الوقت السوري «من دم»..!!
يتسارع العمل مؤخراً على جملة من «مؤتمرات المعارضة» وفي مقدمتها القاهرة والرياض وغيرهما. ورغم التمايزات العديدة بين هذه المؤتمرات، إلا أنها تشترك بالمسائل التالية:
أولاً: تشكل مؤشراً على اقتناع دول إقليمية مختلفة بأن الحل السياسي القادم في سورية هو قدر ينبغي التعامل معه. وهنا لا ينبغي بطبيعة الحال وضع إشارات مساواة في نوايا العواصم والمدن المختلفة المضيفة لاجتماعات «المعارضة» أو «المعارضة- نظام» تجاه الحل ومساراته. فمثلاً، في حين تدفع القاهرة باتجاه الحل السياسي المحافظ من حيث المبدأ على وحدة سورية وسيادتها أرضاً وشعباً، فإن الرياض تحاول الدفع باتجاه عرقلة هذا الحل أو تفصيله على قياسها، وصولاً إلى حد المغامرة بتفتيت سورية، بينما تكتفي الأستانة محرجة بطلب عدد من مجموعات المعارضة السورية بتقديم مساحة سياسية لهم، مع تأكيدها على عدم التعارض مع مسار موسكو-جنيف.
ثانياً: في الوقت الذي يقدم فيه دعاة هذه المؤتمرات من المعارضين السوريين مؤتمراتهم باعتبارها فرصةً ومحاولة لـ«تجميع» المعارضة السورية و«توحيد» رؤاها- وهو أمر ضروري ومطلوب في كل الأحوال، من أجل حل الأزمة وإنهاء الكارثة السورية سريعاً- فإنّها جميعها قد أظهرت، وانطلاقاً من تحضيراتها الأولية، قدراً عالياً من الإقصائية والانتقائية والتفرد بما يؤكد استمرارها ضمن عقلية «الحزب القائد»، وذلك خلافاً لاجتماعات موسكو التشاورية التي فتحت الباب للجميع، ودون أية استثناءات أو إملاءات أو شروط مسبّقة، بما يعكس بالمحصلة الجدية الروسية في السعي للوصول إلى حل حقيقي للأزمة السورية.
ثالثاً: وأيضاً خلافاً للقاءات موسكو التي كان فيها وزن هام لقوى المعارضة الداخلية السورية، فإنّ الوزن الأساسي ضمن المؤتمرات الأخرى، وانطلاقاً من تحضيراتها وما تم إعلانه عنها حتى الآن، هو لأقسام وشخصيات من معارضة الخارج لم يعد لها وزن يعتد به في الداخل السوري، ما يجعل الهدف من هذه المؤتمرات هو تحويلها إلى منصةً لإعادة تصدير هذه الشخصيات والتشكيلات وتعويمها، في تكرار لتجربة المجلس، ثم الائتلاف اللذين اعتمدا أساساً على «الاعتراف الدولي»، الأمريكي خاصةً، المباشر أو عبر «الحلفاء»، وليس على الوزن والتأثير الداخليين.
رابعاً: إنّ العمل على تشكيل كيانات جديدة في الخارج، لن يخرج بحال من الأحوال من إطار المحاولات السابقة (مجلس- ائتلاف وغيرهما)، والتي كان هدفها مصادرة تمثيل المعارضة السورية والشعب السوري، وثبت في النهاية أنها تمثل، أكثر ما تمثل، إرادة وأهداف داعميها والمعترفين بها، وبما يسهم في المحصلة في بعثرة صفوف المعارضات السورية التعددية أكثر، وتبديد المساعي الحقيقية لتوحيد جهودها وأطر عملها لمصلحة إنهاء الأزمة والكارثة اللتين يعاني منهما الشعب السوري.
إنّ أولئك الساعين إلى خلق أوزان لأنفسهم بالاستناد إلى مؤتمر هنا أو مؤتمر هناك، إلى دعم هذه الدولة أو تلك، لن يكون لهم وزن جدي مع تقدم العملية السياسية إلا بقدر ما يمثلون من السوريين حقاً، تماماً مثلما لا ينبغي تأييد موقف هذا البلد أو ذاك إلا بمقدار وقوفه مع قضية الشعب السوري حقاً، والمتمثلة اليوم بضرورة وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية، من أجل إنهاء الكارثة الإنسانية وتوحيد صفوف السوريين كلهم في مواجهة الإرهاب، وصولاً إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً.
ودون هذه المحددات، فإنّ أي مؤتمر للمعارضة، أو لقاء، أو تفاوض بين المعارضة والنظام، لن ينتج إلا تأخيراً للحل وتعميقاً للجرح السوري، ولن يكون لأصحابه مستقبل حقيقي، كما لم يكن لسالفاته من مؤتمرات وتشكيلات خارجية، باتت تشاطر كل أمراء الحرب المسؤولية عن تأخير الحل أمام الشعب السوري، الذي بات الوقت بالنسبة إليه «من دم»..!