجزء المرتبط بالخارج من المسلحين، بل يعزز هذه العملية على قاعدة اكتساب ثقة الناس وليس الانتقام منهم، فإن كان البعض قد فهم فكرة البيئة الحاضنة للمسلحين، فإن ما لم يفهمه هو أن التعامل معها لا يعني أبداً الانتقام منها، ولكنه يعني تحديداً التفاهم معها واستعادة ثقتها..
إن أمام الحكومة الحالية مهمات كبيرة، والظرف السياسي العام مناسب، والشعب السوري مستعد لمساعدتها إن هي أقدمت وتجرأت على التصدي لهذه المهام.. إن من حق الشعب السوري أن يسأل، وإن من واجب الحكومة أن تجيب..