التهرب الضريبي.. الفساد الأكبر في القطاع الخاص!
اعتُبر ابن خلدون أول من أسس علم الاجتماع، وذلك بعد أن ألّف مقدمته الشهيرة التي تصدى فيها لظاهرة الفساد في الدولة والمجتمع، ودورها في انحلال الدول وانهيارها، و كم كان دقيقاً في بحثه واستنتاجه، وكم تمتلك أفكاره من قدرة على الحياة والاستمرار، إذ أنّه درس هذه الظاهرة في المجتمع، ورصد مظاهرها، وحلّل عواملها الاقتصادية بالدرجة الأولى، دون أن يغفل العوامل الأخرى، ووجد أنّ (الفساد مؤذن بخراب الدولة)، وأكّد أن الدول تتفسخ وتنهار بسبب استشراء الفساد المتنوع المجالات والأشكال، والعجز عن محاربته، ورأى أن القائمين على الدولة في مختلف الميادين هم منبع الفساد، وأن القوانين التي يسنّونها والقرارات التي يتخذونها انطلاقاً من مصالحهم، تؤدي إلى انتشار الفساد واستشرائه، كما أشار ابن خلدون إشارةً واضحة إلى أنّ انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، كما ويدفع بالمنتجين إلى التذمر والضيق، لأنهم يرون أن قسماً كبيراً من جهدهم ينهب منهم دون وجه حق. وقام ابن خلدون برصد أثر ذلك كله على موقف الناس من السلطة، ملاحظاً أنّه بداية لشرخ يؤدي إلى انهيار الدولة.
إنّ الانهيار، حسب ما أكّده ابن خلدون، لا يصيب الحاكمين فقط، ولا يؤدي إلى استبدال سلطة بأخرى، بل إنه يدمر الدولة كلها، أي يدمر المجتمع اقتصادياً، وسياسياً وثقافياً.
ليست المسألة إذاً مسألة حكومة فاسدة تنهار أو تزول، لتحل محلها حكومة ربما تكون أكثر فساداً، بل هي مسألة مصير مجتمع بأسره، ومصير وطن كامل يدفع نحو شفير الهاوية، إن لم تتم المبادرة لاستئصال الفساد، باعتباره خطراً محدقاً، إن لم تتمّ مواجهته بموقفٍ حازمٍ وحاسم، دخل المجتمع في حالة من الضياع وفقدان التوازن، ثمّ الانهيار في نهاية المطاف.
والمشكلة أن ما يعانيه مجتمعنا السوري من فساد غير مسبوق قد بات مسألة غير قابلة للتجاهل على الإطلاق، خصوصا إذا علمنا أن هذا الفساد ينهب ما يقارب 30% من الناتج المحلي السوري، الذي يتراوح بين 2،5 إلى 2،8 ترليون ليرة سورية، أي أن هناك ما بين 700 إلى 800 مليار ليرة تذهب إلى جيوب الفاسدين، الذين يخرجون هذه المبالغ ويهربونها إلى خارج البلاد، ولكن هذا النهب هو أحد مجالات الفساد وليس المجال الوحيد، وهو مجالٌ تركز على نهب مفاصل الدولة في قطاعها العام والإداري، فماذا عن الفساد المستشري في القطاع الخاص أيضا؟ وقد يتساءل البعض: وهل يوجد فساد في القطاع الخاصّ؟ وما هي أشكاله؟ لنجيب مباشرة ونقول: نعم الفساد منتشر في هذا القطاع، ويتبدى من خلال التهرب الضريبي المستشري فيه، وهذا الفساد لا يقل خطورة في حجمه واتساعه عن الفساد الذي أشرنا إليه آنفا وأحد أسبابه هو ضعف التشريعات والقوانين في مكافحة التهرب الضريبي وفساد الجهات الوصائية، التي يقع عليها جباية الأموال الناجمة عن تأدية الضرائب المفروضة على الدخول والأرباح بموجب القانون.
