بصراحة: المبادرة الذاتية والدفاع الذاتي للطبقة العاملة

أظهرت الأحداث الجارية منذ عام ونيف عمق الأزمة الوطنية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهذا لم يكن وليد اللحظة التي اندلعت فيها الأزمة، بل هي تراكمات على مدار عقود من الزمن عمقتها أكثر السياسات الاقتصادية الليبرالية التي وسعت دوائر الفقر والبطالة والتهميش وترافق هذا مع مصادرة واسعة للحريات العامة، وخاصةً حرية التعبير عن الرأي عبر الأقنية المشروعة «الأحزاب، النقابات، الجمعيات، الإعلام... الخ» التي كانت تحرم المجتمع ، وتحديداً الطبقات الشعبية المهمشة والمحرومة من آية وسيلة من وسائل التعبير عن مطالبها، وحقوقها مما جعل الاحتقان والتذمر والسخط يتسع ويزداد أكثر وأكثر تم التعبير عنه بشكل واضح وجلي بالمظاهرات، والاحتجاجات السلمية في بداية الحراك الشعبي السلمي الذي واجه عنفاً غير مبرر مما جعل العديد من القوى الداخلية، والخارجية تستثمره، وتحول معظمه إلى عنف مضاد حيث تطور كلا العنفين لاحقاً إلى خطر جدي يهدد الوطن برمته أرضاً وشعباً، ومن ضمن هذا التهديد ما تتعرض له المعامل والمنشآت الإنتاجية والخدمية من مخاطر حقيقية عكست نفسها على قدرة المواقع الإنتاجية باستمرار العمل فيها لأسباب منها أمنية والأخرى إدارية متعلقة بقدرة الإدارات على قيادة المواقع الإنتاجية في الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن حيث تطلب هذا الموقف الشجاعة، والدراية الكافية في إدارة العمل وحمايته وذلك بإيجاد الطرق والوسائل الكفيلة بأن لا تتوقف المصانع عن الإنتاج وهنا يمكن أن نشير إلى قضيتين أساسيتين:

أولاً: الدفاع الذاتي عن المعامل:

إن السلوك العملي للمجموعات المسلحة على الأرض اقتضى منذ البداية عزل المدن والقرى عن بعضها البعض وتقطيع أوصالها عبر قطع الطرقات الدولية، والمحلية، وخاصةً تعطيل السكك الحديدية من أجل منع تبادل المواد التموينية، والمحاصيل الزراعية والإنتاج الصناعي بين المناطق السورية المختلفة، والهدف من هكذا سلوك شل الاقتصاد الوطني، الذي جزء منه تعطيل المعامل والمنشآت الآخرى عن العمل بكل الوسائل حيث شهدت بعضها اعتداءات مباشرة مثال على ذلك شركه «تاميكو» لإنتاج الأدوية البشرية بالإضافة لعدد لا بأس به من معامل القطاع الخاص التي تعرضت للسرقة والنهب والحرق أدت إلى خسائر فادحة يصعب تعويضها مرةً أخرى إلى جانب خسارة العمال لمكان عملهم الذين يعتاشون منه،وتحولوا إلى عاطلين عن العمل.

إن هذا الواقع إذا ما استمر على ما هو دون إيجاد حلول عملية لحماية المنشآت الاقتصادية سيؤدي إلى المزيد من إضعاف الاقتصاد الوطني، وسيعمق الأزمة العامة سياسياً واجتماعياً، وهذا يتطلب تعبئة العمال بأهمية دفاعهم عن مكان عملهم عبر تنظيمهم بمجموعات تعمل على التصدي لأي هجوم يستهدف مكان عملهم، والعمال قادرون على إنجاز هذه المهمة الوطنية، بإشراف الحركة النقابية وقيادتها لها باعتبارها جامعة للقوى السياسية الوطنية التي دورها الآن يقتضي الدفاع عن الاقتصاد الوطني، وحمايته ليس من المسلحين فقط بل أيضاً من الناهبين له، والذي لا يقل خطورة عن عمل المسلحين من حيث النتائج على الاقتصاد وعلى مصالح الشعب السوري.

إن الطريقة المتبعة الآن في حماية المعامل قاصرة، وغير عملية وتعتمد على مجموعه من الحراس المحولين من خطوط الإنتاج لأسباب صحية، ولا يملكون الخبرة الكافية في طرق الدفاع مما يؤدي إلى خسائر في صفوفهم، وحتى لسرقة سلاحهم مما يعرض الكثير للغرامة والمساءلة.

 

المبادرة الذاتية:

في ظل الأزمة الحالية، والحصار الاقتصادي المضروب على سورية من  الجهات الاستعمارية، والرجعية العربية تظهر الحاجة الماسة لمبادرات حقيقية، وفعالة بحجم الأزمة العميقة تستطيع إعادة التوازن لمكونات الاقتصاد الوطني الذي أصابه الكثير من الأضرار جراء السياسات الاقتصادية الليبرالية وتعمقت أكثر مع التطورات الحالية، وبالرغم من هذا الوضع فإن الاقتصاد السوري يملك إمكانية النهوض ثانية بفضل خصائصه المتنوعة، والتجربة التي اكتسبها من الحصار السابق، واستطاع تجاوزه إلى حد بعيد بفضل المبادرات التي قدمتها الطبقة العاملة أثناء الحصار حيث استمرت المعامل بالإنتاج اعتمادا على تلك المبادرات الوطنية، والأوضاع الراهنة تحتاج إلى مثلها، والطبقة العاملة تقدمٍ مثل تلك المبادرات يتم إعاقتها بفعل قوة العطالة، وبفضل العقل الإداري الذي اعتاد على العمل البيروقراطي النفعي الذي لا يتناسب مع المرحلة الحالية، وظروفها التي تتطلب عملاً ابداعياً ضمن الإمكانات المتوفرة، وهي كثيرة يمكن من خلالها الاستمرار بالإنتاج، وتأمين موارد لاستمرار الإنتاج ودفع أجور العمال التي لم تدفع في العديد من الأماكن لعدم توفر الاعتمادات، ومعمل الجرارات في حلب مثال على هذا الوضع.

إن الاعتماد على قوى الطبقة العاملة في الدفاع عن أماكن العمل وفي تشغيل المعامل سيكسر الحصار المفروض على شعبنا، و سيجعل المخاطر أقل كلفة وتأثيراً وهذا يحتاج لدور خاص للقوى الوطنية، وفي مقدمتها الحركة النقابية لتكون في المقدمة.