هيكل يأخذنا إلى أعماق المشهد: مصر بحاجة إلى معجزة.. والمهم أن تبقى سورية!
أخذ الأستاذ هيكل بأيدينا إلى أعماق المشهد، فكان الحديث عن الدستور، وأزمته، وما يصح ومالا يصح عندما نبدأ في كتابته، ثم انتقل إلى الملفات الشائكة التي تنتظر الرئيس المقبل لمصر.. وينتظرها هو.وأبحر بنا إلى القضية المثارة حاليا على كل لسان: هل ستكون في مصر دولة دينية؟ وهل يقبل العالم ذلك؟ ألا يمثل قيام دولة دينية على شاطئ المتوسط خطرا كبيرا وعظيما؟.
وبعد ذلك، سنجد تحليلا مستفيضا للعلاقة بين شباب الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وهل كان من الضروري ترديد هتافات من قبيل يسقط حكم العسكر؟ هل هذا يليق؟ وهل أبناء قواتنا المسلحة هم عسكر أم أن هذا مصطلح قبيح لاينطبق علينا هنا في مصر، ويتساءل الأستاذ في نهاية الرحلة- والحوار- هل سيكون علينا أن نصلي طلبا للمعجزة كما يصلون للمطر صلاة استسقاء عند حدوث الجفاف؟
• عفوا يا أستاذ.. أي نوع من المعجزات نحتاجها لاختيار الرئيس ؟!
•• ما هو قادم معقد وبعضه شائك. لذلك قلت إن الرئيس القادم يحتاج فعلا إلى سند من معجزة.إنكم تسألونني عن شكل المعجزة التي أشير إليها، وأعلق النجاح بشرط وجودها.المعجزات تحدث أحيانا عندما تجيء المفاجآت برجل تتفتح مواهبه ومزاياه واستعداده تحت ضغط التجربة، وذلك حدث فعلا لـ «ديجول» عند سقوط فرنسا، فقد استيقظ الرجل فجأة، وإذاً هو المسؤول عن بقاء فرنسا حرة ومقاتلة، وكان بقدر المسؤولية.
مثال آخر هو هاري ترومان الرئيس الأمريكي بعد روزفلت، جاء إلى السلطة مفاجأة بعد وفاة روزفلت، والكل يائس منه، لكن الرجل استيقظت فيه قدرات ومواهب لم يتوقعها أحد.وسؤال المعجزة هو: هل يستطيع واحد من مرشحي الرئاسة أن يفاجئنا ويتحول إلى ترومان آخر لا أعرف!!
هناك أحوال أخرى تحدث فيها المعجزة حين يفهم رجل طبيعة مسؤوليته، وظروف بلده، ذلك رأيته بعيني، وسمعته بأذني من زعيم الهند الكبير جواهر لآل نهرو، فقد سألت نهرو يوماً عن: كيف تقوم الهند من أحوالها التي كنا نعرفها إلى المستقبل الذي يحلم به شعبها؟! وكان رده:أمامنا خيار واحد.الهند أربعمائة مليون إنسان(تضاعفوا الآن3 مرات) يستطرد نهرو: وفي هذه الكتلة الكبيرة10% من القادرين على المستقبل، أي40 مليونا من المواطنين، ومن الضروري أن تتحول هذه الأقلية على المستقبل إلى رافعة تحمل الكتلة الكبيرة غير الجاهزة(90%) إلى أعلى. ويعود نهرو ويكرر لي: مصير الهند معلق بالمعجزة، إما أن تستطيع القلة أن تكون رافعة للكتلة، وإما أن تهوي الكتلة على رأس القلة وتسحقها، وتكون مأساة الهند!!
في مصر شيء مماثل، هناك طلائع على مستوى العصر والمسؤولية، تستطيع أن تكون رافعة للكتلة، فهل يستطيع رئيس مصري جديد أن يوظف الطلائع لخدمة الكتلة، دون تمييز مسبق، ودون استبعاد متعسف معجزة إذا استطاع مرشح رئاسة!!المشكلة هنا أن ظروف مصر وفي غياب أحزاب قادرة على التجدد مثلما كان حزب المؤتمر يقدر على قيادة الجماهير بالثقة فيه، فإن القادرين أنفسهم مهمشون.
هل يستطيع الرئيس مرسي أن يفاجئنا بأن تياره الإسلامي قريب من فكر الشيخ محمد عبده، ومختلف عن فكر الأستاذ سيد قطب؟!!