التزام القطاع العام وأصحاب الدخل المحدود
بدفع ما يتوجب عليهم من ضرائب
لابد بداية من أن نشير إلى قضية هامة في هذا المجال، وهي أن القطاع العام يؤدي ما يتوجب عليه من الضرائب لخزينة الدولة دون تأخر أو نقصان، بالرغم مما أصابه من خلل وتخسير، وضعف أو انعدام الاستثمارات التي كان يتوجب ضخها في هياكله، وخصوصا المنتجة منها. وحتى نبين حجم التهرب الضريبي الذي يرتكبه القطاع الخاص، لا بد من الإشارة إلى التزام ذوي الدخل المحدود أيضا بدفع ما يتوجب عليهم من ضرائب دون نقصان.
وإليكم القاعدة التي إن حفظها أي موظف أو عامل لدى جهاز الدولة، أصبح قادراً على حساب راتبه إن كان عارفا براتبه المقطوع:
بعد الزيادة الأخيرة للرواتب والأجور الحاصلة بموجب المرسوم التشريعي رقم 40 للعام 2011، أصبحت الرواتب المقطوعة للعاملين حسب الشكل التالي:
من هذا الجدول يتبيّن أنّ أجر بدء التعيين في الفئة الخامسة أصبح 9765 ل.س، وسقفه للفئة الأولى أضحى 38800 ل.س، أما الضرائب التي يدفعها العاملون فهي التالية:
1 – حسم 7 % من الراتب المقطوع لصالح مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو مؤسسة التأمين والمعاشات.
2 – حسم ضريبة الدخل وتحتسب بموجب المرسوم التشريعي رقم 42 لعام 2011 كما يلي : مبلغ 10000 ليرة الأولى معفاة من الضريبة، وضريبة 5% عن الخمسة آلاف الأولى التي بعدها، و7% عن الخمسة آلاف الثانية، و9% عن الثالثة، و11% عن الرابعة، و13% عن الخامسة، و16% عن السادسة. وبالتالي فإن أقل راتب وهو 9765 حسب الجدول الجديد، يكون معفىً كله من الضريبة ويدفع أعلى راتب وهو 38800 مبلغا وقدره 2608 ل.س شهريا وحوالي 32000 ل.س سنوياً كضريبة على الدخل، يضاف إليها نسبة تبلغ نحو 2% أو أكثر أو أقل، كاشتراكات في النقابات التي ينتمي إليها العامل، وهكذا يتبدى أن العاملين في الدولة يدفعون ما يتوجب عليهم من ضرائب كاملة دون نقصان، فماذا عن المكلفين الآخرين وخاصة من ذوي الدخل غير المحدود.
أشكال التهرب الضريبي وأحجامه الهائلة في القطاع الخاص
للتهرب الضريبي الذي يمارسه القطاع الخاص أشكال كثيرة، منها مثلا التهرب عن دفع فواتير المياه والكهرباء عن طريق السرقة، والتمنع عن دفع ما يتوجب على هذا القطاع من أقساط للتأمينات الاجتماعية، ولكن هناك ثلاثة أشكال أساسية يمارسها القطاع الخاص في هذا المجال، توفر عليه ملايين الليرات، علاوة على مئات الملايين التي يربحها، وهذا وضع شامل، بحيث نستطيع الجزم بأنه لا تستثنى منه أية منشأة للقطاع الخاص لا تقوم بتأدية ما يتوجب عليها من ضرائب وفق القوانين السارية حاليا، اللهم إلا ما حالات شاذة نادرة، ويجب الانتباه إلى أن الحديث هنا يجري عن الشركات والمعامل التي يتجاوز عدد عمالها 15 عاملا فأكثر، وليس عن المنشآت الصغرى، أو الورش، والتي يمكن إدراجها في خانة أصحاب الدخل المحدود، وهذه الأشكال هي:
1 – التهرب من تسديد الضرائب الجمركية على مدخلات الإنتاج، أو على أجزاء منه:
وهذا التهرب يتنوع ويختلف من منشأة إلى أخرى، حسب اختلاف منتجاتها. فعلى سبيل المثال، تقوم شركات الألبسة بتهريب بعض أنواع القماش التي تدخل في عملية الإنتاج، فتتخلص من المبالغ التي ستضطر لدفعها كضريبة جمركية على هذه الأقمشة فيما لو تم استيرادها بشكل نظامي، والتي قد تصل أحيانا إلى 75% من قيمتها الحقيقية، لتدفع بدلا عنها مبالغ أقل للمهرِّب الذي يؤمن هذا القماش للمعمل. أو أن تقوم بتصنيع جزء من إنتاجها وأحيانا كل إنتاجها في بلد آخر مجاور أو بعيد، لتدخل هذا الإنتاج تهريبا إلى الأراضي السورية، ثمّ تقوم فيما بعد بعرضه للبيع في الأسواق الداخلية كمنتج سوري. وهذا ينطبق على الشركات الأخرى حسب المجال الذي تمارسه، وهذا التهرب فساد يصيب الخزينة العامة بأضرار وخسارات فادحة مقابل بعض المبالغ التي يستفيد منها المهربون والفاسدون في جهاز الجمارك، والذين يسهّلون عملية التهريب.
