العمال مع مَن يصدقهم القول والفعل

العمال مع مَن يصدقهم القول والفعل

أينما وجد رأس المال فإنه يفرض على العاملين بأجر ظروفاً وشروطاً هدفها الأساسي زيادة الأرباح وبأقصى ما يمكن من السرعة. وبالتالي يعاني العاملون بأجر مخاطر الفقر وحوادث العمل وإصاباته وأمراضه المهنية، وغياب قواعد الصحة والسلامة المهنية وعدم توفر معدّاتها، فالعامل مضطر للمخاطرة بحياته من أجل مستقبل أسرته، فيمضي إلى جحيم العمل خوفاً من خطر الموت جوعاً، ولا حل أمامه غير بيع قوة عمله في سوق العمل.

النقابات العمالية هي التي تجمع العمّال باختلاف انتماءاتهم ومهنهم دون تمييز. من أجل الدفاع عن مصالح العمال وتحقيق مطالبهم وحماية مكاسبهم، وأن تكون الأجور كافية لمعيشتهم هم وأسرهم، والتعبير عن إرادتهم وتحسين شروط وظروف العمل. والحقيقة اليوم، التي تتمّ تغطيتها بغربال، هي أنّ التنظيم النقابي يعاني من قصور في سياساته وبرنامجه الكفاحيّ تجاهَ حقوق الطبقة العاملة، نتيجة ضعف الأدوات والوسائل المختلفة التي فقدها خلال العقود السابقة، حيث ساهمت في انخفاض الروح المعنوية للطبقة العاملة، وانخفاض مستوى الوعي الجماعي لديها، كما أضعف ذلك التنظيمَ النقابي من جانب تعداد المنتسبين إليه وكذلك جمهوره العمّالي وفي المجتمع، وبالتالي يفتقد المجتمع لما يكفي من قوى نقابية واعية تحمل مطالب جذرية في الدفاع عن مصالح وحقوق العمال وعموم الكادحين والعاملين بأجر.

من المعروف أنّ الدستور قد نصّ على استقلالية المنظمات الشعبية، والنقابات المهنية وغيرها وهذا شيء مهمّ. ولكن ما نُصَّ عليه في الدستور لم يُبارِح أوراقَه التي كتبت فيه، وما زال حبيس تلك الأوراق وخاصة فيما يتعلق بحقوق الطبقة العاملة والحركة النقابية عامة والعمالية خاصة. حيث مارست الحكومات المتعاقبة ما قبل انفجار الأزمة الوطنية وخلالها تجاهَ التنظيم النقابي دوراً تضليلياً، ويا للأسف لقد تورطت النقابات في هذا التضليل، والذي أخذ أشكالاً مختلفة، فارتفاع الأسعار سببه جشع التجار، وأزمة المحروقات سببها التهريب، إضافة إلى الحصار الجائر على البلاد، ولدينا في المجتمع أزمة أخلاق، والحكومة والتنظيم النقابي شركاء، وموافقتها على خصخصة قطاع الدولة، عبر أشكال تضليلية كالاستثمار والتشاركية وغيرها. بينما يُفترَضُ أن تكون الحكومة حكومةَ رعاية اجتماعية وحكومة دولة ممانعة واقتصاد مقاوم.

لذلك على الحركة النقابية الآن وهي تستعد لدورة نقابية جديدة وضع استراتيجيّات عمل نقابي كفاحي تعمل من خلال برامج هذه النقابات، تكون واضحة في علاقاتها مع العمال وأصحاب العمل في القطاع الخاص وقطاع الدولة على حد سواء، تحدّ فيه أجهزة الحكومة كافة من التدخل في شؤونها من أصغر قضية إلى أكبرها، وخاصة عمليات الانتخاب النقابية في أي موقع في الهرم النقابي، إضافة إلى عملية وطرق الانتخاب التي تعتمد القائمة المغلقة الناجحة مسبقاً.

إن الحريات الديمقراطية النقابية تشكل أحد الأسس الضرورية في حياة المنظمة النقابية، فكلّما اتسعت هذه الحريات وتوطّدت ازدادت النقابات قوة وصلابة في الدفاع عن حقوقها وتحصيلها، وعلى رأسها مطالب العمال المتعلقة برفع مستوى حياتهم ومعيشتهم بما يوازي هذا الغلاء المستشري في البلاد.
فالعمال مع من يصدقهم القول والفعل في التصدّي للدفاع عن حقوقهم. إنّ أيّ منظمة نقابية لا تستطيع فرض احترامها لدى العمال وارتباطها بهم وارتباطهم بها إلا بقدر ما تقوم به فعلاً في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم كافة. وبمقدار ما تتعزز قوة العمال وحركتهم النقابية يتضاءل نفوذ قوى رأس المال والفساد والنهب المختلفة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1186
آخر تعديل على الخميس, 08 آب/أغسطس 2024 21:15