هل يستطيع الرئيس أبو الفتوح أن يستعيد دور ديجول، وأن يقود مصر الحرة، إلى مكانتها في العالم والعصر، وهو قريب شبه منه بطول القامة، ووقار المظهر؟!!
هل يستطيع الرئيس حمدين صباحي أن يستلهم دور نهرو، وخصوصا أن حمدين رجل ينتمي إلى تيار يعرف نهرو وكان صديقا له؟!! هل يستطيع الرئيس محمد سليم العوا أن يتجلى لنا مزيجا من الفيلسوف السلطان ويلهم ويشير؟!
لا أعرف جوابا لهذه التساؤلات كلها، ومع ذلك فإني أدعو الله أن تتحقق من حيث لا نتوقع أو نحتسب معجزة، هذا مع معرفتي بشكل عام أن زمن المعجزات انتهى، ببساطة لأن نطاق المعرفة اتسع على نحو لا يتصوره خيال، ومع ذلك من يعرف، ومن يستطيع أن يجزم في شأن المستقبل بيقين!!لكني سوف أكون أسعد الناس لو نزلت علينا فجأة من السماء معجزة!!
• غاب اليقين أيضا في أسباب كوارث عديدة وقعت خلال الـ31 شهرا الماضية.. وظل الفاعل أو الطرف الثالث مجهولا طوال الوقت.. هل بانت له بعض الملامح في نظركم الآن؟
•• لقد شهدت الساحة أسبابا كثيرة للخلط أخذت السياسة إلى العنف، وإلى العناد، وإلى الشك، وإلى التوتر.وربما أن هذا الخلط كان هو الطرف الثالث الذي ظهر في أحداث دامية مثل أحداث مسرح البالون، ومحيط التليفزيون في شارع ماسبيرو، وشارع محمد محمود وسط مجمع الوزارات، وأولها وزارة الداخلية، والذي وصل إلى حرق المجمع العلمي، ثم انتهى أخيراً إلى ما جرى أمام وزارة الدفاع، وعلى الطرقات إليها.
وبالطبع فإن وجود الأيدي الخفية واقع، فالمؤامرة كما قلت دائما حاضرة في التاريخ، ولكن التاريخ ليس مؤامرة، ويوم تظهر الحقائق فسوف يتكشف على سبيل المثال حجم الأموال التي دخلت مصر للتأثير على مجرى الحوادث من25 يناير إلى هذه اللحظة، بمليارات الدولارات مليارين وربما أكثر فالسعي إلى تحديد وتوصيف وصياغة مستقبل مصر السياسي والإستراتيجي مسألة تساوي أن يدفع فيها أي ثمن، وكل ثمن،حتى لتعطيل الدور المصري في المنطقة، بحيث لا يصبح له تأثير في اللحظة الراهنة التي تعيد فيها القوى تشكيل مستقبل المنطقة، وكذلك تعيد رسم خرائطها.
• لكن الأطراف في موقعة العباسية كانت ظاهرة للجميع؟
•• ما جرى في محيط وزارة الدفاع شطط وتجاوز لم يكن يصح له أن يقترب من وزارة الدفاع، وهي معقل المؤسسة المكلفة بأمانة بقاء شرعية الدولة.ربما أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أساء إلى مهمته ببعض ما تصرف به، أو بعض ما عجز عن التصرف به، واعتقادي أن شيئا من ذلك وقع فعلا.وفي هذا الأمر مفارقة غريبة لمحتها بنفسي، فقد حدث أنني قابلت بعضا من أعضاء هذا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، واعترف أنني وجدت لديهم تفهما صادقا للأحوال العامة في البلد، بما فيها طبيعة مهمتهم.لكن المفارقة أن الأداء الجماعي لهذا المجلس الأعلى للقوات المسلحة جاء في مرات كثيرة على مستوي أقل من المرغوب فيه والمطلوب.هذا المجلس سمح بخلط الأولويات، لتبدأ بالانتخابات، ولم تبدأ بالدستور.وأصدر إعلانا دستوريا طرح للاستفتاء، وتحول إلى قيد على الثورة، وعلى الدستور، وعلى الدولة، ولم نستطع الخروج من أسره حتى الآن.ولم يحاول في أية لحظة بسبب شكوك كثيرة أن يتحرك، ومشينا جميعا على عكس القاعدة التي تقول إن السفينة التي لا تستطيع تعديل مسارها وسط البحر، محكوم عليها أن تصطدم بالصخور، أو أن تجرفها الرياح إلى حيث تصطدم مع جبال الجليد، أو تجنح بها إلى مستنقعات الطين!!
