الخوف والاحتجاجات الشعبية..
.. ذلك زمان مضى، الزمان الذي ساد فيه -وتحت مسميات «الواقعية السياسية»- اعتقاد راسخ بأن الناس أضعف وأقل جرأة من أن تتحرك، وأكثر سلبية وعدمية من أن تشارك في الفعل السياسي وتهتم بالشأن العام. ورغم ذلك فإن أثر هذه العقلية ما يزال منتشراً، ونجده واضحاً عند «المعارضة الخارجية» وغيرها ممن يدعي خوفه على الحركة الوليدة، خوفه من خوف الناس!. ويسعى جهده إلى تثبيت مسمار جحا في حائط التغييرات السياسية ليعودوه الناس كل حين لأن الناس وفقاً لرأيهم لن يجدوا طريقهم إلى الحراك دون ذلك المسمار..
حين يتحدث البعض عن الخوف كمعيق لتطور الحركة الشعبية الناشئة، فإنه ينسب ذلك الخوف وتالياً الإحجام عن الاشتراك في الحراك إلى التعامل الأمني معه والاعتقالات وإلى ما هنالك، ولا شك أن هذا التحليل لا يعدم الصحة لكنه يخفي جانباً لا يجوز بل ومن الخطر إخفاؤه.. ويتمثل ذلك الجانب في أن خوف الناس لا يعني جبنهم وعدم قدرتهم على الإقدام، إنما يعني عدم وضوح مسار ومآلات الحراك، بل وعدم وضوح شعاراته وشكله، فالناس التي لم تنزل إلى الشوارع للاحتجاج هي ذاتها أو أن جزءاً كبيراً منها، هو ذلك الجزء نفسه الذي يحجم عن الاشتراك بانتخابات مجلس الشعب وانتخابات المجالس المحلية وجميع أنواع وأشكال الانتخابات لقناعته الراسخة بعدم جدواها.. وإضافة إلى ذلك فإن نقيض الخوف، أي الشجاعة، لم تكن يوماً مسألة مورثات، ولكنها تبقى على الغالب سمة مكتسبة، وحين ينتقل الحديث إلى مستوى أعلى من الأفراد، أي حين يغدو حديث في الشأن العام حديثاً اجتماعياً فإن عاملاً أكثر أهمية هو الذي يولد الشجاعة، إنه عامل النضج الفكري، نضج الموقف، ويمكن فهم جزء من إحجام الناس على أنه نضج من زاوية قناعتهم بأن لا أحد من الأطراف المتصارعة -أو التي تصور على أنها هي المتصارعة- يمثلها، وهو أي الإحجام من الجانب الآخر، تأخرٌ في نضج الموقف الذي يطهى على نار الأحداث والاصطفافات الوهمية التي على الناس أن تميزها، وهي تحاول ذلك وتنجح يوماً بعد يوم كي تتخذ موقفاً واضحاً تجاه عدو واضح.. وحينها فقط ستكون الحركة الشعبية قطعت الطريق على إمكانيات اغتيالها وتحوير مسارها.