ماذا لو فتح الكيان الغاصب «معركة الجنوب»؟

ماذا لو فتح الكيان الغاصب «معركة الجنوب»؟

دعواتً كثيرة أطلقتها المعارضة الوطنية السورية منذ بداية الحراك الشعبي ــوخلال اللحظات الأولى لعملية التسليح التي جرت في سوريةــ إلى فتح معركة وطنية لاستعادة الجولان السوري المحتل. لم تلق تلك الدعوات، حتى الآن، مَن يلاقيها في مواقع صنع القرار السورية، فهل تخطأ «إسرائيل» اليوم، وتطلق النار على مصالحها؟

عندما أطلقت المعارضة الوطنية السورية ــ حزب الإرادة الشعبية خصوصاًــ تلك الدعوات، فهو انطلق في رؤيته من عاملين اثنين. أولاهما، أن فتح المعركة الوطنية في لحظاتٍ يكابد فيها المجتمع السوري استقطاباً عمودياً حاداً، ضمن ضفتي ثنائية الصراع الثانوي «موالاة ـ معارضة»، من شأنه أن ينقل القوى الدخيلة على الحراك الشعبي، من تخفيّها وراء المطالب المحقة للحركة الشعبية، إلى بقعة الضوء التي تؤمّنها عملية الفرز على أساس «وطني ــ غير وطني»، وبالتالي، إعادة بوصلة الحراك إلى مسارها السليم. وثانيهما، هو الدور الذي ستلعبه المعركة الوطنية في فتح نيران الحراك الشعبي على قوى الفساد الكبير داخل جهاز الدولة والمجتمع السوري، والتي تسير مصالحها عكس المعركة الوطنية، التي يحتاج فتحها موارداً اقتصادية ستضع قوى النهب تحت مرمى الحركة الشعبية.
اليوم، تتداول وسائل الإعلام السورية، الرسمية والخاصة، فرضيةً مفادها أن الكيان الصهيوني يعدُّ عتاده لفتح معركة في الجنوب السوري، تكون الأداة فيها مسلحون سوريون على شاكلة «جيش لبنان الجنوبي - لحد»، بدعمٍ كاملٍ من «إسرائيل». وتلعب وسائل الإعلام، اللبنانية بشكلٍ خاص، دوراً في إبراز هذه الفرضية، حيث ستؤمن المعركة، «تحويل المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان من خندق مقاومة ضد الاحتلال إلى خندق عدوان ضد الجيش العربي السوري والمقاومة». ويبدو من الجيد بمكان، مناقشة مآلات هذه الفرضية، دون استبعاد حدوثها.

إذا ما انطلقنا من التراجع الحاد الذي تقاسيه الإمبريالية على الصعيد العالمي، وانعكاسات هذا التراجع على الكيان الصهيوني، كقاعدة متقدمة للإمبريالية في منطقتنا، قد يكون اتخاذ «إسرائيل» لقرارٍ كقرار فتح «معركة الجنوب»، متأتياً من تخبطها الذي تعيشه على وقع أزمتها. غير أنه، وفي حال اتخاذ قرارٍ من هذا النوع، فإن الكيان الصهيوني سيضع نفسه تحت نار الطلقات التي أطلقها. حيث سيكون لسيناريو كهذا نتيجتين إثنتين، فأولاً، سيتم فتح المجال واسعاً أمام المقاومة الشعبية السورية، والتي سيلعب العدوان المباشر دوراً بارزاً في تسريع عملية ظهورها وتنظيمها المقاوم بوجه العدو الصهيوني، وهو ما تخشاه «إسرائيل» القلقة، جدياً، على وجودها في ظلِّ المتغيرات الدولية. وثانياً، سيؤمن هذا السيناريو توسيع عملية الفرز المطلوب بين السوريين جميعهم بما فيهم المسلحين، تبعاً للموقف والقضية الوطنية، وأي فرزٍ سوري، يتم على أساس القضية الوطنية والموقف من الكيان الغاصب، سينعكس ناراً على «إسرائيل».
إن دخول الكيان الصهيوني، في سيناريو «معركة الجنوب» المتداول إعلامياً، سيساهم في تأمين العاملين السابقين، واللذين بمجرد تأمينهما ستنفتح آفاق دخول الأزمة السورية طوراً جديداً يقربها من الحل، حيث سيتطور الصراع ويحتد بين جبهتين واضحتين تقف في إحداهما القوى الدخيلة على الحركة الشعبية وقوى الفساد ومعهم الكيان الصهيوني، وتقف في الصف الآخر الأغلبية العظمى من الشعب السوري بغض النظر عن اصطفافاتهم الحالية بين معارض وموالٍ.. ما يبشر بتسريع حل الأزمة السورية، لصالح الوطنيين السوريين.

وهنا تبقى الفرضية قيد البحث: إذا لعبت «ضرورات» الأنظمة دوراً بارزاً في عدم إطلاق المعركة الوطنية المطلوبة والمنتظَرة، فهل تخطأ القاعدة المتقدمة للإمبريالية المأزومة، وتطلق العنان لمعركةٍ حدّها الأدنى تسريع حل الأزمة السورية، وحدّها الأقصى تهديد وجود «إسرائيل»، ككيان، في منطقتنا التي لا يوجد بداً لحراكها الشعبي غير توسيع الفرز المطلوب في صفوفه، على أساسٍ وطني؟؟ لعلَّها تخطئ..