• هل تتوقعون أن يؤدي الغرق في الصياغات إلى مزيد من ضياع الوقت في الحسابات خلال المرحلة الانتقالية؟
•• أريد أن أذكر الجميع بأن الثورة الفرنسية، وقد كنا نتكلم عنها قبل قليل جلست عدة سنوات تحاول وضع دستور بعد الثورة، ولم تصل إلى نتيجة، مناقشات.. مناقشات.. وانقلابات بعد انقلابات، وزعماء محل زعماء، وكل شيء معطل في شأن الدستور،حتى تغيرت الصورة كاملة، وجاء نابليون ووضع دستور فرنسا وقوانينها، فيما هو مشهور باسمه نابليون CodeNapoleon. والقصد أن وضع الدساتير، خصوصا بعد الثورات الكبيرة، وفي التعبير عن متغيراتها وطموحها مسألة صعبة، ثم إن التقدم في العمل دون الاتفاق عليها وكتابتها مسألة مستحيلة، إذا لم تتفق قوى المجتمع على ميثاق عيشها المشترك.
كان على فرنسا أن تنتظر حتى يجيء نابليون، وأملي ألا تضطر مصر إلى الانتظار حتى يظهر نابليون، فمصر لا تحتاج إلى إمبراطور، كما أن الواقع المصري الراهن لن يعطي مصر رجلا من طراز نابليون.مضافا إلى ذلك أن مصر لا تحتاج إلى نابليون، وإنما تحتاج بالدرجة الأولىإلى قراءة حقائقها، وحقائق زمانها!!
• وإذا تأخرت المعجزة..ألا نحتاج للخروج من النفق إلى عملية سريعة لوضع دستور؟
•• هل آثرنا العجلة في كل شيء؟! سؤال في محله، والجواب عنه أننا آثرنا العجلة بما دفعنا إلى الارتجال:
الارتجال أدى إلى الوقوع في الأخطاء نتيجة لاختلاف التصورات، وحلول الشك محل الثقة بين الأطراف، ورغبة الأطراف في تبرئة نفسها، ودرء الشبهات أو خشية الأطراف بالريبة والتوجس من بعضها.
مثلا:لقد وقعت إزاحة مبارك، لكن نظام مبارك نفسه ظل منه بقايا وذيول، وكان يجب أن نفرق بين الدولة والنظام، وأن هناك كثيرين كانوا في خدمة الدولة وليسوا في خدمة النظام، لكن ذلك جاء في ظرف استولى فيه النظام على الدولة نفسها، وأصبح فساد النظام شبه دولة فساد، وليس فساد دولة.لكن ذلك الالتباس دفع إلى نوع من محاكم التفتيش، أضرت أكثر مما نفعت.
ومثلا:المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يستوعب أن الثورة وقعت ضد نظام بكل مجموعات قيمه، وإنما وقعت لمنع مهانة التوريث، وهكذا جاء تصرفه بعد حدث الثورة قاصرا، يحصر نفسه في تعديل المواد التي أدخلت على الدستور بقصد تسهيل وتمرير التوريث.ولم تكن تلك هي القضية.لكن ذلك هو ما حدث لسوء الحظ، وكان ذلك أكبر أسباب سوء الفهم الظاهر بين شباب الثورة، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.فلا المجلس استوعب فكرة أنها الثورة الشاملة على النظام كله.ولا الشباب أرضاهم أن يقتصر هدف الثورة على منع التوريث وهو الحق بعينه.
باختصار فإنه منذ يناير سنة2011 إلى اليوم على أبواب يونيو2012، عام ونصف العام، تبددت طاقات كثيرة في قرارات وتصرفات غير صائبة وغير نافعة.وهنا تنشأ الحاجة إلى طلب المعجزة والدعاء من أجل وقوعها.وإذا تأخرت المعجزة أو لم تتحقق، فإن ردي أننا سنعود إلى البدايات الأولى في ظروف أصعب، وبتكلفة أفدح، وتلك طبائع الأمور.فالذين لا يفهمون الدرس يعيدون السنة.والذين لم يستجيبوا لنداء التاريخ، عليهم أن يستعيدوا الظروف لإعادة التقاط ما فات عليهم.وتكاليف ذلك فادحة، لكنها لسوء الحظ العقوبة العادلة للارتجال أو العناد مع الحقائق.ولذلك فقد يلزمنا أن نصلي جميعا في طلب المعجزة يوم الانتخابات، كما يصلون للمطر صلاة الاستسقاء عندما يحل الجفاف!!
