آثار هجرة العمال على البلدان المستقبلة والمصدرة
المهاجر الاقتصادي حسب تعريف منظمة الأمم المتحدة هو شخص يهاجر من منطقة إلى أخرى بما في ذلك عبور الحدود الدولية، سعياً لتحسين مستوى المعيشة لأن ظروف أو فرص العمل في منطقة المهاجر نفسها غير كافية.
على الرغم من أنّ مصطلح المهاجرين الاقتصاديين قد يتم الخلط بينه وبين مصطلح لاجئ، إلّا أنّ المهاجرين الاقتصاديين يغادرون مناطقهم في المقام الأول بسبب الظروف الاقتصادية القاسية بدلاً من الخوف من الأزمات والحروب شوالاضطهاد التي عادة ما تكون سبباً رئيسياً للهجرة.
يشكل إغراء الحصول على عمل بأجر جيّد في بلد غني أحد الدوافع القوية للهجرة الدولية، وقد زاد الإغراء مع استمرار زيادة الفوارق في الدخل بين البلدان، وعلاوة على ذلك يحتاج العديد من الاقتصادات المتقدمة إلى العمال المهاجرين لأداء الأعمال التي لا يمكن أن يعهد بها إلى مصادر خارجية، ولا يوجد من يرغب في أدائها من العمال المحليّين بالأجور السائدة، وتعد شيخوخة السكان هي من الأسباب الكامنة وراء هذا الطلب المتزايد أيضاً، لأنها تؤدي إلى عجز في عدد العمال بالنسبة إلى المعيلين ومع حصول الأجيال الصاعدة على تعليم أفضل أصبح عددٌ أقل في صفوفها قانعاً بوظائف منخفضة الأجور تتطلب جهداً جسدياً كبيراً.
وقد تؤدّي الهجرة إلى انخفاض الأجور أو إلى زيادة البطالة بين العمال ذوي المهارات المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة، الذين يكون كثيرٌ منهم من المهاجرين قد قدموا في موجات سابقة.
وإذ يزيد المهاجرون من القوة العاملة وعدد المستهلكين ويساهمون بقدراتهم في مجال تنظيم الأعمال فإنهم يحقّقون ازدهار النمو الاقتصادي في البلدان المستقبلة.
يوم واحد دون مهاجرين
كيف سيبدو يومٌ واحدٌ من دون مهاجرين؟ على عكس ما قد يعتقده البعض، فالمهاجرون يلعبون دوراً حيوياً في الاقتصاد العالمي؛ وتشير الدراسات إلى أن المهاجرين يجلبون النمو والابتكار في كل من البلدان التي ينتمون إليها وفي البلدان التي ينتقلون إليها. وتواجه معظم الدول الغربية قنبلة موقوتة تتمثل في زيادة عدد السكان المسنّين وانخفاض معدّلات الولادة، وبالتالي يتعين على هذه الدول الاعتماد على المهاجرين لدفع النمو الاقتصادي والحفاظ عليه لأنّه يصبُّ في مصلحة هذه الدول أن تدعم الهجرة الآمنة والمنظمة.
آثار هجرة الأيدي العاملة السورية
وإذا كانت الدول المتقدمة مستفيدة من ظاهرة اللجوء كما رأينا، وعكس ما تروجه هذه الدول من أنها تتحمّل أعباء استضافة اللاجئين، يبقى الخاسر الوحيد الدول المصدرة للأيدي العاملة، والتي يتأثر اقتصادها بفقدان الأيدي العاملة الخبيرة وحتى غير الماهرة، ويتبع ذلك انخفاضٌ في معدّلات الاستهلاك وبالتالي تراجع الإنتاج.
ويعاني الاقتصاد السوري من ظاهرة هجرة الأيدي العاملة والشباب بشكل عام نتيجة لانفجار الأزمة السورية عام 2011، حيث هاجر ما لا يقلّ عن 6 مليون مواطن البلاد إلى دول الاتحاد الأوروبي بين عامي 2015 و2016. ورغم توقف الأعمال العسكرية والعنف الذي كان المسبب الرئيسي لظاهرة الهجرة حتى نهاية عام 2018، برزت الأزمة الاقتصادية على السطح وبشكل فظّ حيث انهارت العملة الوطنية وضعفت القوة الشرائية للرواتب والأجور، حتى وصلت لمستويات متدنية جداً مقابل ارتفاع كبير مستمر للأسعار، وإغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية نتيجةً لارتفاع تكاليف الإنتاج وحوامل الطاقة، حيث كانت السياسات الحكومية المسبب الأكبر في الانهيار الاقتصادي الذي حدث في البلاد نتيجة لدعم أصحاب الأرباح على حساب أصحاب الأجور، حيث تقلصت حصة أصحاب الأجور من الدخل الوطني إلى 11% فقط، مع اعتماد سياسة تجميد الأجور مما أدى إلى انتشار الفقر وحتى الجوع في المجتمع، وبات انعدام الأمن الغذائي ظاهرة «طبيعية» لدى غالبية السوريين.
كل هذه الظروف دفعت آلاف الشباب والعمال نحو الهجرة وخاصة إلى الدول المجاورة بحثاً عن فرص عمل براتب ليس جيداً، ولكنه أفضل من الأجور التي كانوا يتقاضونها في الداخل، وكانت لهذه الظاهرة تبعاتٌ أخرى باتت أوضح وأكثر تأثيراً في سوق العمل وتوافر الأيدي العاملة.
التداعيات الاجتماعية لنقص الأيدي العاملة
يمكن تقسيم الجوانب التي تأثر بها نقص الأيدي العاملة إلى عدة جوانب؛ منها تأثيره على الحالة الاقتصادية للبلاد وتفشّي عمالة الأطفال بشكل غير قابل للحدّ منه أو السيطرة عليه، ودخول المرأة إلى سوق الأعمال أو المهن الشاقة أو حتى فكرة العمل خارج البيت.
ولم تكن النساء وحدهن ضحية الأعمال الشاقة والتحديات الجديدة التي فرضها واقع الحرب والأزمة الاقتصادية، بل كان للأطفال النصيب الآخر في التعرّض لكافة أنواع الفقر والفقد والحرمان من التعليم، وحتى العمالة لاحقاً، تلك التي لم تعد أرقامها طبيعيةً أبداً، إذ تقدر نسبة الأطفال السوريين العاملين الآن بنحو 20% من إجمالي أعداد العمال في سورية، مما يشير إلى تزايد مهول في أعداد الأطفال غير الملتحقين بصفوف التعليم، وأن هناك أربعة من كل خمسة أطفال سوريين يعانون من الفقر، كما أنّ الأطفال في خارج سورية وداخلها يساهمون في إعالة أسرهم عند غالبية العائلات السورية، حتى المقيمين منهم في مخيمات دول اللجوء اللبنانية أو الأردنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186