الرفيق عادل اللحام: (التشاركية) رصاصة الرحمة على القطاع العام!
ألقى الرفيق عادل اللحام كلمة أمام مؤتمر نقابة عمال البناء والأخشاب في دمشق والمنعقد بتاريخ 18/1/2016، وبصفته رئيس لجنة نقابية للقطاع الخاص، وهذا نصها:
ألقى الرفيق عادل اللحام كلمة أمام مؤتمر نقابة عمال البناء والأخشاب في دمشق والمنعقد بتاريخ 18/1/2016، وبصفته رئيس لجنة نقابية للقطاع الخاص، وهذا نصها:
أظهرت الأحداث الجارية منذ عام ونيف عمق الأزمة الوطنية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهذا لم يكن وليد اللحظة التي اندلعت فيها الأزمة، بل هي تراكمات على مدار عقود من الزمن عمقتها أكثر السياسات الاقتصادية الليبرالية التي وسعت دوائر الفقر والبطالة والتهميش وترافق هذا مع مصادرة واسعة للحريات العامة، وخاصةً حرية التعبير عن الرأي عبر الأقنية المشروعة «الأحزاب، النقابات، الجمعيات، الإعلام... الخ» التي كانت تحرم المجتمع ، وتحديداً الطبقات الشعبية المهمشة والمحرومة من آية وسيلة من وسائل التعبير عن مطالبها، وحقوقها مما جعل الاحتقان والتذمر والسخط يتسع ويزداد أكثر وأكثر تم التعبير عنه بشكل واضح وجلي بالمظاهرات، والاحتجاجات السلمية في بداية الحراك الشعبي السلمي الذي واجه عنفاً غير مبرر مما جعل العديد من القوى الداخلية، والخارجية تستثمره، وتحول معظمه إلى عنف مضاد حيث تطور كلا العنفين لاحقاً إلى خطر جدي يهدد الوطن برمته أرضاً وشعباً، ومن ضمن هذا التهديد ما تتعرض له المعامل والمنشآت الإنتاجية والخدمية من مخاطر حقيقية عكست نفسها على قدرة المواقع الإنتاجية باستمرار العمل فيها لأسباب منها أمنية والأخرى إدارية متعلقة بقدرة الإدارات على قيادة المواقع الإنتاجية في الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن حيث تطلب هذا الموقف الشجاعة، والدراية الكافية في إدارة العمل وحمايته وذلك بإيجاد الطرق والوسائل الكفيلة بأن لا تتوقف المصانع عن الإنتاج وهنا يمكن أن نشير إلى قضيتين أساسيتين:
في كل الأزمات السياسية، والأمنية، والاقتصادية التي يتعرض لها الوطن تكون الطبقة العاملة هي من يقدم الضريبة الأكبر، والأزمة التي نمر بها الآن مثال صارخ على ما قدمته الطبقة العاملة، وما تقدمه في كل يوم يتأخر فيه حل الأزمة الوطنية التي يحتاج حلها إلى جهود كل القوى الوطنية، والشعبية الحريصة على وحدة البلاد، وسلامتها أرضاً وشعباً، وفي مقدمة القوى الشعبية تلك الطبقة العاملة، حيث لها مصلحة حقيقية في الخروج الآمن من الأزمة الوطنية التي أصابت الطبقة العاملة في مقتل بسبب توقف معظم المعامل عن العمل في المناطق التي تشهد أعمالاً قتالية، ليس هذا فحسب بل إن الكثير من المنشآت الإنتاجية والخدمية أصيب بأضرار كبيرة تحتاج إلى إعادة تأهيل مرة أخرى حتى تصبح جاهزة للإنتاج والعمل، وكم من الأموال الطائلة تلزم لتعود ثانيةً تلك المعامل كما كانت عليه قبل تدميرها أو تخريبها على أقل تقدير؟ ومن الذي سيدفع الثمن الباهظ لذلك؟ من المؤكد أن الشعب السوري، وفي المقدمة منه الطبقة العاملة من سيدفع الثمن بينما من نهب حتى تورم من شدة النهب سيحاول الكرة ثانيةً وبوجه آخر لكي يعيد عملية النهب، والفساد التي أوصلت البلاد والعباد إلى ما وصلت إليه.
