استغلال الاستغلال

استغلال الاستغلال

حرصاً على سعينا الحثيث في متابعة أحوال الطبقة العاملة وخصوصاً العاملة في القطاع الخاص، اتصلنا بأحد العاملين في معمل لصهر وسكب الألومينيوم لصناعة تجهيزات ولوازم الإنارة، علماً أننا تقابلنا معه بأحد المقاهي الشعبية وقد تطرقنا في حديثنا إلى أهم النقاط التي نستطيع من خلالها استقراء وضع الطبقة العاملة بشكله العام وتحديداً في القطاع الخاص.

سيف الدين من سكان مدينة داريا يعمل بأحد المعامل الموجودة في المدينة منذ عام تقريباً، تطرق في حديثه إلى عدة نقاط جوهرية أهمها بيئة العمل التي لا يوجد فيها أدنى مستويات السلامة المهنية حيث يتعامل هو وغيره من العاملين مع الألومينيوم المصهور بدرجة حرارة تصل إلى 1000 درجة مئوية بدون أية ادوات تساعده على تجنب مخاطر العمل ولو بالحد الأدنى من الأدنى.
يعمل سيف حوالي 12 ساعة يومياً على مدار الأسبوع كدوام رسمي، إضافة إلى الدوام الإضافي في بعض الأيام، وأحياناً يضطر إلى العمل يوم الجمعة كل ذلك بناء على رغبة وإرادة رب العمل الذي لا يترك فرصة واحدة إلا وضاعف استغلاله للعاملين بشكل عام وسيف بشكل خاص وذلك لعدة أسباب، أهمها أن سيفاً متخلف عن الخدمة الإلزامية ولا يستطيع البحث عن عمل آخر خارج المدينة، بالإضافة إلى عدم قدرته على ترك هذا العمل لأنه يعتبر الدخل الأساسي لعائلته.
يتقاضى سيف الدين أجرة أسبوعية تبلغ 65,000 ليرة سورية فقط لاغير، ما يعادل 10,833 ليرة تقريباً في اليوم الواحد، أي حوالي 903 ليرة تقريباَ للساعة الواحدة، وما يميز المنشأة التي يعمل بها هو عدم وجود أي عقد أو أية ورقة توضح على الأقل الحقوق والواجبات للعمال، وكل ذلك متروك لرغبة وإرادة رب العمل وحالته النفسية ومزاجه، حتى إنه لا يوجد نظام واضح للعمل الإضافي، حيث أضاف سيف الدين أنه في الأسبوع المنصرف داوم يوماً اضافياً (يوم الجمعة) وحوالي 7 ساعات إضافية موزعة على أيام الأسبوع، وحين حان وقت القبض في «لا نهاية الأسبوع» وهو فعلاً (الاسبوع لانهاية له) سحب رب العمل من درج الغلة 65،000 ليرة أجرة الأسبوع العادية وأضاف لها (5000) ليرة تكريماً وتبجيلاً منه لساعات سيف الدين الإضافية، وختم هذه المهزلة بكلمة «الله يعطيك العافية». أي إنه فعلياً تقاضى عن كل ساعة إضافية 263 ليرة فقط لا غير.
حسابياً ووفقاً لأكثر الأنظمة ظلماً واستغلالاً، فإن ساعات العمل الإضافية يتاقضى فيها العامل على الأقل ضعف ساعة عمله العادية، وعليه تكون أجرة هذه الساعات الإضافية حوالي 34,314 ليرة تقريباً على الأقل، وكما عبر سيف الدين (ويا سيدي عطيني حقي بدون ما تقلي الله يعطيك العافية).
إن ما قامت به السياسات الليبرالية المتوحشة ونمط الاقتصاد المشوّه المتبع في البلاد منذ قرابة النصف قرن، قد جعل أحوال الطبقة العاملة تفوق سوءاً وإزراءاً وقسوةً أحوال الاقنان والفلاحين في العصور الوسطى الاقطاعية، بل حتى إن أحوال العبيد في العصور العبودية تكاد تكون أكثر عدالة من أحوال الطبقة العاملة في عصر الحداثة والتطور «الرأسمالي الإمبريالي» الذي جرد الطبقة العاملة من الحقوق والامتيازات التي استطاعت أن تقتلعها رغم انوف النظام الرأسمالي واهم هذه الحقوق (يوم العمل من 8 ساعات). علماً أن الطبقة العاملة أصبحت بحاجة إلى العمل لما يقارب 16 أو 18 ساعة يومياً من أجل أن توارب وتتحايل على قسوة المعيشة، فالحد الأدنى للمعيشة تبعاً لمؤشر قاسيون لعائلة من خمسة أشخاص يقدر بحوالي مليوني ليرة شهرياً، في حين أن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 93,000 ليرة فقط لا غير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1094
آخر تعديل على الإثنين, 31 تشرين1/أكتوير 2022 02:31