ما هو مستقبل النقابات العمّالية؟ (2)
تستكمل «قاسيون» نشر تقرير منظمة العمل الدولية حول مستقبل الحركة النقابية، وما هي الأمور المفترض اتباعها من قبل النقابات لتستعيد دورها في تنظيم العمال، ودورها في الدفاع عن مصالحهم بعد التغيرات التكنولوجية الكبيرة التي أدخلت على الصناعة، وكذلك التغيرات السياسية والاقتصادية التي أفقدت الطبقة العاملة الكثير من حقوقها، سواء الاقتصادية أو السياسية، ومنها الحريات النقابية والديمقراطية.
يتمثل السيناريو الرابع والأخير في استعادة النقابات العمالية حيويتها وشبابها وإيجاد طرق للتوسع في قاعدة عضويتها الحالية، والنجاح في تنظيم أجزاء من «القوى العاملة الجديدة غير المستقرة» في الاقتصاد الرقمي.
قدمت بعض الأدلة على ذلك: النقابات أو المنظمات المشابهة للنقابات التي بدأت في العمل داخل الاقتصادات غير النظامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والنقابات العمالية في البلدان المتقدمة التي تبتكر طرقاً ذكية لاستخدام الإنترنت كأداة للتواصل مع عمّال المنصّات وتنظيمهم ومدّ العضوية لتشمل العمال «لحسابهم الخاص».
في الاقتصاد التقليدي والاقتصاد الرقمي
يمكن أن ينبع التفاؤل بشأن مستقبل النقابات من زيادة تنوع عضوية النقابات، والتقدم الهائل الذي أحرزته النساء في النقابات، وارتفاع مستوى التعليم بين أعضاء النقابات، وضخ طاقة جديدة في النقابات من خلال العديد من حملات التنظيم ومبادرات تجديد النقابات منذ عام 2000.
اليوم، يرى عدد أكبر من قيادات النقابات ضرورة القيام بالتجديد. ويعتبر الابتكار أيضا أمراً يتعلق بانتقال الموارد داخل الحركة النقابية. ولا يزال معدل الانضمام إلى النقابات بين الموظفين والمهنيّين في الإدارة العامة والتأمين الاجتماعي والتعليم والخدمات الصحية مرتفعاً في العديد من البلدان، بينما يصل معدل انضمام القطاع الخاص إلى النقابات إلى أقل معدل له.
ويثير ذلك مسألة سبل الاستغلال الأمثل لتلك الموارد وتشاركها.
ويعتبر ضم المزيد من الشباب للنقابات أمراً أساسياً لأي استراتيجية لتجديد النقابات.
عملية إحياء دور النقابات
ينبغي أن تهدف النقابات على أقل تقدير لمضاعفة معدل كثافة النقابات الحالي من الشباب حتى عمر 30 عاماً ورفع المتوسط من 11% حالياً إلى 22%. وقد تكون هناك عدة طرق لتحقيق ذلك.
ويتطلب ذلك استقدام أعضاء في المراحل المبكرة، في المدارس المهنية وفي الجامعات وأثناء الانتقال من المدرسة للعمل.
قيام النقابات بتقديم برامج عضوية خاصة وخفض الرسوم وتقديم مزايا مستهدفة تساعد الشباب في هذه المرحلة من حياتهم.
ويتطلب الأمر حتماً تحويل النقابات لبعض مواردها ومزاياها وسياساتها من العمال الأكبر سناً إلى الأصغر سناً.
ويعتبر تغيير القيادات أحد جوانب هذا الأمر، غير أنه سيكون من المفيد بالتأكيد رؤية مزيد من الشباب في القيادة العليا للنقابات والاتحادات.
لقد بدأ اتحاد نقابات عمال إيطاليا بتحديد حصة 20% للعمال دون سن الثلاثين كمسؤولين نقابيين منتخبين. وقد نجح تخصيص حصة مماثلة، وإن كانت أعلى في حالة النساء، في جذب المزيد من النساء لمناصب نقابية ومن المفهوم أنّ القيام بذلك إلى جانب تغيير السياسات قد جعل النقابات أكثر جذباً للنساء.
غالباً ما تتمتع النقابات العمالية بدعمٍ من المجتمع بصفة عامّة يفوق حصة عضويّتها المتناقصة. ولا ينبغي التقليل من أهمّية صورة النقابات العمالية في المجتمع. ويوضح هذا الأمر مثالَين متناقضين، أحدهما من قطاع تكنولوجيا المعلومات في الهند والثاني من مجال صناعة السيارات في ألمانيا.
«بمرور السنين، نما انطباع عام غير محمود عن النقابات العمالية الهندية كونها تتصرف بشكل غير مسؤول، وتلبّي المصالح الخاصة وتتبنى أساليبَ هدّامة وتهمل مصالح الأعضاء وتتجاهل رفاه المجتمع ككل». ويمكن التوضيح أن أصحاب العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات استغلوا تلك الصورة السلبية لمنع أو لإيقاف جهود التنظيم من خلال تصوير النقابات العمالية على أنّها غير متطوّرة أو غير مفيدة أو غير ذات صلة أو خطرة. وبناءً عليه، ينبغي لمحاولات التنظيم بين متخصّصي تكنولوجيا المعلومات أن تتجنّب كلّ الارتباطات والاتصالات مع النقابات حتى تحقق قدراً من النجاح.
