الفرز المطلوب وضروراته (2)
الفرز داخل النظام
تتأكد اليوم بشكل أوضح مما قبل حقيقة عملية موضوعية، طالما جرت محاولة إنكارها، أو التغطية عليها، إما عن جهل، أو عن عمد، وهي أنه تجري داخل دوائر النظام عملية مخاض سياسي يمثل فرزاً إيجابياً داخله بمعنى إعادة تموضع واصطفافٍ لقواه، يجمّع الوطنيين معاً حول القناعة بضرورة الحوار السياسي الوطني الشامل بشكل جدي وندّي سبيلاً وحيداً للخروج من الأزمة، مع جميع القوى والحراكات الوطنية الأخرى، سياسيةً وشعبية، ويعزل الطابور الخامس والفاسدين المذعورين من سير تطور الظرف الموضوعي الدولي والإقليمي والداخلي قدماً نحو هذا الخيار، والذين بالتالي يقاومون بشراسة ولا يتورعون عن التآمر مع شياطين الأرض وأمثالهم من القوى المحسوبة على المعارضة، من أجل إجهاض نضوج العامل الذاتي المستعد لخيار الحوار.
في هذا السياق يمكن فهم المواقف المختلفة من التصريحات الأخيرة الهامّة للسيد فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية العربية السورية، والتي كانت واضحة بما لا يدع مجالاً للشكّ بالمسؤولية والروح الوطنية العالية، التي لا غبار عليها، لهذه الشخصية الوطنية، ذات التاريخ المعروف بالنزاهة والحرص على مصلحة سورية وطناً وشعباً ودولةً مستقلة بقرارها الوطني ودورها التاريخي الإقليمي والدولي، الداعم لحركات المقاومة والتحرر الوطني عربياً وعالمياً.
ما الغاية من مسارعة بعض الشخصيات المعروفة بعمالتها لأعداء الشعب السوري، والمكروهة منه، بكيل المديح لتصريحات الشرع؟ أليست هي الغاية نفسها من مهاجمة بعض الأوساط الفاسدة داخل النظام لهذه التصريحات نفسها؟ بدليل أنّ الأولى تظهّر بشكل بارز موقف الثانية على وسائلها ومنابرها الإعلامية.
إنهما بهذا السلوك يرسلان الرسالة التضليلية نفسها التي تدّعي بأنّ أمريكا والغرب مسرورون بموقف الشرع، وإظهاره بالتالي على أنّه باطل ومشبوه! والغاية زرع الارتياب في قلب كل من يريد أن يقف إلى جانب هذا الخيار، مما يعيق الفرز داخل النظام، ويعرقل الحلّ السلمي للأزمة، ويعزز أوهام الحسم العسكري، والصراع الدامي بين الأطراف المتقاتلة.
الفرز داخل المعارضة
إنّ دخول التنظيمات التكفيرية الإرهابية بشكل مكشوف وواضح على خطّ التسلح والتدخل الخارجي، بات عاملاً موضوعياً لفرز القوى المعارضة بين صامت إزاء عملياتها الإجرامية، واستمرار التسلح ونهج التفجيرات و«انتصارات التحرير» المزعومة، في موقف يمثل قمة الانتهازية السياسية، والسعي إلى غايات المكاسب والمناصب السياسية، مهما كانت الوسيلة قذرة. ومن جهة أخرى بين معارضة تحترم نفسها ولا تخشى في قول الحق لومة لائم، ولا ترتضي استغلال شعبها والمتاجرة بدمه، من تلك التنظيمات التكفيرية ورعاتها الخليجيين والغربيين، مثلما لم ترتضه أيضاً من قوى الفساد داخل النظام. وهذا النهج في المعارضة الوطنية هو الذي يتعزز اليوم موضوعياً، ولا ينقصه سوى مزيد من الجرأة والمسؤولية والسرعة لتجميع قواه والسعي للانطلاق بالحوار والمصالحة الوطنية، والترفع عن أية مكاسب حزبية أو سياسية ضيقة، من أجل إيقاف نزيف الدم السوري، وإيقاف تدمير الدولة وخسارة ثروات الشعب السوري..