افتتاحية قاسيون 531: الاستعصاء والفرز.. سورياً!
تقترب الأزمة السورية من استحقاقات هامة.. فبعد أشهر مديدة من التوتر، أطرافه النظام وقوى المعارضة المختلفة والحركة الشعبية، وصل الاستعصاء إلى مداه الأقصى، ووصلت الأمور إلى منعطف هام ودقيق وحساس.. فالنظام لم يستطع حل الأزمة رغم تكرار أطراف منه ولعدة مرات خلال الأشهر الأخيرة أنها «خلصت»... والمعارضة لم تستطع أن تصوغ برنامجاً حقيقياً وفعالاً للخروج من الأزمة.. والدليل على ذلك هو استمرارها, أي الأزمة، كما أن الحركة الشعبية لم تستطع أن توسع حركتها الاحتجاجية أكثر بكثير من الحدود التي كانت عليها في الأشهر الأولى من ولادتها، كما أنها لم تستطع أن تطور شعاراتها ورؤيتها وبرنامجها بما يتفق مع إيقاع وضرورات الواقع نفسه، وحاجاتها هي نفسها.
أين هي المشكلة إذاً؟ إن تشخيص المشكلة واكتشافها يرتدي أهمية كبرى لتجاوزها.
لقد كان العائق الأكبر أمام الجميع في الأشهر الماضية هو ارتفاع منسوب التدخل الخارجي ووصوله إلى حافة التدخل العسكري الخارجي المباشر للغرب الامبريالي... فهو أعطى المبرر والحجة للنظام لنقل مركز اهتمامه من الحل الداخلي إلى مواجهة الخطر الخارجي، الأمر الذي فاقم المشكلة الداخلية أكثر.. ناسياً أو متناسياً, ولا فرق موضوعياً بينهما, أن أحسن طريقة لمواجهة الخطر الخارجي هو السير الحثيث نحو إيجاد حلول فعالة للمشكلة الداخلية تتجاوز الحلول الأمنية البحتة نحو حلول سياسية واسعة النطاق.
كما أن احتمال هذا التدخل أربك أطرافاً هامة من المعارضة الوطنية, الضعيفة أصلاً ميدانيا وعلى الأرض, وجعلها تأخذ موقفاً انتظارياً ذا طبيعة تأجيلية على أمل الاستفادة من نتائج هذا التدخل وقطف ثماره دون بذل جهد كبير، ودون التورط بتأييده العلني، بل حتى بالإعلان عن مواقف ضده من حيث الشكل.
والأمر لم يكن أحسن حالاً عند القوى المتطرفة في بعض الشارع التي أوصلتها عقليتها الثأرية إلى «القبول بالشيطان» دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للشعب والوطن..
وحين الكلام عن كل هؤلاء أعلاه لا ننسى دور القوى المشبوهة المرتبطة بالخارج علناً، سياسياً ومادياً، والتي كانت تنفذ طلبياته، والتي تمارس تأثيراً مباشراً وغير مباشر على كل القوى المذكورة.. ونحن لسنا هنا في وارد تقييم موضوعها لأنه بحكم المنتهي بالنسبة لكل وطني، ولكن الذي يهمنا هو الجواب على سؤال: كيف للقوى الوطنية الموجودة في النظام والمعارضة والحركة الشعبية أن تلعب دورها المطلوب منها تاريخياً، وخاصة في لحظة تراجع احتمال التدخل الخارجي العسكري المباشر، وما يمكن أن يحدثه من تغير في قاعدة المعطيات؟
- إذا لم يستطع النظام أن يعزل قوى الفساد الكبير من بين صفوفه، المعادية للإصلاح الحقيقي، والمعادية حتى العظم للحركة الشعبية، والمعادية عملياً للمخرج الآمن من الأزمة، فإنه لن يستطيع الاستفادة من اللحظة التاريخية الجديدة وغير المسبوقة التي سببها الموقف الروسي والصيني في الوضع الدولي الناشئ مجدداً، وسيدفع البلاد إلى حلقة جديدة من الأزمة أكثر تعقيداً من التي سبقتها, وأعلى كلفة بكثير.. وغير مؤكد في هذه اللحظة قدرة البلاد على تسديد فاتورتها، وبالتالي الكارثة التي سيسببها ذلك.
- إذا لم تستطع المعارضة الوطنية القطع الكامل مع المعارضة غير الوطنية وإيقاف كل أشكال الغزل معها، والانتهاء من سياسة الكيل بمكيالين تجاه الأصدقاء والأعداء، فإنها ستتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة ستدفع هي بالدرجة الأولى أثمانها وصولاً إلى زوالها من الخارطة السياسية الجديدة نهائياً، مع ما يحمله ذلك من مخاطر زيادة آلام ولادة سورية الجديدة.
- إذا لم تستطع الحركة الشعبية أن تأخذ موقفاً حازماً وقاسياً ونهائياً من المتطرفين الذين نموا على أطرافها وحواشيها، فإنها ستكون المتضرر الأول، وستذهب تضحياتها الجليلة سدى، ولن تغفر الأجيال القادمة لأولئك الذين أضاعوا فرصة تاريخية أمام الشعب السوري كي ينطلق إلى فضاء الحرية والكرامة الحقيقية..
إن إنجاز كل طرف المهام المطلوبة منه سينهي الفرز الأولي الضروري في الفضاء السياسي السوري، ولكن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه مطلوبة من الوطنيين من أهل النظام، لأنهم سيضربون المثل للآخرين، وسيدفعونهم في الطريق الصحيح، ما سيوفر الأجواء لولادة حكومة الوحدة الوطنية ذات الصلاحيات الواسعة كي تستطيع أداء واجبها تجاه حماية البلاد وحماية الوحدة الوطنية وإحداث الانعطاف الوطني الديمقراطي المطلوب.