ملف الفساد في المصالح العقارية مرة أخرى.. يجب الالتزام بالقوانين للوصول إلى الحقيقة.. والعدالة!

سبق لـ«قاسيون» أن تابعت في أكثر من مناسبة (ملف الفساد في المصالح العقارية)، وآخر ما حررته في هذا الإطار التلكؤ والمماطلة الجاريين في إجراءات محاكمة الموقوفين.. وحرصاً منا  على متابعة القضية، وصوناً لمصداقية كلمتنا، نبين ما يلي:

نصت المادة /25/ من الدستور على ما يلي:

إن الحرية حق مقدس، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.

سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.

ومن المبادئ البديهية للدستور والقانون السوري:

التقاضي وحق الدفاع يضمنه القانون ولا يجوز الانتقاص منه طالما أنه يتعلق بحرية المدعى عليه.

المتهم بريء حتى تثبت إدانته وفقاً للمادة /28/ من الدستور.

واقع الملف

لم يأخذ هذا الملف حقه في إجراءات التقاضي وفقاً للأصول القانونية الواجب اتباعها، إذ أنّ جميع المتهمين تم توقيفهم والتحقيق معهم من جانب جهة أمنية، وظلّوا موقوفين لدى هذه الجهة ما يقارب الخمسة أشهر، وخلال هذه الفترة أخذت منهم اعترافات (ونعلم جميعنا الطريقة التي يتم بها ذلك)، وألزموا بالتوقيع على تلك الاعترافات وهم مغمضو العينين.

وكما ذكرنا سابقاً أحيلت هذه الاعترافات بتقرير إلى قاضي التحقيق، وقد اكتفى القاضي المذكور بهذا التقرير، علماً بأنّ تلك الاعترافات «مطبوعة وليست بخط يد المتهم»، وجرى استجواب كل موقوف مدة دقيقة أو دقيقتين، ولم يجلب أي دليل إدانة أو براءة، بل أبقى الإضبارة عنده لأكثر من ستة أشهر وفقاً لتوجيهات أمنية، ولم يحرك ساكناً فيها، وكذلك فعل قاضي الإحالة الذي أصدر قراره وقلبه يقطر دماً لأنه غير مقتنع بما يكتبه كون هذه الإضبارة تحت المجهر.. ولكنه كان أكثر جرأةً، إذ اعترف صراحة أن هذا الملف أمني وليس قضائياً، وقام كلا القاضيين بتوجيه اتهامات للموقوفين أكثر من تلك التي وردت بالتقرير الأمني، فمن أين أتيا بها؟؟.

ووصلنا أخيراً إلى قاضي محكمة الجنايات، ولا نقول هيئة محكمة الجنايات، حيث أن المستشارين في هذه المحكمة ليس لديهم أي دور، وخاصة في هذه الدعوى.. وكلما راجعهم الأهالي يقولون لا نعرف شيئاً فالموضوع عند رئيس المحكمة.

وبعد مراجعة ذوي الموقوفين لعدة جهات، من المحامي العام، إلى وزير العدل، إلى رئاسة مجلس الوزراء، وإلى القصر الجمهوري، ثم إرسال كتاب إلى السيد رئيس الجمهورية، تحرك الملف وبدأ القاضي بإجراءات الدعوى..

واقع جلسات المحاكمة

لم تشهد  المحاكم السورية مثل هذه الإجراءات من قبل حتى عندما كانت محاكم الأمن الاقتصادي موجودة، فالمحكمة كافحت الفساد بالفساد.

إن الاتهام في ملف العقارية، أو ما أطلق عليه (ملف الفساد) ما هو إلا تجييرٌ للمسؤولية، حيث أن أملاك الدولة ليست من اختصاص المديرية العامة للمصالح العقارية، بل هي مسؤولية وزارة الزراعة ومديرية أملاك الدولة، وهي المديرية المختصة بتأجير الأملاك وتوزيعها وتخصيصها.