يجب أن يركّز التنظيم الناجح على مهنيّة وكفاءات النقابات بوصفها جهاتِ تَفاوضٍ ماهرة. ويشير المثال الألماني إلى استغلال نقابة «آي جي ميتال» للفرص التي وفّرتها الأزمة المالية عام 2008. وفي هذا الوقت، اقترحت النقابة خطة عمل قصيرة المدى لتفكيك السيارات ونجحت فيها، مما أبقى على صناعة السيارات متماسكة وعلى العمال المَهَرة في وظائفهم. وقد أضاف هذا الإنجاز، الذي تمّ الإعلان عنه على نطاق واسع في وسائل الإعلام، إلى توكيد نفوذ ومكانة سلطة النقابة، وساعد على تحسين موقف النقابة في المجتمع وزيادة إحصاءات عضويتها.
أربعة سيناريوهات مستقبلية محتملة
أوضح (فرانجي وكوس وهادزيابديك) أن هناك جزءاً كبيراً من الرأي العام الأوروبي الذي يعتبر النقابات العمالية مؤسسة اجتماعية مهمّة، وقد ظل ذلك صحيحاً بمرور الوقت بالرغم من تراجع مستويات الكثافة النقابية.
على ذلك، عبّرت الجماعات الاجتماعية الهشّة عن مستوى مرتفع من «الثقة في النقابات»: مثل الأشخاص الذين يحصلون على دخل منخفض والشباب والمهاجرين – وهي مجموعات ممثَّلة تمثيلاً ناقصاً في النقابات العمالية وفي السياسة وفي غالبية المنظَّمات والمؤسَّسات الاجتماعية الأخرى.
في أكتوبر 2015، عندما أعلن المكتب الأسترالي للإحصاء أنّ عضوية النقابات انخفضت إلى 14.4% من كافة الموظفين، وهو أقلّ مستوى لها خلال 25 عاماً، قامت شركة استطلاعات الرأي الرئيسية في البلاد بنشر أرقام توضح أنّ 62% من الأستراليين يعتقدون أنّ النقابات مهمّة وأنّ هذا الاعتقاد يتزايد منذ عام 2012. ويَعتقد 21% فقط ممن شاركوا باستطلاع الرأي أنّ النقابات ليست بالغة الأهمية، وقد انخفضت النسبة بعد أن كانت تمثل 27% في عام 2012.
ومن الأمور التي تعارضت بصورة أكبر مع معدل الكثافة المنخفض هو أنّ 45% من الأستراليين على قناعة بأنّ العمال سيكونون أفضل حالاً إذا كانت النقابات أكثر قوّة. وباختصار، يبدو أنّه لا تزال هناك مساحةٌ اجتماعية وفكرية أوسع للنقابات العمالية.
لا يعنى إحياءُ دور النقابات العودةَ للماضي، سواء بالنسبة لأشكالها أو أعدادها. ويعني الإحياء القيام بالأمور بصورة مختلفة. وما يجب القيام به بصورة مختلفة على الأرجح هو العضوية نفسها وما تنطوي عليه فيما يتعلق بالالتزامات والحقوق والواجبات. ومن المحتمل أن تصبح العضوية أكثر هشاشة وتصبح مؤقّتة وأقل اعتماداً على الالتزام الدائم و«المفتوح»، تماماً كما حدث من تغيرات في علاقات العمل اليوم.
وبالنسبة للجيل الحالي والجيل القادم من الشباب بصفة خاصة فإن الانضمام لسوق العمل والمشاركة في النقابات قد يتضمن أشكالاً جديدة من المشاركة التي تعتمد على الإنترنت، وتتضمن التمويل الجماعي والرسوم الضئيلة لبعض المشروعات وحقوق التصويت في انتخابات النقابات والتصويت على الاتفاقيات الجماعية والمواثيق الاجتماعية والإضراب.
ويتطلب كل ذلك تفكيراً جديداً والتجريب وخاصة فيما يتعلق بما ينبغي أن يظل العمل الرئيسي للنقابات، وهو التنظيم والتعبير عن التضامن بين العمال من أجل التفاوض بشأن الاتفاقيات التي تلزم أصحاب العمل والحكومات.
ويضع التفاوض الاجتماعي فرضية مسبقة تتعلق بالقدرة على الدعوة للإضرابات والإلزام بالنتائج - وهناك سؤال كبير مفتوح وله تداعيات قانونية أيضاً، وهو يتعلق بما إذا كان من الممكن القيام بالأمرين من خلال أشكال عضوية أكثر مرونة أو أقل إلزاماً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186