حكم الشعب...

حكم الشعب...

النظام الانتخابي القديم، الذي سارت بموجبه انتخابات مجلس الشعب «الجديد»، أصبح مرة أخرى الأداة التي مكّنت جهاز الدولة من التحكم الكلي في العملية الانتخابية ونتائجها، والتي سمحت بالوقت نفسه بتسلل قوى المال وحجز مقاعد هامة لهم في المجلس على حساب الممثلين الحقيقيين للشعب السوري الذين لا يتسنى لهم الوصول إلى المجلس بسبب هذا النظام الانتخابي المعمول به منذ عقود، وهو نظام مخالف للدستور الجديد بمادته الثامنة التي أكدت على التعددية السياسية، وانفتاح الأفق السياسي الذي هو ضرورة لبدء الحوار الوطني الشامل وصولاً لمخرج آمن من الأزمة العميقة التي تفجرت أحداثها منذ عام ونيف وهي مرشحة للاستمرار إذا لم تنطلق عملية الحوار الوطني الواسع، كإحدى الأدوات الهامة للخروج من الأزمة، وهو ما كان يحتم ضرورة تغيير النظام الانتخابي الحالي، و لكن ما جرى في الانتخابات الحالية من مخالفات، وتجاوزات تؤكد حقيقة ما قلناه سابقاً، ونعيد قوله الآن فالنظام الانتخابي الحالي يمكن جهاز الدولة من التحكم والسيطرة على العملية الانتخابية وبذلك يعيد إنتاج عناصر الأزمة مرةً أخرى ولكن بشكل أعنف، وأخطر من حيث نتائجها وتأثيراتها الكارثية على الوطن أرضاً وشعبا، مما يطرح على القوى الوطنيةً ضرورة النضال حتى يكون النظام الانتخابي على أساس النسبية واعتبار البلاد كلها دائرة واحدة، وبهذا يتم وضع الدستور الجديد موضع التطبيق، فلا معنى للتعددية دون قانون انتخابي جديد يجعل من هذه التعددية أمراً واقعاً ودون ذلك سيبقى الشعب السوري مصاباً  بخيبة أمل مع كل حدث انتخابي بسبب النتائج التي يراها على الأرض، والممارسات التي خبرها وملَ منها وممن يقومون بها.

لقد دلت الأحداث الجارية أثناء العملية الانتخابية على أن قطاعات واسعة من الشعب السوري تتمتع بحس عال من المسؤولية والوعي المتقدم ببحثها عن البرامج الانتخابية المعبرة عن مصالحها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لأنها ترى فيها طوق النجاة  للخروج الأمن من الأزمة، ولحل الأزمات المستعصية التي أضافت إليها السياسات الاقتصادية الليبرالية عمقاً جديداً، ولكن تبين أيضاً أن ذلك غير كاف من أجل إحداث التغيير المطلوب، والحقيقي، الذي يحتاج إلى تفعيل الفضاء السياسي لكي يتمكن المجتمع من فرز القوى السياسية المعبرة عن مصالحه من خلال انخراطه المباشر في العمل السياسي، عبر الأحزاب المعبرة في برامجها، ومواقفها، ونضالاتها عن مصالحه التي لم تجد تعبيراَ عنها في الفترات السابقة لغياب العمل السياسي،   وخلو الساحة إلاَ من جهاز الدولة وقوى المال الذي كرس ويكرس هيمنتهما قانون الانتخابات الحالي، كونه يشكل عائقاً أمام تفعيل الحياة السياسية الأمر الذي لا يمكن دونه تأمين مستلزمات الحل السياسي من خلال حوار وطني جدي، والذي توضع في طريقه العراقيل من أجل عدم إنجازه، بالرغم من توفر الشرط الدولي الداعم لذلك، ولكن كما هي العادة يجري إضاعة الفرصة تلو الأخرى، والإعاقة التي تقوم بها القوى المختلفة والتي لها مصلحة أكيدة في استمرار الأزمة، وعدم إيجاد مخارج آمنة لها، وهذا يعكس الذهنية، والعقلية التي تدير الأزمة، والتي لا ترى حلاً لهذه الأزمة سوى «الحل» الذي تقدمه، مع العلم أن  الأحداث أكدت عدم صلاحيته، وقصوره عن إيجاد الحل الحقيقي الذي يؤمن مصالح البلاد والعباد.

لقد ولى زمن احتكار الحلول، وتغييب المجتمع وقواه الوطنية، واستمرار العمل وفق هذه الطريقة سيعقد الأوضاع أكثر فأكثر، ويجعل التكلفة عالية على الشعب، والبلاد، ويزيد من التدخلات الخارجية القائمة بأشكالها المختلفة، وتأخذ منحى خطيراً إذا ما استمر العمل بهذه الطريقة، وبالتالي فإن النظام الانتخابي يلعب دوراً معيقاً أساسياً للخروج من الأزمة، إن مهمة القوى الوطنية اليوم هي النضال من أجل تبديل هذه الأداة المتخلفة و إيجاد نظام انتخابي جديد لا يمكّن أحداً من الاحتكار، ويسمح لقوى التغيير بالفعل السياسي من أجل سورية الجديدة والذي جوهره السلطة للشعب، والكرامة للوطن، والثروة للجميع.