• على ذكر صلاة الاستسقاء وحتى لا يحل التصحر.. أمام الرئيس الجديد أطنان من الملفات لابد من فتحها، كلها ذات أولوية.. كيف ترتب أهم هذه الملفات؟
•• الرئيس الجديد أيا كان اسمه أمامه أنواع من ملفات لا يعينه عليها غير رب القدرة كما يقولون:
نوع من الملفات الاجتماعية مثلا:
1- أمامه ملف أمني لا يحتاج إلى الأوامر فحسب، ولا إلى شرعية القوة فقط، ولكنه يحتاج بالدرجة الأولى إلى إشاعة ثقة تعطي المواطنين أملا في غد، تحكمه قوانين تكفل حقوقا مستحقة وتضمن تطلعات مشروعة.
2- هناك ملف اقتصادي يثير القلق، وقد جلست في شأنه ثلاث ساعات أستمع إلى سيد العارفين فيه وهو فاروق العقدة (محافظ البنك المركزي)، وذلك رجل يشعر الآن بسيف الوقت، وإن كان ثابت الأعصاب، وهو فيما رأيت يضع عينيه على حركة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، لكنه يضع اهتمامه الأول على دوران العجلة الاقتصادية، وهذه مرهونة بالأمن في معناه الشامل.
3- ملف إداري لأن كل مرافق الدولة في حاجة إلى عملية صيانة كبرى، فجهاز الدولة مرهق، ثم إن الظروف استنزفت كفاءاته، فلم يعد فيها غير قليل، ونحن في مصر بلد مركزي يحتاج إلى الحكومة بأكثر مما يحتاجها بلد آخر!!
4- الرئيس الجديد أمامه ملف التعليم المصري من أبواب لا قيد عليها غير المعرفة.
5- الرئيس الجديد لديه ملف العشوائيات، وهي حقول ألغام في قلب المدن وعلى أطرافها، كما أنها دليل ظلم اجتماعي بلغ مداه.
6- الرئيس الجديد أمامه مشكلة تشغيل، تتصل بقضية تنمية، تتصل بفيض موارد، تتصل بعناصر وعوامل كثيرة.
7- الرئيس الجديد لديه نوع من الملفات المعنوية تتصل بالإعلام وبالثقافة وبالهوية.
8- الرئيس الجديد أمامه نوع من الملفات الخارجية، فيها العلاقات مع الولايات المتحدة وهي قضية كبرى أكبر لسوء الحظ مما يتصور أحد والعلاقات مع إسرائيل، وهي قضية شائكة( أشواكها منقوعة في السم).
9- أمامه أيضا نوع من الملفات العربية متصلة مباشرة بالهوية وبالقوة وبالأمن وبالاقتصاد.
ولا أريد أن أطيل في هذه الملفات العربية الآن، وإن كان بعضها لا يحتمل الانتظار مثل ملف سورية مثلا.
أغلبية السوريين لايريدون
ربيعاً من صنع الاطلسي
• على ذكر الملف السوري، هل أنت راض عن الموقف المصري في التعامل مع أزمة النظام في دمشق؟
•• الحقيقة أنني لا أتصور أن يكون موقف مصر تجاه سورية منساقا وراء مواقف آخرين، فالعلاقة بين مصر وسورية لها خصوصية من نوع ما على طول التاريخ.
ولا أتصور أن مصر يمكن لها أن تقطع اتصالاتها أو علاقاتها السياسية أو التجارية والثقافية مع سورية مهما كان أو يكن، لأن سورية هي سورية، بصرف النظر عن طبائع النظام الحاكم في دمشق.
وأعرف طبيعة النظام الحاكم في سورية الآن، ولست يقيناً من المعجبين به والمتحمسين لبقائه، لأني أعرف أنه نظام ظالم مستبد ومحكوم عليه تاريخياً.
