وحدة شعوب الشرق

وحدة شعوب الشرق

تتراكم تعقيدات اللوحة الإقليمية والداخلية بشكل مطرد، وتزداد أهمية التقاط الخط العام لسير الأمور في المرحلة الراهنة. ولتبيّن ذلك الخط ينبغي بداية تجميع الملامح الأساسية للمشهد:

١. إنّ التعطيل الأمريكي للحلول السياسية لملفات عديدة منذ ما بعد «جنيف-2» الخاص بسورية، هو السمة الأساسية للمرحلة، وهذا التعطيل يهدف إلى تسخين الأمور بشكل مستمر عبر خلق الأجواء الملائمة لنمو قوىً مثل تنظيم «داعش» وشبيهاته.
٢. من الواضح أيضاً أنّ واشنطن تتعامل مع المنطقة كلها باعتبارها ساحة عملٍ واحدة، يدلل على ذلك تصاعد اختراق الحدود المتبادلة بين دول المنطقة بدءاً من اختراقها إلى سورية عبر تركيا ثم الأردن، وصولاً إلى اختراقها من وإلى جميع الدول وبشكل خاص بين سورية والعراق.
٣. يظهر أيضاً من جملة الصراعات المتنقلة أنّ الاستهداف الراهن هو توسيع الصدام وأدواته باتجاه نزاع قومي عربي- كردي- فارسي- تركي، مع الحفاظ على أشكال النزاع الأخرى الطائفية والدينية وتعميقها.
٤. العمل على تحويل إيران إلى العدو الرئيسي في المنطقة بدلاً من أمريكا والكيان الصهيوني.
٥. إلقاء عدد كبير من الخرائط الجديدة للمنطقة في التداول، تحضيراً للمرحلة اللاحقة باحتمالاتها المختلفة.
٦. وضمن اللوحة العامة، فإنّ العدوان الصهيوني على غزة الذي جاء عقب فشل المفاوضات، يهدف إلى تطويع الجانب الفلسطيني للقبول بشروط أدنى، تكثيفها هو نزع السلاح الفلسطيني المقاوم في غزة، وذلك باستخدام النفوذ التركي- القطري- السعودي- المصري.
 إنّ هذه المؤشرات والملامح جميعها، والتي تندرج ضمن تنفيذ المخططات الأمريكية، تبيّن أنّ المنطقة التي تضم سورية وفلسطين والعراق وتركيا وإيران، إضافة إلى لبنان والأردن، تعيش مرحلة انعطافية كبرى في تاريخها وفي التاريخ العالمي، ولن تستقر نتائج هذه المرحلة قبل أنّ تستقر نتائج الصراع الجاري. أيّ أنّ الوضع الإقليمي الذي استقرت عليه منطقتنا عقب الحرب العالمية الأولى متمثلاً بسايكس- بيكو ذاهب نحو الانهيار تحت تأثير التناقضات الداخلية والصراع الدولي الجاري، ما يفتح الطريق أمام احتمالين ورغبتين، فإما أن تمضي الرغبة الأمريكية باتجاه مزيد من التفتيت والتقسيم، وإما أن تمضي الأمور باتجاه يخدم شعوب المنطقة جميعها عبر تعاونها وتضامنها.
فما العمل؟
إذا كنا كسوريين، معتادين تاريخياً على عدم الرضوخ لحدود سايكس-بيكو، فإنّ الظرف الراهن يدفعنا أكثر من أي وقت مضى إلى تجاوز هذه الحدود لحل مشكلاتنا، ذلك أنّ مهمة مجابهة قوى التقسيم والتفتيت لم تعد قابلة للتحقيق إلّا عبر وحدة إرادة وعمل شعوب المنطقة وتضامنها عرباً وأكراداً وفرساً وأتراكاً.
وإذا كانت أدوات التقسيم والتفتيت تستند إلى نشر العنف والعسكرة والتعصب القومي والطائفي والديني، بين هذه الشعوب، فإنّ حل مشكلات المنطقة يأتي ضمن طريق معاكس تماماً، يستند إلى الحلول السياسية وحماية جميع القوميات عبر إلغاء كل أنواع سياسات التهميش والإقصاء والعزل، وعبر نزع فتائل الصراعات الطائفية، فلا يوجد حل مكتمل وجدي لأي مسألة أو نزاع معلق ضمن هذه المنطقة بمعزل عن حل المشكلات الأخرى، وما يجري طرحه على أنه حلول لهذه القومية أو تلك، لهذه الدولة أو تلك، ليس إلاّ تعقيداً لتلك المشكلات وزيادة في تأزيمها.
وبكلمة، فإنّ مهمة شعوب هذه المنطقة اليوم، هي إفشال مخططات ومؤامرات عدوها الأمريكي المشترك، عبر تعاونها لرأب الصدوع الوطنية الداخلية ذات الطابع القومي والديني والمذهبي، وهي بالجوهر صدوع ذات أساس اقتصادي- اجتماعي طبقي. أي عبر حلول سياسية وتوافقات داخلية على أساس إحداث التغييرات الضرورية في بنى أنظمتها ودولها بما يضمن مصالح هذه الشعوب منفردة ومجتمعة.
وإذا كان الصراع الجاري في منطقتنا حالياً يعكس، فيما يعكسه، تناقضات داخلية، فإنّه يعكس أيضاً الصراع الدولي الجاري، والذي مضمونه تراجع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ومحاولاتهم الإبقاء على نفوذهم، مما يجعل مهمة وقف التدخل الخارجي وبالتالي وقف العنف، مدخلاً أساسياً في حل المهمة القائمة، وذلك عبر تعاون هذه الشعوب فيما بينها، والذي من شأنه إرغام الولايات المتحدة والغرب على الذهاب نحو الحلول السياسية تحت التهديد المستمر بعزلهم وتقليل وزنهم ضمن المعادلة.