الخطوة التالية..
بدأت النتائج العملية المترتبة على الجولة الثانية من اجتماع موسكو التشاوري بالظهور حتى قبل انتهائه، وإحدى المؤشرات على ذلك هي دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الخميس 9/4 السيد ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي لسورية إلى «التركيز أكثر على إعادة إطلاق عملية سياسية» لحل الأزمة السورية. إضافة إلى الحراك السياسي الكبير الجاري من حينه، والمتصاعد حتى اللحظة في الاتجاه نفسه نحو «جنيف-3».
إنّ المهمة التي كان اجتماع موسكو معنياً بإنجازها هي: تصحيح الأخطاء التي أدت إلى فشل «جنيف-2» ودفع الأمور باتجاه «جنيف-3»، وهذا ما تم، وهو ما يسمح بالقول إنّ اجتماع موسكو بجولتيه قد أنجز المطلوب منه.
إنّ أخطاء «جنيف-2» تركزت في شكل تمثيل المعارضة، ومدى جدّية الطرفين السوريين في الوصول إلى حل، وطبيعة الحضور الإقليمي. أما اجتماع موسكو فقد أثبت أنّ المعارضة في سورية تعددية ومتنوعة، وقادرة على التوافق فيما بينها، بل وقادرة على الوصول إلى توافقات مع النظام، ما يعني أنّه ليس مبرراً إطلاقاً تأخير إمكانية الحوار، والحل السياسي، خاصة وأنّ القاصي والداني بات يعترف بأنّ لا مخرج إلا بهذا الحل. وبما يخص حضور جميع الدول الإقليمية في المؤتمر القادم فقد بات هذا أيضاً أمراً بحكم المضمون، تحت الضغط الروسي- الصيني وفي ظل التراجع الأمريكي المستمر.
وإذا كان اللقاء التشاوري قد أنجز ما ينبغي له إنجازه، فإنّ على جدول الأعمال اليوم، المهمات التي على «جنيف-3» إنجازها: (إيقاف التدخل الخارجي بشتى أشكاله وأنواعه، وإيقاف العنف، وإطلاق العملية السياسية)، وهي مهام مستعجلة ومصيرية بالنسبة لسورية والشعب السوري.
ما ينبغي الوقوف عنده هو فهم السياق الدولي الذي يجري التحضير ضمنه لمؤتمر «جنيف-3»، ومن ذلك ما يقال عن هذا المؤتمر المزمع عقده، بأنه نتاج «توافق» روسي- أمريكي لحل الأزمة السورية. وليس هذا كلاماً خاطئاً، ولكنه كلام منقوص.
لا شك أنّ الذهاب باتجاه التسويات السياسية في أي وقت من الأوقات، وفي أي نوع من المعارك أو الأزمات، إنما يعبر عن درجة توافق ما. ولكن التوافق هذا يمكن أن يكون توافق المنتصر والمهزوم على شروط وقف الحرب، كما يمكن أن يكون توافق طرفين متكافئين في القوة، على شروط وقف الاصطدام مؤقتاً، لذلك ينبغي أن نفهم أي أنواع هذه «التوافقات» هو الذي يحكم «جنيف-3»..!؟
إنّ لسورية دوراً مفتاحياً في المنطقة كلها، ما يعني أنّ إطفاء حريقها سيعمم عملية إطفاء الحرائق على المنطقة كلها، وما يعني ضمناً ومباشرةً انحسار المشروع الأمريكي القائم على عمليات الإحراق والاستنزاف والتفتيت. وهذه الأمور كلها تقود إلى حقيقة أن انعقاد «جنيف-3» سيكون على أساس «توافق المتقدم مع المتراجع»، إن لم نقل «المنتصر مع الخاسر». وبما أنّ المتقدم هذا هو روسيا، حليف سورية والشعب السوري تاريخياً، فهو فرصة نادرة يمكن فيها وقف التدخل الخارجي حقاً، وينبغي لذلك السعي باتجاه هذه الفرصة بكل عزيمة وثبات، والخروج نهائياً من الغفوة التاريخية، التي لا تزال تهدهد أسرَّة البعض، بأنّ العالم لا يزال كما كان، وبأن أمريكا لا تزال كما كانت.
يشكل مؤتمر «جنيف-3» أيضاً فرصةً هامة لتوحيد جهود الوطنيين السوريين، أينما كانت مواقعهم، وإن عملية توحيد الجهود هذه هي ضرورة وطنية قصوى لا يمكن دونها محاربة الإرهاب جدياً، ولا السير بالبلد أية خطوة إلى الأمام، ولا حتى وقف تراجعه وتقهقره المستمر والمتسارع.