المؤتمرات النقابية السنوية قد انتهت وجرى طرح العديد من القضايا النقابية والعمالية والكثيرون أدلوا بدلوهم حول ما طرح سواء عبر الردود على المداخلات أو التعقيبات التي جرت من قبل بعض الحضور في المنصة أو الجدل أحياناً بين النقابيين المؤتمرين وبعض «الضيوف» وماجرى داخل المؤتمرات مما ذكرنا أعلاه كله يعكس حجم المعاناة التي تعيشها الطبقة العاملة سواء بمستوى معيشتها أو في مكان عملها الذي أوضاعه ليست أحسن حالاً من معيشة العامل حيث كلا الأمرين يسيران باتجاه الأسوأ كون مصدر السوء واحد وهو السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات السابقة وتمضي بها قدماً الحكومة الحالية مكملةً ما قد تم التأسيس له في مراحل سابقة من عمر الأزمة الوطنية.
أي قانون، أو تشريع يصدر يكون خاضعاً لمحصلة القوى الفاعلة على الأرض، وقدرة كل قوى في التعبير عن مصالحها التي يتضمنها القانون المراد إصداره، والعمل وفقه، حيث تُخضع الطبقة المهيمنة اقتصادياً، وسياسياً الطبقات الأخرى لقانونها، وإن كان يتناقض، ويتعارض مع مصالح هذه الطبقات الأساسية، وينعكس ضرراً على حقوقها فهذا الضرر الذي يحدثه القانون بمصالح الطبقات ، يحرمها أيضاً من إمكانية الدفاع عنها، و يجعل المجتمع ينقسم وفقاَ للمصالح المتناقضة التي يعبر عنها القانون، والتي لم يعبر عنها، أي يصبح الصراع بين الطبقات في جوهره صراعاً طبقياً حتى وأن أخذ مظاهر أخرى لا تبدو أنها واضحة لبعض أصحاب المصالح المختلفة.
النظام الانتخابي القديم، الذي سارت بموجبه انتخابات مجلس الشعب «الجديد»، أصبح مرة أخرى الأداة التي مكّنت جهاز الدولة من التحكم الكلي في العملية الانتخابية ونتائجها، والتي سمحت بالوقت نفسه بتسلل قوى المال وحجز مقاعد هامة لهم في المجلس على حساب الممثلين الحقيقيين للشعب السوري الذين لا يتسنى لهم الوصول إلى المجلس بسبب هذا النظام الانتخابي المعمول به منذ عقود، وهو نظام مخالف للدستور الجديد بمادته الثامنة التي أكدت على التعددية السياسية، وانفتاح الأفق السياسي الذي هو ضرورة لبدء الحوار الوطني الشامل وصولاً لمخرج آمن من الأزمة العميقة التي تفجرت أحداثها منذ عام ونيف وهي مرشحة للاستمرار إذا لم تنطلق عملية الحوار الوطني الواسع، كإحدى الأدوات الهامة للخروج من الأزمة، وهو ما كان يحتم ضرورة تغيير النظام الانتخابي الحالي، و لكن ما جرى في الانتخابات الحالية من مخالفات، وتجاوزات تؤكد حقيقة ما قلناه سابقاً، ونعيد قوله الآن فالنظام الانتخابي الحالي يمكن جهاز الدولة من التحكم والسيطرة على العملية الانتخابية وبذلك يعيد إنتاج عناصر الأزمة مرةً أخرى ولكن بشكل أعنف، وأخطر من حيث نتائجها وتأثيراتها الكارثية على الوطن أرضاً وشعبا، مما يطرح على القوى الوطنيةً ضرورة النضال حتى يكون النظام الانتخابي على أساس النسبية واعتبار البلاد كلها دائرة واحدة، وبهذا يتم وضع الدستور الجديد موضع التطبيق، فلا معنى للتعددية دون قانون انتخابي جديد يجعل من هذه التعددية أمراً واقعاً ودون ذلك سيبقى الشعب السوري مصاباً بخيبة أمل مع كل حدث انتخابي بسبب النتائج التي يراها على الأرض، والممارسات التي خبرها وملَ منها وممن يقومون بها.