حركت النيابة العامة إدعاءها على الموقوفين من دون أي دليل اتهام بحقهم سوى الضبط الأمني، خلافاً للأصول القانونية. فهل هناك من يحاسب هذه النيابة على مسؤوليتها؟ أم أن حرية الأشخاص واتهامهم وزجّهم في السجون أقلّ شأناً من البحث عن دليل اتهام؟

تتم الجلسات في هذه المحاكمة بحضور الموقوفين (54 موقوفاً)، وبحضور ما يقارب العدد نفسه من رجال الشرطة، داخل قاعة مغلقة يمنع أن يدخل إليها أحد، وحتى المحامين يتم إدخالهم واحداً تلو الأخر، أي يخرج الأول ليدخل الثاني وهكذا..

فأين المحاكمة العلنية؟ وما هي الغاية من هذا الإجراء، الذي وصل حدّاً منع فيه حتى المحامين من دخول القاعة في إحدى الجلسات..

إخلاءات السبيل

صرح رئيس محكمة الجنايات علانية أمام الموقوفين والمحامين: «أنا مقيد اليد بإخلاء السبيل لكني مطلق اليد بالحكم». وجاء تصريحه هذا رداً على مطالبة الموقوفين وأهاليهم بإخلاء سبيلهم.

والسؤال هنا هل الذي لا يملك القليل يملك الكثير؟؟؟

ولابد أن نذكّر هنا بنص المادة /133/ من الدستور والتي تنص على:

القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.

شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم.

أين استقلالية القضاء المنصوص عنها في الدستور في ضوء تصريح القاضي «أنا مقيد اليد بإخلاءات السبيل»؟

وإلى الآن تم إخلاء سبيل ما يقارب /20/ موقوفاً فقط ولكن السؤال الكبير هنا: إلى ماذا استند هذا القاضي في إخلاءات السبيل؟ فالاختيار إما عشوائي (حكرة بكرة) أو واسطات ومحسوبيات أو «وحي ينزل عليه من جهة ما».

فمثلاً إذا استند إلى مدة التوقيف فهناك أشخاص مازالوا موقوفين منذ عامين كاملين، بينما تم إخلاء سبيل من قضى مدة سنة أو سنة وثلاثة أشهر وهو موقوف!!!

وإذا استند إلى التهم المنسوبة غليهم فهناك من لم يخل سبيلهم وتهمته أقل ممن تم إخلاء سبيله!!!

وغذا استند إلى الاثنتين معاً أي المدة والجرم فهناك من الموقوفين من هم أصحاب المدة الأطول والتهمة الأخف!!!

هذا كله مع التحفظ ومع ملاحظة أن جميع هؤلاء المتهمين (المخلى سبيلهم والموقوفين) لم يتم التحقيق معهم وفقاً للأصول القانونية، لا أمام قاضي التحقيق، ولا أمام قاضي الإحالة، ولا أمام محكمة الجنايات، حيث أن رئيس محكمة الجنايات قد صرّح بأنه سيستعجل بالجلسات كي ينتهي من هذا الملف ويصل به إلى الحكم كونه (وجّع راسو).

ولكن هذا الاستعجال على حساب المتهمين.

يطالب ذوو الموقوفين بإخلاء سبيلهم جميعاً والموافقة على طلبات جميع المتهمين عن شهود وخبرات وأدلة ووثائق تثبت براءتهم مما نسب إليهم إن وجدت، وفي حال عدم قيام الدليل على هذه البراءة، فلتصدر عندها أحكام عادلة بحقهم.

وبما أن القاضي يصرح دائماً بأن «إخلاء السبيل يتم حسب قناعتي»، (وقناعته ليست مرتكزة على أسس قانونية). فالتخوف الأعظم الآن أن يطلق أحكامه حسب تلك القناعة!

