الأزمة السورية والإستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية
كثرت الانتقادات والملاحظات على إستراتيجية وسياسة أوباما المتعلقة بالأزمة السورية، وقيل أنها سياسة بدون أهداف، واعتبرت أنها لا تعتمد إستراتيجية محددة، ونظر إليها البعض بوصفها مواقف سياسية لحظية مرتبكة ومتناقضة، أي أنهم وصفوها بسياسة غير واقعية وأدت إلى تقوية المجموعات المتطرفة وإضعاف المجموعات المسلحة المعتدلة، كما أن ظاهرها السعي إلى حل سياسي على أسس ومعادلات ذاتية لهذه المجموعة أو تلك، ووجد البعض أنها، في الحقيقة، تلوذ بالصمت أو المواقف الفاعلة إزاء كل عامل يؤجج الحرب ويشدد أوارها.
وقد جرى لغط وخلط بين التدخل العسكري من جهة والإبعاد الإستراتيجية لإدارة أوباما، وفي كل الأحوال فإن جوهر سياسة وإستراتيجية تلك الإدارة يتلخص في استمرار الحرب أطول مدة ممكنة وإحداث تدمير نوعي في المستويات الاجتماعية والعسكرية وإنضاج أوضاع تنتهي إلى إنهاء سوريا كدولة موحدة اجتماعياً وجغرافياً، وذلك ما تستند إليه الآراء التي ترى أن هذه الحرب ستستمر قرابة عشر سنوات.
ورغم أن عوامل عديدة كان لها تأثيرها في منع التدخل الخارجي، وخاصة أن غالبية الشعب السوري وقواه الوطنية أعلنت أنها ضد التدخل الأجنبي، إلا أن إدارة أوباما ساعدت على أشكال أخرى للتدخل في الحرب لإطالة أمدها كي تعم الحرب مختلف أرجاء سوريا. ولاذت إدارة أوباما وراء موضوعات واهية، وعبر بعضهم عن ذلك حيث قالوا أن إدارة أوباما تجنح للسلم وإنهاء الحرب و عدم مدها إلى دول أخرى وأضافوا أن سورية ليست العراق أو ليبيا، فهي دولة ضعيفة الموارد، وحقيقة الأمر بعيدة عن ذلك، وهي كامنة في أن الإستراتيجية الأمريكية عامة أخذت تعتمد دعم الحروب الداخلية والسعي المباشر وغير المباشر لإطالة أمدها، وعندما يتعلق الأمر بسوريا فإن التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة يجعلنا، في الوقائع، نقول أن الجوهري في الإستراتيجية إزاء الحرب في سوريا إنما تحدده، أولا وقبل كل شيء، الحكومة الإسرائيلية وغلاة الصهاينة، وتلكم هي الخصوصية التي تستخلص من الوضع الجيوسياسي في المنطقة، وما دامت الأزمة الاجتماعية السياسية في سوريا قد تحولت إلى حرب فإنه من البديهي القول أن الإستراتيجية الإسرائيلية الأميركية تتمركز على إطالة أمدها وجعلها أداة لتحقيق الأهداف القديمة الحديثة للصهيونية والمتعلقة بسوريا ومحيطها العربي قبل كل شيء.
ما دامت الحرب قد بدأت فإن المصالح الجوهرية لإسرائيل كانت تتفق مع تحقيق أوسع تدمير عسكري واقتصادي واجتماعي وجغرافي، ناهيك عن أن الوقائع على الأرض تدل على تزايد أعداد المتحاربين، وما ضير إسرائيل وإدارة أوباما إذا أتى كل المسلمين «سنة» و«شيعة» وتحاربوا على الأراضي السورية بحيث تشمل الحرب كل المدن والبلدات والقرى.
لقد ربطت إسرائيل دورها في المنطقة بتدمير سوريا وتمزيقها ولا ضير إذا تحولت لإمارات أو كانتونات طائفية، فذلك ما حلمت بيه إسرائيل منذ عشرات السنوات، ولا غرابة أن يقال أن إطالة أمد الحرب يؤدي إلى تكوين أفضل وضع على المستوى السوري والعربي يتحول فيه تقسيم سوريا إلى ضرورة سورية وعربية وإقليمية ودولية وبذلك يصبح اللامعقول تاريخيا هو المعقول حالياً، وهكذا تحولت إطالة أمد الحرب إلى ضرورة إسرائيلية وأميركية وتنعكس تفاعلاتها و عقابيلها على المستوى العربي ويتأمن فيها وضع يحول دون نهوض عربي وتطور وتضامن ويؤدي في الأوضاع الإقليمية والدولية إلى تشديد دور إسرائيل تحت عنوان «حماية الدول العربية» وهو دور مماثل لدور الولايات المتحدة في منطقة الخليج وكل ذلك يتطلب تسعير الطائفية في المنطقة، خاصة وأن أوضاع دول إقليمية ليست خارج استخدام الطائفية لتحقيق استراتجيا إقليمية من شأنها تقسيم المنطقة العربية «دولياً وإقليمياً، ولا يتناقض ذلك مع مكونات عالمنا الذي تجاهر فيه كل دولة بمصالحها.
إن بيريس رئيس الكيان الإسرائيلي عبر بوضوح عن تلك الإستراتيجية عندما حدد أن سوريا لن تعود كما كانت عليه، كما أنها لن تعرف الأمن والاستقرار، وذلك ما يمكن وصفة بصوملة سوريا بعد تقسيمها وإنهاء وحدتها الاجتماعية والجغرافية.
أما الخفي الأخر في إستراتيجية الولايات المتحدة فهو تسعير العداء لروسيا الاتحادية في المنطقة ، ومنع قادة الائتلاف المعارض من بحث مستقبل سوريا والمصالح الروسية فيها وإنهاء الاعتماد على الأسلحة الروسية وإضعاف ميول تطوير العلاقات العربية الروسية.
إن مفتاح البدء بدرء الأخطار هو إيقاف الحرب وإنهائها و الانعطاف الجاد والحقيقي نحو حوار وطني شامل يتمثل محوره في سبل وأدوات تحقيق ممارسة الشعب السوري لحقوقه السياسية كاملة والتي هي أساس الحل السياسي، فهل سيبقى الفكر السياسي السوري قاصراً عن دوره في إنقاذ الوطن وإحباط المخططات الإسرائيلية الأمريكية ومن أجل أن تكون سوريا وطناً موحداً مستقلاً.