2 – التهرب من تسديد ما يتوجب من أقساط لمؤسسة التأمينات الاجتماعية:
تمارس شركات القطاع الخاص هذا النوع من التهرب، مع استثناءات قليلة لا تذكر، وهي تقوم بذلك أحياناً بعلم مندوبي المؤسسة، الذين يتوجب عليهم عند حضورهم إلى أية منشأة خاصة، أن يحافظوا على حقوق العمال العاملين فيها، لا أن يقفوا في صفّ صاحب العمل، الذي يرى أن الاشتراك بالتأمينات الاجتماعية هو ضريبة مجبر على دفعها، دون الاستفادة منها بحسب اعتقاده. وهذا التهرب له عدة أشكال أيضا، الأول يتمحور حول عدم قيام رب عمل بتنسيب كامل عماله للمؤسسة، بل جزء يسير منهم فقط، فيلجأ إلى تهريب الباقي منهم وإبعادهم عن أنظار مفتشي التأمين أثناء زياراتهم الدورية إلى المنشآت والمعامل بحجة الخوف من قيام صاحب العمل بتسريحهم والاستغناء عنهم، والثاني يتمحور في أنه حتى هؤلاء المحظوظين بالاشتراك بالمؤسسة، لا يشتركون بكامل رواتبهم وأجورهم التي يتقاضونها، بل بجزء يسير منها فحسب، ولذلك لا يجد رب العمل حرجاً في إعفاء عماله من دفع ما يتوجب عليهم لقاء اشتراكهم وهو 7% من أجرهم، مع ما يتوجب عليه لقاء ذلك وهو 14% من الأجر، فيتحمل وحده دفع نسبة 21% من الأجر المشترك به، ولكم أن تتخيلوا حجم المبالغ التي يوفرها جراء ذلك، وهذا فساد يضر العاملين غصباً عنهم، كما يصيب مؤسسة التأمينات الاجتماعية، بحيث أن هذه الاشتراكات تعتبر زهيدة جداً قياساً للدور الذي تقوم به المؤسسة تجاه ذلك، والعبء المادي الذي تتحمله لقاء هذا الاشتراك التأميني.
3 – التهرب من تسديد ما يتوجب عليه من الضرائب على الدخل التي يفرضها القانون رقم 24 للعام 2003:
فهذا القانون فرض ضريبة على الربح الصافي الذي يتألف من مجموع الإيرادات الإجمالية لأعمال المكلف الخاضعة لهذه الضريبة على اختلاف أنواعها، بعد أن تحسم منها الأعباء والنفقات التي تقتضيها ممارسة هذه الأعمال، أو التي تلازم نوع العمل.
وحسب نص المادة /16/ من القانون رقم 24 للعام 2003، فإنه تطرح الضريبة على الأرباح الصافية بحسب النسب الآتية، بما في ذلك إضافات الدفاع الوطني ورسوم المدارس وحصة البلدية، والمساهمة في المجهود الحربي عدا الإدارة المحلية:
(أ) 10 % عن جزء الربح الصافي الواقع بين الحد الأدنى المعفى، وحتى 200000 ليرة سورية. «والحد الأدنى المعفى هو 25000 ل.س».