فهل من المعقول أن (تطبش الشربة براس كم واحد)، بينما المذنبون الحقيقيون في الخارج يسرحون ويمرحون.. ونقصد هنا الأشخاص الذين يتم توقيفهم أصلاً، فهذا الملف منذ البداية يتعلق بأملاك الدولة وموظفيها الذين أخلي سبيلهم من جانب الجهة الأمنية، ولم تتم إحالتهم للقضاء أسوة بالعاملين في المصالح العقارية؟

بل نُظِّم ملف للمصالح العقارية بحجة مكافحة الفساد، وتم توقيف رؤساء مكاتب توثيق عقاري، وخبراء فنيين، وقضاة عقاريين وغيرهم ممن لا علاقة لهم بالمصالح العقارية لا من قريب ولا من بعيد، وشكل ملف باسم (ملف الفساد في المصالح العقارية) فيه /102/ متهم منهم /54/ موقوفاً أخلي سبيل بعضهم عشوائياً والباقي ينتظر فرج رب العالمين.

«اعتبارات» إخلاءات السبيل

راجعت مؤخراً زوجة الموقوف (أ.أ) القاضي، وطالبت بإخلاء سبيل زوجها أسوة ببعض المخلى سبيلهم، فسوَّد الدنيا بعينها، وقال لها (زوجك بكير عليه) وفتح الملف الذي بحوزته، وأشار إلى اسم زوجها وقال لها: (شوفي زوجك شو عامل فهو مرتشي من فلان وقدم رشوة لفلان وأعطى فلان كذا، وتطالبين بإخلاء سبيله، روحي وقبل شهر لا تراجعيني). وفجأة، وفي اليوم التالي وبعد أن أتاه الوحي من جهة ما!! تم إخلاء سبيل هذا الزوج الراشي والمرتشي (بحسب قول القاضي) مع ثلاثة غيره.

وكذلك راجعه شقيق الموقوف (م.د) فقال له الكلام نفسه: (أخوك عمل كذا وكذا وهو من قام بكذا وكذا وإخلاء سبيله لسه بكير عليه).  وبعد عودة هذا الشقيق مكسور الخاطر وفي الطريق إلى بيته أتاه هاتف من القصر العدلي بأنه تم إخلاء سبيل شقيقه مع أربعة آخرين، فكيف نفسر هذا التناقض؟

حتى أنه قبل يومين من الجلسة الأخيرة في 14/4/2011 راجعته زوجة الموقوف (م.م) مثل كثيرات غيرها، لكنها خرجت من عنده باكية كونه سدّ أبواب الفرج في وجهها وقال كلمته الشهيرة: (لسه بكير عليه) كون زوجك عمل كذا وكذا وهناك أولى منه.

وبعد أن تمت الجلسة وعاد الموقوفون إلى عدرا وهم يجرون أذيال الخيبة بإخلاءات السبيل، وقبل نهاية الدوام خرج الكاتب ومعه ورقة بأسماء الذين تم إخلاء سبيلهم، فكان من بينهم اسم الموقوف (م.م)!.

وفي إحدى الجلسات رفع الموقوف (ن.و) يده ليدافع عن نفسه، فقال له القاضي (أنت ما في داعي تحكي شغلتك كلها سطر)، وإلى الآن لم يستطع على ما يبدو قراءة هذا السطر، فهو مازال موقوفاً منذ سنة وثمانية أشهر.

وقال أيضاً في مكتبه للموقوف (ح.ب) بحضور زوجته (الله يظلم يلي ظلمك أنا ما دخلني).

كلمة أخيرة

تفرض القوانين إطلاق سراح جميع الموقوفين كي يقدموا ما لديهم من وثائق وإثباتات تثبت براءتهم إن وجدت، والتروي بإصدار الأحكام بحقهم ويكفي ما انتهك حتى الآن من نصوص للدستور والقانون.. وقد آن الأوان كي يحصل الموقوفون على حقهم بالحرية والعدالة الذي ضمنه لهم الدستور.