البدائل الحقيقية والوهمية

البدائل الحقيقية والوهمية

تتميز طبيعة المرحلة التاريخية اليوم بأنّ عالماً جديداً يولد وعالماً قديماً يموت. وفي آلام المخاض التي نعيشها في حاضرنا المتأزم هذا، عالمياً ومحلياً، لعل من دروس التاريخ الهامة التي يجب الاستفادة منها أنّ البدائل الحقيقية غالباً ما كانت تتبلور في نهاية الأزمات، ولو أنّ بداءاتها قد تظهر في خضمّها

إنّ البدائل التي لا تستجيب إلى ضرورات الواقع والتاريخ هي بدائل وهمية ومحكوم عليها بالفشل. وفي الأزمة السورية تأتي محاولة فرض بدائل وهمية من أي طرف كان، داخلي أو خارجي، نظام أو معارضة أو قوى إقليمية أو دولية، ومحاولة «تجريب المجرّب» سواء بتكرار الخيارات السياسية بمعنى الإصرار على استمرار النظام القديم، بتعبيراته السياسية ومضامينه الاقتصادية-الاجتماعية، وطريقة إدارته للبلاد. أو تكرار الوسائل العسكرية المعزولة والمنفصلة عن مسار سياسي حقيقي وجدّي، والتي لجأت إليها أطراف الأزمة، هي سلوكيات تزيد مخاطر تعقيد الأزمة ومزيد من رفع تكاليفها بشرياً ومادياً على الشعب والبلاد.
يظهر الواقع المؤلم اليوم شذوذ السلوك السياسي والاقتصادي المدفوع من جانب قوى الفساد في الدولة والمجتمع، عبر مساعي شرعنة استمرار تكثيف منظومة نهبها - مشاريع استكمال الخصخصة في أكثر من قطاع سيادي كنموذج -  والتي تعكس بشكل ما ذعرها من احتمال انتهاء الحرب وعودة السلام. يتجلى في هذا السلوك اغترابه وتناقضه مع المعايير الوطنية العامّة التي يفترض أن تنطلق من أنّ التغييرات السياسية والاقتصادية المتوسطة أو البعيدة المدى التي تمسّ مستقبل البلاد وإدارتها وبالتالي مستقبل الشعب السوري، يجب أن تنطلق من إرادة هذا الشعب، وهي قاعدة مثبّتة حتى في الدستور الحالي. ويزداد الأمر مفارقة وغرابة عندما نجد في ظروف الحرب والدمار، أطرافاً تحاول القفز فوق أولويات الحلّ الوطني للأزمة والمتمثلة بوقف التدخل الخارجي والعنف الداخلي، وتوسيع الإغاثة الإنسانية، باعتبارها شروطاً أولية ضرورية لأية عملية سياسية ناجحة في المستقبل.
يخطئ من يتعامل مع «جنيف2» من باب التعويل عليه أو على مكاسب قد تحرزها مغامرات المعسكر الفاشي الأمريكي وأدواته الإرهابية عبر العالم، والهارب إلى الأمام من أزمة الإمبريالية المسدودة الأفق، لصياغة بدائل جاهزة، لأنها ستكون وهمية كونها غير مستندة إلى إرادة الشعب، بحكم نقطة اللاعودة عن مستوى التدويل الذي وصلت إليه الأزمة السورية. يتعزز اليوم أكثر فأكثر المعيار الموضوعي الراهن في فرز جميع القوى بين وطنية وغير وطنية حسب قربها أو بعدها عن الجدّية في الاستفادة من التوازن الدولي من أجل إنهاء ظروف الحرب والتدخل الخارجي والعنف الداخلي، مما يوفر للشعب الحد الأدنى من الأجواء والشروط السلمية الضرورية لخلق بدائله الوطنية الخاصة عبر انطلاق حركة شعبية أوسع وأعمق نضجاً تخوض النضال السياسي السلمي وتُبلوِر وتُثقّف حركتها السياسية الممثلة لمصالحها الجذرية لإنجاز تغيير وطني حقيقي.