15 % عن جزء الربح الصافي الذي يتجاوز 200000 ل.س، وحتى 400000 ل.س.
20 % عن جزء الربح الصافي الذي يتجاوز 400000 ل.س وحتى 700000 ل.س.
23 % عن جزء الربح الصافي الذي يتجاوز700000 ل.س وحتى 1000000 ل.س.
26 % عن جزء الربح الصافي الذي يتجاوز 1000000 ل.س وحتى 2000000 ل.س.
29 % عن جزء الربح الصافي الذي يتجاوز 2000000 ل.س وحتى 3000000 ل.س.
35 % عن جزء الربح الصافي الذي يتجاوز ثلاثة ملايين ليرة سورية.
(ب) تطرح ضريبة الدخل على الأرباح الصافية التي تحققها الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها على الاكتتاب العام بنسبة لا تقل عن«50%» في القطاعين الخاص والمشترك، والتي مركزها الرئيسي في الجمهورية العربية السورية عن جميع نشاطاتها بمعدل /20/ بالمائة بما فيها المساهمة في المجهود الحربي، وتستثنى من الإضافة لمصلحة الإدارة المحلية، كما تطرح ضريبة الدخل على الأرباح الصافية التي تحققها الشركات المساهمة الصناعية والشركات الصناعية ذات المسؤولية المحدودة التي تتجاوز قيمة الآلات المستخدمة فيها للعمل الصناعي مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية، حسب التقدير المالي المعتمد في استيفاء ضريبة ريع العقارات والتي مركزها الرئيسي في الجمهورية العربية السورية في القطاعين الخاص والمشترك عن جميع نشاطاتها بمعدل /25/ بالمائة، بما فيها المساهمة في المجهود الحربي عدا إضافة الإدارة المحلية ويجوز رفع المبلغ المذكور بقرار من مجلس الوزراء.
(ج) تطبق المعدلات الضريبية المقررة بالمادة /16/ من هذا القانون والحد الأدنى المعفى المقرر في المادة /20/ منه على التكاليف العائدة لأعمال سنة نفاذ هذا القانون وما بعد، أما بالنسبة للمكلفين الذين عدلت سنوات تكليفهم على أساس موسمي فتطبق عليهم المعدلات المذكورة على أرباح أعمال السنة الموسمية التي تبدأ خلال سنة نفاذ هذا القانون وما بعد.
وقد نص القانون بمادته السادسة على ما يلي:
آ - على كل مكلف أن يمسك قيوداً محاسبية منتظمة وكاملة تظهر نتائجه الحقيقية. ب - يجوز لوزير المالية إصدار قرار يحدد به القواعد المحاسبية المعتمدة لتحديد النتائج الصافية .