المؤتمرات في دمشق مستمرة بالانعقاد تباعاً، تناقش التقارير المطروحة من قبل مكاتب النقابات، والنقاش أو الملاحظات المطلوبة، كما عبرت عن ذلك تعليمات المكتب التنفيذي في الاتحاد العام حول التقرير المقدم في كل مؤتمر فقط..، والذي عادةً يجري العرض بمتنه حول القضايا الحصرية بعمل النقابة ونشاطها ونفقاتها، ونادراً ما تناقش أو تعرض التقارير قضايا اقتصادية وازنة، مثل الأجور أو السياسات الاقتصادية للحكومة، التي مست بشكل مباشر المستوى المعيشي للعمال، والذي تدنى إلى حدود لم تعد تطاق خاصةً في عام 2015، حيث تشير وتؤكد التقارير والدراسات الاقتصادية إلى خسارة الأجور لأكثر من 50% من قيمتها، بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، الذي سببه الرئيسي ضعف أو غياب دور الدولة عن التحكم في الأسواق، إنتاجاً واستيراداً وتسويقاً وتوزيعاً.
الأزمة الوطنية السورية نقلت المجتمع السوري بما فيها القوى السياسية من حالة ما يشبه السكون إلى حالة أخرى تشبه إلى حد ما الحراك السياسي الواسع في مرحلة الخمسينيات من القرن الفائت،
نعقد اجتماع المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال، والأزمة العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تضرب البلاد مازالت مستمرة وتتفاعل مكوناتها وتنتج مواقف مختلفة منها في كيفية الحل والخروج الآمن منها.
الدورة الانتخابية الخامسة والعشرون في مراحلها النهائية، ومن هنا لابد أن تقيم النقابات تجربتها خلال هذه الفترة من العمل النقابي، وإلى أي حد نجحت في تطبيق قراراتها الصادرة عن المؤتمر العام على مختلف الصُعد السياسية والاقتصادية والعمالية، والمراجعة هذه ضرورية، ولاسيما أن الطبقة العاملة مقبلة على استحقاق انتخابي في ظل تغيرات حقيقية تجري على الأرض، خاصةَ مع إقرار الدستور الجديد بحقوق للطبقة العاملة لم يكن يعترف بها الدستور السابق، وأهمها حق الإضراب عن العمل، وأن يكون الحد الأدنى للأجور متطابقاً مع متطلبات المعيشة، وهذا التطور الدستوري يضع على عاتق الحركة النقابية، والطبقة العاملة صياغة برنامج، وإيجاد آليات عمل، وقانون انتخابي متوافق مع ما جرى إقراره بالدستور الجديد للعمال، لأن ما هو قائم الآن أثبتت الحياة، والتجربة، عدم صلاحية استمراره للنضال النقابي، والعمالي في المرحلة القادمة التي تتطلب من الحركة النقابية، والعمال المواجهة المباشرة مع السياسات الليبرالية سياسياَ و اقتصادياَ واجتماعيا، ولكي تنجح المواجهة مع هذا العدو الطبقي لابد من حشد كل القوى الوطنية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة السورية، التي من المفترض أن تتبنى برنامجاَ حقيقياَ من أجل التغيير السلمي الجذري الشامل، يعبر عن مصلحة الشعب السوري في عملية التغيير، في مواجهة قوى الفساد، والتطرف من كل شاكلة ولون، التي أوجدت المقدمات الحقيقية للأزمة الوطنيةَ وساهمت مساهمة فعلية في تجميع الحطب اللازم و إشعاله، والعمل على استمرار لهيب الأزمة مشتعلاَ من خلال افتعال الأزمات، والاختناقات المعيشية، مساهمةَ بهذا الفعل، مع العدو الخارجي في إدامة الاشتباك الداخلي العنيف الذي يولُد كل يوم خسائر حقيقية في البشر، والحجر، والأرزاق، ويهدد الوطن أرضاَ وشعبا، ويجعل إمكانية الخروج الآمن من الأزمةَ، إمكانية يكتنفها التعقيد.