لكن هناك أغلبية واسعة في الداخل السوري لها تصوراتها ولها رؤاها ولها مطالبها، وأول المطالب أنها لا تريد أن يحدث في سورية مثلما حدث في ليبيا، ثم إنها لا تريد ربيعا من صنع حلف الأطلسي، وفي الوقت نفسه وببساطة أعرف ما يكفي عن معارضين في الخارج وصلاتهم، وعن حملة محمومة تشن بالمبالغة، وبالتأكيد فإن لها أصلا، لكن عملية المبالغة والتهويل أكبر من الحقائق، وذلك يمكن أن يدفع هذا البلد إلى ورطة حقيقية، بصرف النظر عن شرور النظام.
وأنا واحد من الذين يخشون حدوث فراغ إستراتيجي كامل في المشرق، يمتد من شرق العراق إلى شاطئ المتوسط.
كذلك فأنا واحد من الذين يلمحون تأثير وجود تنظيم القاعدة في سورية، ولست أعرف منطق الذين سهلوا للقاعدة أن تنفذ إلى سورية لكي تنسف وتقتل!!
بلاك ووتر في سورية
وأعرف أيضا أن شركة بلاك ووتر الشهيرة بتاريخها الخفي والدامي لبيع خدمات السلاح موجودة وإن باسم جديد حول سورية وفي داخلها أيضا، وأن هناك قرابة ستة آلاف فرد يتبعون لها يوجدون على الساحة في الداخل والخارج.
أعرف أيضا أن بعض الأطراف حتى في حلف الأطلسي بما فيه تركيا التي تضم بين مواطنيها أكثر من خمسة عشر مليون علوي، ومثلهم من الأكراد، أصبح لها موقف مختلف ولو جزئيا عن موقف أطراف عربية، والغريب أن أطرافا في حلف الأطلنطي ذاته في دهشة أن بعض نظم عربية محافظة تحولت فجأة إلى قيادات ثورية تقدمية تدعو إلى الثورة المسلحة، ثم إن الحملة على سورية مضافا إليها الحملة على إيران توشك أن تحول الصراع الرئيسي في الشرق الأوسط من صراع عربي إسرائيلي،إلى صراع سني شيعي فتنة أخرى في دار الإسلام نفسه وفي قلبه وتلك خطيئة كبرى!!
وأسمع مرات وزير خارجية السعودية يتكلم وأغمض عيني، فيخيل إلى أن الصوت ليس لسيد محافظ من السعودية، ولكنه لرمز الثورة العالمية أرنستو جيفارا!!
والحقيقة أنه في شأن سورية أو غيرها من البلدان العربية، فإن العرب جميعا، وقبل اتخاذ أي موقف، عليهم أن يسألوا أنفسهم عدة أسئلة: ماذا يجري بدقة؟! أين مصالح شعب هذا البلد وأمانه في ظروف الواقع؟! ما هي القوى المتصارعة فيه وأصحابها؟! ما هي المصلحة للدولة المعنية على المدي البعيد؟! ثم يكون لمن يشاء أن يقرر.
وفيما يتعلق بسورية ولست أريد أن أطيل فيه، فلعلي أضيف أن صوتا من الماضي لايزال في سمعي، وهو صوت جمال عبد الناصر يوم الانفصال سبتمبر1961، وهو يواجه انقلابا في دمشق على الجمهورية العربية المتحدة، التي كانت تضم سورية ومصر، وصوت جمال عبد الناصر يقول بنزاهة وأمانة وتجرد:ليس مهماً أن تبقى سورية في الجمهورية العربية المتحدة، ولكن المهم أن تبقى سورية.والآن هناك من يتدخل في الشأن السوري، بما يهدد بقاء سورية، وهذا جزء من ملف خطير بالغ الخطورة.
بعد سورية هناك اليمن الذي أصبح بين نارين:نار أن عناصر من القاعدة يتدفقون عليه، ونار أن هذا البلد أصبح هدف تصويب وتدريب لصواريخ درون( الطائرة بلا طيار الأمريكية)، تقتل هناك كل يوم بلا حساب.
هناك أيضا ملف إيران والعلاقات معها، وهذا ملف لحقته أغراض وأهواء، وطاله قصور يمس الأمن القومي المصري على حزامه الشمالي، وذلك ملف لا أريد الخوض في تفاصيله الآن، وإن كانت كل التفاصيل عبثية!!
ملفات.. ملفات.. ملفات كثيرة وخطيرة أمام الرئيس الجديد، كان الله في عونه.