الافتتاحية: منطق المرحلة الانتقالية

أصبح من الثابت أن سورية ماضية قدماً نحو مرحلة انتقالية.. وإن كان تعريف هذه المرحلة وتفاصيلها أمراً لم ينته التوافق حوله على المستوى الدولي، فإن الاختلافات الدولية والإقليمية والداخلية حول المرحلة الانتقالية ستنطلق جميعها من قاعدة الاتفاق على أن مرحلة انتقالية من سورية ما قبل الأزمة إلى وضع جديد وسورية جديدة هي أمر ثابت ونقطة انطلاق للصراعات القادمة..

وهذا الشكل الأولي من التوافق يستند أساساً إلى ضرورة موضوعية يفرضها توازن القوى الدولي والإقليمي والداخلي واستعصاء الحالة السورية هو انعكاس مباشر لهذا التوازن، وبالرغم من أن هذا التوازن الصفري توضح فعلياً منذ ما يقارب السنة إلا أن أولى تجلياته الفعلية إذا كانت ستظهر في هذه المرحلة متجسدة بمرحلة انتقالية في سورية فذلك لأن الضغط المستمر للأزمة الرأسمالية العالمية وجديد الأزمة الأمريكية هو ما سيسمح بتجسيده –التوازن الصفري- وتحويله إلى نتائج على الأرض..

بذلك فإن نقطة الانطلاق الأولى في قراءة المرحلة الانتقالية هي في كونها ضرورة يفرضها الواقع، وليست مسألة رغبات أو أمنيات لهذه القوة أو تلك، وعليه فإن النقطة الثانية التي تنتج منطقياً عن الأولى، وتلعب مثلها دور نقطة انطلاق هي أن المرحلة الانتقالية يجب أن تستند إلى موازين القوى الداخلية السورية بمكوناتها المختلفة من حملة السلاح في الطرفين إلى قوى المجتمع وحركته الشعبية إلى المعارضات السياسية المختلفة إلى النظام..

إن المرحلة الانتقالية إذ تنطلق من الموضوعتين السابقتين فإنها في جوهرها تعبر عن ضرورة تاريخية تتمثل في تغيير النظام مع المحافظة على الدولة، تغيير النظام وتحقيق الانتقال بغير العنف، الأمر الذي يفتح الطريق واسعاً أمام القوى السياسية والاجتماعية المختلفة لاستقطاب السوريين على قاعدة مصالحهم الحقيقية ضمن المشروع الوطني الجامع، وتسمح بالتالي بكسر الانقسام الوهمي بين معارض وموال..

تطرح المرحلة الانتقالية، بوصفها الإطار السياسي المؤقت اللازم للخروج من الأزمة نحو سورية الجديدة، مجموعة من القضايا للنقاش والتفكير بغية تفعيل أفضل الطرق للوصول بسورية إلى الضفة الأخرى.. فإذا كانت حكومة وحدة وطنية ستقود المرحلة الانتقالية فأية صلاحيات تحتاجها هذه الحكومة؟ وبالتالي أي الوزارات ستكون سيادية وأيها لن تكون؟

من جهة أخرى فإن تعريفاً لدور الجيش العربي السوري كمؤسسة وطنية جامعة يجب أن تعاد صياغته على أساس تحديد وظيفته وحدودها، إلى جانب ترميم وإعادة تأهيل ما تضرر من مؤسساته خلال الأزمة.. وفيما يخص الأجهزة الأمنية، فإن من مهمات المرحلة الانتقالية إعادة هيكلتها وتحديد دورها وصلاحياتها وتبعيتها وآليات محاسبتها..

تفرض فكرة المرحلة الانتقالية على مسلحي الطرفين وتحديداً حملة السلاح غير الشرعي من المعارضة أو من ميليشيات قوى الفساد، تفرض عليهم التخلي عن سلاحهم دون التخلي عن أهدافهم السياسية، فلهم الحق في طرح ما يريدون في السياسة بالوسائل السلمية ما دام الشعب السوري هو الحكم النهائي.. 

إن الدور الوظيفي للحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات يجب أن ينعكس في بيانها الوزاري عبر أهدافه وأدواته والآجال الزمنية التي يحددها، لأن المرحلة الانتقالية وإن كانت قد فرضتها الضرورة فإن ما يجعل منها سورية خالصة هو أن نحدد إلى أين ستنتقل بنا.. أي أن أوسع نضال سياسي يجب أن يخاض لتحديد وجهة سورية اللاحقة، نضال يجمع في برنامج مكتمل الجانب الوطني إلى الجانب الديمقراطي إلى الجانب الاقتصادي الاجتماعي..

إن الفرصة التي أمنها ظرف التوازن الدولي، الفرصة التي دفع الشعب السوري ثمنها غالياً، فرصة التغيير الوطني الجذري الشامل، الاقتصادي الاجتماعي السياسي الديمقراطي، بأقل وزن ممكن للتأثيرات الخارجية من حيث المحصلة، هي فرصة لم تحصل عليها العديد من شعوب الدول النامية طوال عقود خلت، ولذلك فإن على جميع الوطنيين في سورية وفي مقدمتهم جماهير السوريين التي لم تدخل معترك العمل السياسي بصيغته المنظمة بعد، أن يستثمروا هذه الفرصة وهذه الإمكانية لتحويلها إلى واقع..