إن التهرب الضريبي يبدأ هنا بمخالفة نص المادة 6 السابقة الذكر، حيث يقوم المكلف بإخفاء القيود المحاسبية المنتظمة والكاملة، ويقدم بدلا منها قيودا وهمية مزورة لا تعبر عن نتائج عمله الحقيقية، وغالبا ما تخفض الأرباح المحققة إلى أكثر من 50%، أو يظهرها بأنها خاسرة وبهذا العمل فإنه يتهرب مبدئيا من أكثر من 50% من حجم الضريبة الواجب عليه دفعها، أو يتخلص منها نهائيا، طبعا هذا العمل لا يمر بدون دفع رشاوى تذهب لجيوب الموظفين الماليين، الذين يجب عليهم أن يطلعوا على الميزانية المقدمة لتقدير حجم الضريبة الواجب فرضها، ولو بقي الأمر كذلك لهان الأمر، فلا يكتفي المكلف بالمبالغ التي تهرب من دفعها بل يتابع بتقديم الرشاوى حتى تقوم الجهات الوصائية المالية بتخفيض حجم الضريبة، الذي قد يصل إلى النصف أو حتى أقل في أحيان كثيرة، ولكم أن تتخيلوا حجم المبالغ الهائلة أيضا التي يقوم القطاع الخاص بالتهرب من دفعها لخزينة الدولة، في حين أن ذوي الدخل المحدود يدفعون كامل ما يترتب عليهم لخزينة الدولة دون نقصان وبرضا كامل، والمشكلة الكبرى هي عدم توفر إحصائيات وأرقام دقيقة عن حجم هذا التهرب الضريبي، وإذا علمنا أن الناتج المحلي يقسم إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما، الأول وهو الأرباح، ويحوز على 80% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، والثاني وهو الأجور ويحوز على 20% من الناتج المحلي، لعرفنا كم هو هائل وضخم حجم التهرب الضريبي الذي يقوم به القطاع الخاص، وكم هو حجم العناء والضنك والضيق الذي يعاني منه شعبنا المكافح، وكأن واقعه يقول «لا برحمك ولا بترك رحمة الله تنزل عليك»، أضف إلى كل ذلك استخدام أساليب التدليس والغش وسرقة جهود العمال واستحقاقاتهم، مثل الامتناع عن صرف جزء الشهر الذي يترك فيه العامل، وما أكثر التاركين، والامتناع عن دفع مكافآت نهاية الخدمة للعمال المفصولين عن العمل بدون أسباب جدية، وذلك بسبب عدم ثبات العمالة في هذا القطاع. أضف إلى ذلك شفط حق العامل ببدل الإجازات السنوية وإلزام العمال بالعمل الإضافي حتى في أيام الجمع بنفس أجر العمل العادي وحسم يوم الغياب الواحد بما يعادل أجر يومين أو ثلاثة مهما كان سبب هذا الغياب، مبرر أو غير مبرر.
الفساد ليس له إلا دور واحد
هو تدمير الدولة والمجتمع
نستطيع القول، أن الفاسد لا يمكن أن يكون وطنياً مخلصاً صادقاً، لأنه ينطلق في سلوكه ومواقفه من مصالحه الخاصة، ويقدمها على مصالح الوطن والشعب، ويجري وراءها بمختلف الوسائل، فيلتفُّ على القوانين، أو يسعى إلى إصدار قوانين تمكنه من الربح، حتى لو ألحقت الأذى بعامة الناس وأدت إلى إضعاف الوطن، وهذا ينطبق على من سنّوا قانون العمل الذي صدر مؤخرا تحت ستار تحفيز الاستثمارات، ولو كان على حساب الطبقة العاملة، وتنكروا لقاعدة أساسية عند سن القوانين والتي تقول أنّ (ما لا يحق أخذه لا يحق إعطاؤه)، بمعنى أن حق العامل في العمل حق صانه الدستور، فلا يجوز أخذه منه وإعطاؤه لرب العمل، بحيث يستطيع ركله خارج العمل، وتسريحه تسريحا تعسفيا متى شاء، ودون إبداء أية أسباب تبرره. إن الفساد حين يتراكم ويتفاقم، ليس له إلا دور واحد، هو تدمير الدولة والمجتمع، كما أكد ابن خلدون؟
أليس حريا بنا أن نقوم ونقف وقفة رجل واحد من أجل بتر هذا السرطان الذي عشش في مجتمعنا، حتى بات يهدده بقاءه واستمراره، ويضع العصي بين العجلات ليفرمل تقدمنا وخلاص شعبنا، أم أن الفساد أضحى قدرا لا خلاص منه، وأنه لابد من التأقلم معه؟ وأخيرا أفلا ندرك أن ابن خلدون ما يزال معاصراً إلى حد كبير، وأن استلهام (دروسه) عن الفساد وغيره مفيد لنا في نضالنا لإنقاذ مجتمعنا وحماية وطننا ومتابعة السير نحو المستقبل المعلوم وليس المجهول، إن الفساد والمفسدين يهينون الكرامات ويجعلون من المال ربا ووطنا ومآلا، لذلك أضحى بترهم واستئصالهم ضرورة موضوعية وذاتية للحفاظ على كرامة الوطن وكرامة المواطن؟